د. راكز الزعارير
الأوراق النقاشية: فكر يعبر عن النهج الملكي في الحكم
بقلم د. راكز الزعارير
ناقشت عشرات الندوات ومئات المحللين والمفكرين والكتاب ومقدمي البرامج، وفي مختلف وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، في الأردن، كما في دول عربية وإقليمية وأجنبية، أوراق جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين النقاشية، وآخرها الورقة السادسة التي ركزت على نموذج الدولة الأردنية كدولة مدنية أساسها سيادة القانون، في الوقت الذي يحيط بالأردن إقليم ملتهب ومنقسم على نفسه، وصراع وجدل على نماذج دول ومشاريع دول دينية وأخرى علمانية.
يغذي هذا الصراع والجدل ضغوط شعبية داخلية، وضغوط أخرى من دول إقليمية وعالمية، كل منها يؤيد ويدعم ما يخدم مصالحه على حساب شعوب المنطقة التي تدفع من دم أبنائها ثمن كل هذا الصراع والجدل الذي يدور في حلقة مفرغة منذ ما يزيد على خمسة أعوام.
ومن خلال متابعة هذه التحليلات والمناقشات على مختلف المستويات، نستطيع أن نلخص مجمل ما أجمع عليه هؤلاء المهتمون والمحللون حول الأوراق الملكية الست، بما يلي:
أولاً، ذهب جلالته في طرحه أوراقه النقاشية إلى أسلوب جديد في فلسفة الحكم، يتمثل في الحوار المباشر مع كل فئات الشعب الأردني الذي تربطه بالنظام الملكي الهاشمي علاقة أكثر من عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم. وهذا نهج جديد خلّاق من الملك لتطوير العلاقة والتقارب بين الحاكم والمحكوم، ويرغب من خلاله بمشاركة مباشرة بناءة من مختلف مكونات الشعب الأردني لتطوير الدولة الأردنية.
وقد اعتبرت هذه الأوراق خريطة طريق لتنفيذ الفكر الإصلاحي والتطويري الذي يعمل الملك بنهج متواصل لتنفيذه على مختلف الصعد في بناء وتطوير الدولة الأردنية، لترسيخ دولة المؤسسات وسيادة القانون.
ثانياً، فكر جلالته تمثل بشكل جلي وواضح للشعب الأردني من خلال الأوراق النقاشية. وهذا الفكر يعكس نهج الملك والأسرة الهاشمية في الحاضر والمستقبل بشأن طبيعة العلاقة مع الشعب الأردني وفلسفة الحكم، وما ينبغي أن يكون عليه تفكير الأردنيين بكل أطيافهم ومكوناتهم في عملية الإصلاح والتطوير للدولة؛ بانسجام تام بين الشعب والحكم والمكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.
ثالثاً، هناك ثلاثة مستويات في الدولة عليها التعامل مع طرح الملك لهذا الفكر من خلال أوراقه النقاشية، وخلق حالة عصف ذهني ونقاش فكري يريد الملك من خلالها أن يقف على حقيقة ما يريده ويرغبه ويفكر به الأردنيون عن شكل الدولة والعلاقة مع نظام الحكم، وفي الوقت نفسه يثري فكرهم من خلال التنوير وتسليط الاهتمام على مقتضيات الحاضر والمستقبل. وهذه المستويات التي يجب أن تتعاطى بجدية حقيقية مع رؤية الملك هي:
– الشعب الأردني، بمختلف مؤسساته ومكوناته، مدرك لمدى اهتمام الملك بتعزيز العلاقة النموذجية معه ورغبته في تطوير نموذج الدولة الأردنية من خلاله وهو رأس السلطات، كمرجعية أولى تسهم بشكل مباشر في تطوير التشاركية مع الشعب لتطوير دولة حديثة “مدنية“ وبتوافق وفهم عميق متبادل بين الملك والشعب.
– النخب السياسية وقادة الفكر والرأي دخلوا في حالة حوار ونقاش تحت سقف مبادئ محددة وفكر جلي واضح لنموذج وشكل الدولة، وعلاقة النظام مع الشعب، ليكون الحوار حافزاً ومؤثراً في خلق فكر توافقي يسهم بشكل إيجابي وبانسجام تام مع الرؤية الملكية، وأن تكون هذه النخب مراقباً ومحاسباً لمؤسسات الدولة الأخرى التي لا تلتزم بتفعيل رؤية الملك التي تحظى بتأييد واسع من معظم مكونات الشعب الأردني.
– سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، بهدف تطوير ذاتها وتعميق التزامها بفكر وفلسفة ونهج الملك، ورؤيته في تطوير الدولة وأردن المستقبل. وعلى هذه السلطات أن تعيد بناء هيكلتها بما يتوافق مع رغبة الملك وطموحه.
رابعاً، أجمع معظم المهتمين بالطرح الملكي على أنه فكر نابع من ضمير ملك هاشمي يدافع بقوة عن سماحة مبادئ الدين السامية، ويرفعها عن ملوثات مصالح السياسة. وأيضاً يجسد بثقافته الحضارة العالمية، فيوازن في حكمه وإدارة مملكته بين الأصالة والمعاصرة.
خامساً، إن طبيعة شعوب العالم العربي والإسلامي، والموروث التاريخي والثقافي والفكري فيها، لا يتقبلان النماذج الغربية أو الشرقية المجردة لأنظمة الحكم وشكل الدولة فيها، لأن شعوب هذه المنطقة لها قناعات في شكل الدولة، بعدم خروجها عن مبادئ عقائدية أساسية، مع الأخذ بالاعتبار أهمية نموذج مدينية إدارة الدولة ومقتضيات مصالح شعبها، بما يتوافق مع مكوناتها الاجتماعية وعلاقاتها الخارجية الإقليمية والدولية.
سادساً، النموذج الأنسب لهذه الشعوب هو الذي يوازن بين احترام المعتقد الديني ومصالح الحياة الدنيوية للبشر؛ “انتم أدرى بشؤون دنياكم“ (بحسب الحديث النبوي الشريف). وبالتالي، فإنه النموذج الذي يجمع إيجابيات الموروث الديني وحداثة نظام الدولة الذي أخذت به وطوّرته الحضارة البشرية بعد صراعات دموية بين دعاة الدولة الدينية ودعاة فصل الدين عن شؤون الحياة والدولة، فيما أصبح يعرف بالدولة العلمانية.
سابعاً، نموذج التوازن الذي يجمع بين الأصالة (القيم الدينية ونظام الحاكمية العادلة في الدين) وبين المعاصرة (المتمثلة في الحداثة والديمقراطية) هو النموذج الأقرب إلى فكر وقلب معظم أبناء الشعب الأردني، وهو ما يريد جلالة الملك التركيز عليه.
ثامناً: إن تأكيد جلالته على نموذج الدولة المدنية والقائم على مبدأ سيادة القانون، هو النموذج الأفضل كأساس لتطوير الدولة، حيث تخضع فيها جميع مكونات الدولة لمبدأ أن الحقوق والعقوبات مرجعيتها القانون.