مكرم الطراونة
هجوم غير مبرر يتعرض إليه الزميلان سميح المعايطة وحسين الرواشدة، مؤخرا، والتهمة هي الحديث بصراحة، وبلا مجاملة أو نفاق.
خلال عقود طويلة من عمر الدولة، اعتدنا التحدث في “المنطقة الرمادية”، بدون “كسر” الحدود التي يبدو أنه كان هناك تواطؤ على الاحتفاظ بـ”قدسية” غير حقيقية لها. اليوم، يأتي المعايطة والرواشدة ويهدمان هذه القدسية المزيفة، ويواجهان الأردني بتموضعه الحقيقي على أرض الواقع، والأرضية التي ينطلق منها، والتي يتوجب ألا تكون “رخوة” بلا ملامح.
من الطبيعي أن يتعرض الزميلان للهجوم بسبب مواقفهما تجاه القضايا الحساسة التي يتناولانها، فهما يتحدثان بشفافية عالية، وبصوت غير مسبوق، وبمفردات يضعان فوقها نقاطا لا لُبس فيها حول الهوية الوطنية التي من المفترض أن تكون قد تشكلت منذ عقود، ولا داعي لأن نعود ونقترح خوض جدل حولها.
الهجوم هو ما يثير الاستغراب، فهو غير مفهوم، ويأتي تحت ذريعة “اللغة المتشددة” التي يكتبان بها، فهل تناولُ الأمنِ الوطنيِّ والسِلمِ المجتمعي من بين القضايا التي تحتمل أن تكون رمادية؟!
يمثل الكاتبان اليوم حالةً لم يعتدْ عليها الأردنيون للأسف، فحديثهما صريحٌ بدون مجاملة أو نفاق عن مصلحة الأردن، وهو أمر تؤيده الأغلبية، لكنه لا يتوافق مع أهواء أفراد ومؤسسات وأحزاب لها ارتباطات ومصالح خاصة تتقدم على علاقتهم بوطنهم وشعبهم واستقراره وأمنه.
رسالة الدولة على لسان رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان كانت واضحة، حين أكدّ مؤخرا أن أمن الأردن واستقراره فوق كل اعتبار، وأنّ التحريض يعرض أمننا للخطر، ولن يتم السماح باستغلال عواطف الناس لأهداف سياسيّة. لا أجدُ في حديث حسان أو المعايطة أو الرواشدة أو أيّ مواطن أردنيّ يحرصُ على وطنه، أيّ نشاز لا يتقبله العقل، فهذا هو الأصل عندما يتعلق الأمر بمصالح الأردن وأولوياته، وغير ذلك يعدّ تخريبا وتدميرا لدولة ما تزال متماسكةً، ينعم شعبُها بالأمن رغم المحيط الملتهب.
لم أجدْ شخصا في دول شقيقة يهاجم بلده كما يفعل البعض عندنا، ولا أجدُ تنظيما في هذه الدول يلعب على وتر العاطفة لتمرير أهدافه، فالانتماء هو الغالب، وغير ذلك غير مقبول. في دول شقيقة يُعتبر تنظيم الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وتصنّف على هذا الأساس، بينما في الأردن ينعمون بالحرية، واستطاعت جبهة العمل الإسلامي الوصول للبرلمان بأغلبية، ولكن، وللأسف، يبدو الأمر لم يكن محل تقدير واحترام من هؤلاء الذين يقدمون الشعبويات، ومصالحهم الحزبية والسياسية، على المصلحة الوطنية، طامعين باستغلال الفجوة الواسعة بين الناس ومؤسسات الدولة.
اليوم لا مكانَ للمجاملة، فالأردني الغَيور على بلده لن يقبل بتواجد غير المنتمي، ولا بأصحاب العلاقات المشبوهة مع دول أخرى، ممن عَميت أبصارُهم، وباتت علاقاتهم بتلك الدول أولوية في كل شيء. هذه حالة مشوّهة من “المواطنة” الكاذبة، وسأعود وأسميها “حصان طروادة” آخر ينتهز الفرصة لتدمير ما تم إنجازه، وسيكون موقف المواطن المنتمي رفضا مبدئيا لها، وسيشدّ على يد الدولة في مواجهتها.
الأمر بلغ حدا لا يمكن قبوله، فمن يجد أنّ الأردن لا يمثله فكرا ومواقف، فليغادره غير مأسوف عليه. اتركوه لنا، ونحن قادرون على الحفاظ على أمنه واستقراره، وتطويره لما يعود بالنفع على الأجيال القادمة التي لا يمكن لنا أن نورثها دولة منهارة مهزومة.
“لا شيء سوى الأردن” معادلة علينا استيعابها جيدا، ولا يحق لأيّ كان أن يزاود على الدولة بدورها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، ولكن لننتبه أن ذلك لا يعني أن نتناسى أن الأردن القوي يعني فلسطين قوية.
رفع تهمة “الإقليمية” أو “التصهين” في وجه كل من يكتب عن الأردن سلوك مستهجن، ونكاد نكون البلد الوحيد الذي يتهم فيه مواطنه بأنه إقليمي إن تحدث عن بلده. على تجار الوطنيات التوقف عن بيع “صكوك الغفران” وأن يحسموا تموضعهم بصورة لا لُبس فيها، فإمّا حضن الوطن، وإمّا خسارة كل شيء.