د.حسام العتوم
لم يعد مهماً للعالم اليوم الخوض في مصدر فايروس جائحة كورونا سواء كان ذلك من مختبرات مدينة (أوهان) الصينية, أو وسط الجيش الأمريكي العام المنصرم 2020, أو قبل ذلك عبر انتقاله من الصين إلى فرنسا عبر السيدة الرياضية العسكرية الفرنسية (إيلودي كلوفيل) عام 2019, ويعتقد حينها انتقاله من الحيوان إلى الإنسان بداية. لكن الأهم، كيف بالإمكان العمل على مستوى المجتمع الدولي لإنقاذ البشرية منها؟ وكيف ممكنا تجاوز الحرب الباردة بين الغرب والشرق, وتحديدا بين أمريكا واوروبا من جهة, وبين روسيا والصين من جهة أخرى للمساهمة بقوة في تطويق الجائحة ؟ ولا مكان للحرب العسكرية النووية العملاقة في وقتنا المعاصر, لأنها تعني نهاية البشرية وحضاراتها, ولم تعد الحرب الأقتصادية السائدة غربا وشرقا الممكن وضعها تحت المجهر فقط, فلقد تقدمت جائحة كورونا المشهد وغلفت العالم . وفي المقابل لم تكن روسيا الأتحادية أولى دول العالم إصابة بفايروس كورونا وجائحته الخبيثة الفاتكة بالإنسان, فلقد غزت الجائحة أوروبا وأمريكا بعد الصين, وإنتشرت في العالم تماما كما النار في الأدغال.
ولقد تنبهت روسيا مبكرا لحراك الجائحة, وكانت القيادة الروسية تتابع عن كثب الحدث الوبائي الخطير المتحرك على وجه الأرض, ومختبراتها الطبية عملت ولا زالت تعمل بجهد نوعي عالي, وسجلت روسيا بقيادة رئيسها فلاديمير بوتين سابقة تاريخية وسط الحرب الباردة والعقوبات عليها من طرف الغرب الأمريكي, فهبطت بطائرتها الطبية أولا في إيطاليا عام 2020, وهو الأمر الذي أحرج أوروبا التي لم تقف إلى جانبها عند اندلاع الجائحة وفتكها بالمواطن الإيطالي وبشراسة. وكررت حملتها الطبية الإنسانية إلى أمريكا عام 2020 أيضا بهدف مساعدتها في مواجهة الجائحة الفايروس الفتاك, وردت أمريكا على الخطوة الروسية شاكرة وبالمثل, ومن زاوية الند للند, وبأن لا علاقة للطب والمساعدات الطبية بالسياسة, وبالحرب الباردة المستمرة من طرفها والغرب, وهذا ما لاحظناه بعد ذلك عندما استمرت أمريكا (دونالد ترمب) بالتشكيك بروسيا (بوتين) بتزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020, وكيف عاودت أمريكا (جو بايدن) بإثارة هاجس قضية تزوير روسيا للانتخابات الرئاسية الأمريكية في عهدي (ترمب) و (بايدن) نفسه إلكترونيا وعبر الإعلام الرقمي, وهو بطبيعة الحال عمل إستخباري أمريكي محض, وقلق دائم وتخوف من حدوثه بشكل دائم, وهو محض سراب قاد الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا (جو بايدن) وورطه بتوجيه تهمة القتل العمد “ Killer” للرئيس (بوتين) من دون سبب شخصي مقنع.
وانحصر السبب في حزمة قضايا لاعلاقة لإمريكا بها لا من زاوية حقوف الإنسان, ولا من الباب السياسي الدولي الرزين, وإنما بشؤون ذات علاقة مباشرة بسعير الحرب الباردة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1945, وهي مثل موضوع المعارض الروسي (نافالني) عام 2021, والجاسوس الروسي المزدوج (سكريبال) عام 2019, وإقليم القرم عام 2014, وشرق (أوكرانيا – الدونباس) عام 2014, والملف السوري 2015, وشراء تركيا لمنظومة الصواريخ الباليستية الروسية الدفاعية C400 عام 2020, والدور الروسي في ترتطيب أزمة كوريا الشمالية النووية عام 2019, ووصول روسيا للسلام مع اليابان حول جزر الكوريل خارج معاهدة سلام عام 2020, والنجاحات الروسية في الجزيرة العربية على مستوى تسوية العلاقات الداخلية وتزويدها بالنووي السلمي من المفاعلات الخادمة للإنسان عام 2020, وغيرها من القضايا العالقة الحساسة بين الطرفين الأمريكي والروسي.
