د. راكز الزعارير
قبل جائحة كورونا كانت ثقة المواطنين بالحكومة في أدنى المستويات التي تحظى بها حكومة أردنية وذلك استنادا إلى مقياس عدة استطلاعات للرأي العام الأردني كان أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية ومراكز دراسات أخرى مرموقة، ولم ينافسها من الحكومات على تلك المرتبة المنخفضة وغير المسبوقة إلا حكومة د.هاني الملقي.
جاءت أزمة جائحة كورونا ووفرت فرصة للحكومة وطوق نجاة لها من مواجهات ضاغطة على مستوى الرأي العام الأردني والقوى السياسية باتجاه تغيرها وحل البرلمان وآخرها إعلان جلالة الملك عن استحقاق انتخابات نيابية هذا الصيف.
مواجهة كورونا كانت بجهد وطني شامل حقق نجاحا وطنيا أردنيا باهرا على مستوى الصحة الوقائية والعلاجية، والحكومة لعبت دورا محوريا في هذا الجهد وخاصة في إدارة المنظومة الصحية الكلية في الدولة، وأما رافعة ذلك الإنجاز الكبير فكان دور الجيش والأجهزة الأمنية في تطبيق تنفيذ القرارات والتعليمات وفق قانون الدفاع المعمول به دستوريا حتى الآن لمواجهة الأزمة.
معظم الإجراءات والسياسات الحكومية على المسارات الأخرى في التصدي لتبعات وتداعيات الأزمة التي قامت ولا زالت تنفذها الحكومة بحماية مظلة قانون الدفاع، لم تحقق النجاح المنشود وولدت أزمات اجتماعية واقتصادية ومالية غير مسبوقة كان يمكن تجاوز غالبية هذه التداعيات بمزيد من التروي وحصافة اتخاذ التعليمات والقرارات مع الاعتبارات للوقاية الصحية.
السياسات الاقتصادية والزراعية والأمان الاجتماعي وعودة المغتربين والطلبة من الخارج والمحافظة على المؤسسات والسياسات المالية والنقدية وتوظيف المساعدات الدولية لمواجهة الجائحة، ووقف التوظيف للشباب في القطاع العام والفوضى في العمالة في القطاع الخاص والتعليم المدرسي والجامعي المربك عن بعد بسبب سوء البنى التحتية وعدم الاستعداد والتأهيل المسبق وغير ذلك، يبدو أنها أصبحت تخلق إحباطا متصاعدا لدى الأردنيين من تداعيات هذه السياسات على حياتهم ومستقبلهم وأبنائهم مما وضع الحكومة في مواجهة عدة أزمات حقيقية حاليا وفي المستقبل في وقت واحد على كافة المستويات في الدولة.
على سبيل المثال السياسة المالية ووقف دعم الخبز ووقف الزيادات السنوية للقطاع العام وخفض الحد الأدنى للأجور ووقف التعيينات والتوظيف في القطاع الخاص وتوزيع مساعدات الدعم بشكل غير مرض على الفئات المتضررة حيث تم توزيع 29 مليونا فقط من تبرعات صندوق خدمة وطن بواسطة الحكومة، وتوجيه المساعدات الدولية واعتبارها جزءا من الدعم للموازنة العامة بالرغم من أن المساعدات هي لدعم المتضررين من الجائحة.
كما أن السياسة النقدية التي انتهجها البنك المركزي كانت سياسات توجيهية وليست فرضية على القطاع المصرفي الذي لم ينفذ إلا جزءا بسيطا من توجيهات البنك المركزي، ومعظم البنوك خفض الفائدة المصرفية فقط 5,٪ علما بأن المركزي أوصى بالتخفيض 1.5 ٪، كما أنه لم يتم تأجيل على معظم القروض إلا النذر اليسير منها.
على مستوى أداء الفريق الحكومي من الواضح التناقض في الكثير من التصريحات بين الوزراء حول بعض القضايا، خاصة المتعلقة بالإجراءات الاقتصادية والدعم والزراعة والنقل العام وكثرة التصريحات ذات الاستهلاك الإعلامي التي فاقمت من معاناة كافة المواطنين. ورافق ذلك اختفاء كامل لعدد من الوزراء في الحكومة الذين كان ينبغي عليهم الانخراط في الجهد الوطني والتواصل على الأقل مع المواطنين والاطلاع على معاناتهم.
بعد تسجيل نجاحات بخطوات في المراحل الأولى من الأزمة تراجع الأداء والثقة في سياسات الحكومة ومدى قدرتها على السير بالاتجاه الصحيح حسب آخر الاستطلاعات، كما أن التحول في الرأي العام الأردني كان واضحا بأن الحكومة صبّت اهتمامها مؤخرا على الصورة الإعلامية والعاطفية لدى المواطنين وأنها متيقنة من أنها حكومة مستمرة ولها الحظ بالبقاء عاما آخر إذا ما تم تأجيل الانتخابات النيابية بسبب الجائحة لعام آخر.
دائما النجاحات بالسياسات ولو كانت قليلة وبسيطة لها ألف أب وأب يسعون لحصد ثمارها واستثمارها لتحقيق المكاسب، ودائما ثمن السياسات الفاشلة تدفعه الشعوب والنخب النظيفة من رجالات الدولة والمجتمع.
الحكومة نجحت بخطوات في مواجهة وإدارة الأزمة وحماية صحة المواطن وبتوجيه مباشر واستباقية من الملك، لكنها تراجعت بخطوات أكثر في قدرتها على الإبداع الذي كان من واجبها في حماية المواطنين وتجنيبهم كوارث حقيقية أصبحت تهدد حاضرهم ومستقبل معيشتهم.