د.حسام العتوم
بداية لابد من تسليط الضوء على اللغة الروسية في عمق التاريخ المعاصر ووسط العالم وهي المكونة من (33) حرفاً، ولنتعرف على مؤسسة صندوق “روسكي مبير ” في موسكو، وهنا في عمان الراعية والناشرة لها والمحافظة على قوتها في إطار جبروت أعتى لغات العالم، وهي التي تحتل المرتبة السادسة وسط لغات الأمم المتحدة . ولكي نسلط الضوء على الحضارة والأدب الروسي العريق، وعلى الثاقفات الروسية الموزعة على القوميات العديدة والمرتبطة بهذه اللغة العالمية مباشرة في المقابل، وسط المنظومة السوفيتية السابقة، ورغن محاولات محاصرتها في أوكرانيا الغربية المحيطة بالعاصمة كييف لأسباب سياسية ذات علاقة مباشرة بمصير إقليم ( القر)، وبشرق أوكرانيا، ورغم تكرر الصورة في دول البلطيق.
والمدهش في تاريخ اللغة الروسية السلافية الأوراسيوية – الهندو أوروبية هو أن مؤسسها الكسندر سيرجييفيج بوشكن لم يتحدث اللغة الروسية في بدايات عهده وحتى سن السادسة، وإنما تحدث الفرنسية بسبب ميلاده وسط أسرة أرستقراطية نبيلة عام 1799 في موسكو، ووالدته تعود في أصولها لـ – Abram Hanibal في شمال أفريقيا العربية وفي تونس تحديدا في مدينة ( قرطاج)، ويمتد تاريخ بوشكين إلى أثيوبيا الإفريقية أيضا. والروسية من أهم لغات الأمم المتحدة الرسمية، ودول حق ( الفيتو ) في مجلس الأمن، ويتحدث بها اليوم أكثر من 300 مليون نسمة، وبتاريخ 6 حزيران من كل عام يحتفل بيومها العالمي، ويرعى أعمالها وأدبها “مؤسسة صندوق روسكي مير” في موسكو برئاسة النائب البورفيسير فيجيسلاف نيكانوف، وهو الصندوق المالي والتنموي الذي رفع في مؤتمراته التي شاركت بعدد منها، ولا زال يرفع شعار “العالم سينطق بالروسية” ويحظى برعاية مباشرة من رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين.
ونظرة ثاقبة على الأدب الروسي تعطينا بكل تأكيد انطباع مشرق على هيبة اللغة الروسية في زمننا المعاصر، وبالمناسبة فإنها كانت أكثر تعقيدا من الآن في البدايات واتسمت بالفصحى السلافية القديمة الثقيلة ثم تم تبسيطها مع الزمن حتى تحولت إلى معاصرة واسعة الإنتشار. فلقد كتب بوشكين الكثير ومنها روايته “يفغيني انيغين”، وجاء “دوتسفكي” بروايتيه المشهورتين “الجريمة والعقاب” و “الأخوة كارامازوف” وتولستوي كتب روايتيه ” الحرب والسلام ” و “أنا كاريننا”، وجيخوف كتب مسرحية “بستان الكرز”، وليرمانتوف كتب رواية “جذع فلسطين”، وغوغل كتب رواية “الأرواح الميتة “، وتورغينيف كتب رواية “الآباء والأطفال”، ومكسيم غوركي كتب رواية “الأم” وغيرهم الكثر. والروسية لغة الفضاء، وكل من يصعد إليه مع الرواد الروس. وهي لغة كل من يقصد روسيا بهدف الدراسة والعمل والزواج وللحصول على جواز السفر الروسي. وهي لغة السياسة، والدبلوماسية، والإعلام، والاقتصاد، والمفاعلات النووية السلمية، والسياحة، والعسكرة، والثقافة ومنها (الفن، والموسيقى، والفلكلور، والتاريخ، والرياضة).
وإلى الأردن قدمت اللغة الروسية ونمت عبر البوابتين الأيدولوجية الإشتراكية والشيوعية في خمسينيات القرن الماضي، والدبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي في زمن مليكنا الراحل العظيم الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والزعيم نيكيتا خرتشوف بتاريخ 21/8/1963، وأصبحت مع تتابع الزمن تحتل المرتبة الثالثة شعبيا في الأردن بعد اللغتين العربية الرسمية والإنجليزية المساعدة. وكان أول سفير أردني عمل في موسكو هو عبد الله زريقات، وأول سفير روسي في الحقبة السوفيتية عمل في عمان هو “بيتر جلوسارينكا”، وسفير الأردن الحالي في روسيا الاتحادية هو “خالد الشوابكة”، وسفير روسيا الاتحادية في المملكة الأردنية الهاشمية هو “غليب ديسياتنيكوف”، ومن بين سفراء الأردن في موسكو الذين تحدثو باللغة الروسية كان “أحمد مبيضين”، وسفراء روسيا في عمان معظمهم يتحدثون باللغة العربية. وسبق للاتحاد السوفيتي أن خرّج أكثر من 20 ألف طالب وطالبة أردنية بالمجان، وبمختلف المراحل الدراسية، واستمرت روسيا منذ إستقلالها عام 1990 تواصل تقديم المنح المجانية الدراسية للأردنيين بمعدل حوالي 180 منحة سنوية بتخصصات مختلفة تشمل الطب وكافة الدرجات العلمية. وأكثر من 5 آلاف زوجة روسية وسوفيتية سابقة في الأردن، ولهن أبناء وأحفاد ناطقون جميعهم بالروسية.