لم تنتشر جائحة كورونا COVID 19 في روسيا بحجم كبير وبسرعة فورا, وكنت أراقب عن بعد وعبر الإعلام الرقمي قوة الانتشار في المدن الروسية والقرى والمحافظات, وكانت الأعداد قليلة فعلا وتعد بالعشرات, وبسبب عدم اكتراث الإنسان الروسي بأهمية وخطورة الجائحة بداية, ولم ينتشر الوعي وسط الناس هناك بسرعة بهدف مكافحة الجائحة, ولم يرتدو الكمامات, ولم يمارسو التباعد, ولم يضبطو التجمعات في المناسبات, لكنهم تنبهو للخطر القادم والذي لا يُرى في العين المجردة لاحقا, وبدأنا نلاحظ انتشار من يرتدي الكمامات, ونسمع عن ابتعاد ناسهم عن التجمعات والالتزام في البيوت. وذات الوقت عملت المختبرات الروسية الطبية وبتسارع ملاحظ على اكتشاف اللقاح المطلوب لمواجهة الجائحة, ونوعت من أصنافة, وأخذت بعين الاعتبار شرائح كبار السن, والمرضى, والأطباء, والممرضين, وتفوقت في صنعه عالميا, وتمكنت من ارجاع رقم كورونا الذي شهد تصاعدا قبل أكثر من شهر ووصل إلى 30 الف إصابة يوميا تقريبا, إلى 9 آلاف حالة يوميا. وشاهد العالم مؤخرا احتفالية روسيا الحاشدة في العاصمة موسكو بحضور الرئيس بوتين, ومن دون كمامات, ومن دون تباعد, بمناسبة مرور 7 اعوام على إعادة إقليم القرم إلى حضن أمه روسيا الاتحادية بقوة صناديق اقتراع بلغت نسبتها 95% وسط الإقليم, وبعد اغتراب طويل شمل الحقبتين السوفيتية والروسية منذ عام 1954, وبعد الانهيار السوفييتي حتى عام 2014, أي بعد 51 عاما على قرار الزعيم السوفيتي (نيكيتا خرتشوف) بضمه لأوكرانيا لسبب إقتصادي, وبهدف شق نهر مائي وقتها, وجذوره التاريخية الروسية ضاربة في عمق التاريخ وتعود لعهد الامبراطورة (يكاتيرينا) الثانية بعد انتصارها في الحرب الروسية العثمانية. وهو الإقليم الذي وصفه بوتين بالهدية الثمينة التي أسيء استخدامها. وعملت روسيا على تسليحه نوويا إلى جانب رسو اسطولها النووي الإستراتيجي في مياهه وسط البحر الأسود.
من أهم أسرار نجاح اللقاح الروسي ” Sputnik V” رقم 3 وتألقه عالميا هو أن فايروس كورونا المستخدم في جوفه هو ميت غير ضار لكنه مفيد لغرض مكافحة الفايروس الخارجي الحي, ونسبة فعاليته 91,6%, وحمايته تصل إلى 100%, ويستخدم على جرعتين, ويخدم مستخدمة ويحميه ستة شهور, وبعدها يستطيع معاودة استخدامه لحين مغادرة كورونا الوبائي نهائيا, وتنظيف العالم منه, ويفضل مواصلة الالتزام بالكمامة وبالتباعد, والإبتعاد عن التجمعات خاصة بسبب تراجع مستوى المناعة بعد الجرعة الأولى, ولقد اختلف عن Sputnik V) ) رقم 1 و2 المحمل بفايروس كورونا الحي. ولقد أظهرت المختبرات الروسية لقاحين أخرين بإسم “ Light“ و”جوماكوفا”.
والأول يعطى لمستخدمة خاصة من كبار السن والمرضى كما عرفت على شكل جرعة واحدة, والثاني ناجع أيضا. والرئيس بوتين تناول جرعة من ” سبوتنيكV” لكنه لم يعلن من أي نوع روسي هو حتى لا يتزاحم الروس وغيرهم على أخذه.
ويقابل هذه المعادلة عدم قدرتنا نحن العرب وبكل ما نملك من مال وفير, ومن مختبرات متطورة, وعلماء, وأبحاث ودراسات علمية وبائيةبيولوجية متخصصة على اختراع لقاح خاص بنا نفيد به أنفسنا ونساهم في تحقيق الفائدة للبشرية جمعاء. وما فعله بعضنا كعرب هو شراء اسم اللقاح الصيني وترويجة وسطنا, وهو عمل نافع بكل الأحوال. وملاحظتي هنا على ما وصلنا من لقاحات عالمية لبلدنا الأردن بهدف تطويق جائحة كورونا غير كافية حتى الساعة لعدد سكان الأردن الذي تجاوز العشرة ملايين نسمة. ويقابل ذلك الدفع إلى السوق باللقاح البريطاني (Astrazeneka) رغم علامات الاستفهام الدولية عليه، وحالة عدم الرضا المحلية عن سمعته كما نسمع, وملاحظات تصلنا من داخل المؤسسات الطبية الروسية أيضا لا علاقة لها بالحرب الباردة ولا بالفوبيا الروسية. ومؤسسات أردنية تحجز اللقاح الصيني وتوزعه على منتسبيها لجودته ولتعادله مع نظيره اللقاح الروسي, وإنتظار شعبي أردني واسع لمزيد من اللقاحات الصينية والروسية, إلى جانب اللقاح الأمريكي المستخدم رغم بعض ملاحظات المواطنين حوله بسبب آثاره السلبية على الجسم بعد أخذه مثل (ارتفاع درجة الحرارة).
وفي الختام أدعو الله أن ينقذ البشرية من جائحة كورونا الخبيثة, وأن تعود الحياة إلى طبيعتها وحيويتها على مستوى الاقتصاد والعلوم والمعارف الأكاديمية والمهنية من مدارس وجامعات وكليات بعد التزام الناس بإلارشادات الطبية وباللقاح المفيد غير الضار بعد توزيعه بعدالة على كافة أفراد الشعب, وعلى كل من يقطن الأردن معنا. ودعواتنا لتصدق تنبؤات جامعة كاليفورنيا الجديدة هذه الأيام من هذا العام 2021 عبر مختبراتها الطبية بانتهاء الجائحة خلال شهرين من الآن. وبالمناسبة لقد وصلت روسيا الاتحادية إلى مرحلة توزيع اللقاح الروسي شعبيا من دون مواعيد أثناء تجوالهم في الأسواق التجارية. وسبق لروسيا أن تغلبت على وباء الملاريا في القرون الوسطى, وعلى مجاعة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي, وتجاوزت الحربين العالميتين الأولى (1914 1918) والانفلوانزا الإسبانية, والثانية (1993 1945 ), وما صاحبهما من خسائر بشرية مليونية.