ومدرسة روسية بعمان تتبع السفارة الروسية مباشرة، ومركز للعلوم والثقافة يقوده “اليكسي بوكين” بنشاط ملحوظ، وهو محتاج لمكتب صحفي بداخله، ويقدم المنح الدراسية، ويدرس اللغة الروسية، ويعقد البرامج الاجتماعية والفنية الناجحة، ومجموعة من الأندية الأردنية ذات العلاقة بروسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق مثل (نادي إبن سينا، وجمعية الصداقة الأردنية الروسية، والشبيبة، والجاليات، والسيدات الروسيات)، إلى جانب الحضور الدبلوماسي للسفارة الروسية . وتدرس اللغة الروسية في الجامعة الأردنية بنجاح مبهر، وتم افتتاح زاوية متخصصة لها مجهزة بأحدث التقنيات تديره الدكتورة “تتيانا جلوشينكو” بإسم مؤسسة صندوق “روسكي مير” بعمان، ويساعدها نخبة من المدرسات الروسيات الأكفاء . و تمكنت الزاوية من النهوض باللغة الروسية إلى درجة البكالوريوس، ويقبل على دراسة الروسية أردنيون من كافة أنحاء المملكة، وسجل هذا العام 2021، 120 طالبا و طالبة رغم ظرف جائحة كورونا، وسبق أن تخرج سنويا 40 طالبا وطالبة منذ عشر سنوات خلت، والعدد بازدياد. والخريجون منهم يواصلون دراساتهم العليا في روسيا، ومنهم من يعمل في قناة “روسيا اليوم”، وفي الخارجية الأردنية، وفي السياحة، وفي الإقتصاد، وفي الأمم المتحدة، كما وتدرس اللغة الروسية في جامعة اليرموك أيضا .
واللغة الروسية في الأردن تبقى نافعة أيضا في السياحة الدينية الروسية في منطقة “المغطس” حيث تعمد المسيح عليه الصلاة و السلام باعتراف الفاتيكان. وحيث الكنيسة الروسية التي أشيدت على قطعة من الأرض مهداة من سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ” حفظه الله”. ورسالة عمان التي أطلقها جلالة الملك عام 2004 مترجمة أيضا إلى اللغة الروسية، وحققت انتشارا عالميا، وهي الداعية للتعريف بالإسلام وحضاراته وعلاقته الحميمة مع الأديان السماوية السمحة الأخرى.
ومن هنا أوجه دعوة لفخامة الرئيس “فلاديمير بوتين” لاعتماد المغطس حجا سنويا لسيادته ولكافة المسيحيين الروس، وللتعرف على الحضارة الإسلامية أيضا، وعلى مهد الأديان الإبراهيمية التي تعود لجد الأنبياء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وعلى الأردن البلد الجميل، والمتحف الحضاري المفتوح، والصديق الإستراتيجي لروسيا الإتحادية إلى جانب البلدان العربية الشقيقة.
ومن وسط تجربة شخصية لي في مجال اللغة الروسية – وأنا الدارس للإعلام في جامعتي فارونيج وموسكو الحكوميتين- فإن تدريسها ودراستها في الأردن ممكن، وفرصتها متاحة، إمكانية التحدث بها متوفرة، وما يعزز نجاحها في مواصلة الدراسة في الوسط الروسي، في المعاهد والجامعات مباشرة، وبعد الاختلاط بالمجتمع الروسي الموزع على قوميات عريقة بثقافات متنوعة أصيلة، والمكون من حوالي 150 مليون نسمة، ووسط حضارات جذورها ضاربة في عمق التاريخ من زمن “كييف روس” الشرق سلافية، وعبر دوقية موسكو، والنظام القيصري، بإتجاه البناء السوفييتي على أكتاف الثورة البلشفية 1917، وصولاً إلى روسيا الإتحادية المعاصرة بعد عام 1991 وحتى يومنا هذا.