د.حسام العتوم
75 عاما على استقلال مملكتنا الأردنية الهاشمية العريقة من زاوية التاريخ و السياسة، وبعمق حضاري تمتد جذوره إلى ما قبل التاريخ نفسه (33 ق.م) ” اشوريين وبابليين، ورومان، وغساسنة، والإسلام – (امويين وعباسيين)، وصليبيين ، وعثمانيين ” ، وشركس و شيشان 1858 1903 من القوميات المتجذرة التي تصدرت البناء الأول في تاريخ الأردن غلى جانب الأرمن و الدروز، وشهدت الأرض الأردنية عبور رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، و شجرة (البيقعاوية) في المفرق شاهدة عيان، وهنا في المغطس تعمد السيد المسيح عليه الصلاة والسلام باعتراف الفاتيكان. والعلاقة مع مئوية الدولة والارتباط مع ثورة العرب الكبرى المجيدة التي انطلقت من عمق جزيرة العرب عام 1916، وقاد شعلتها الملك والشريف الهاشمي الثائر عبر شيفرة (الفرس الشقراء) وبإسم كل العرب الحسين بن علي طيب الله ثراه في إطار مبادئ ثابتة لا زلنا بحاجة لها، وهي (الوحدة، والحرية، والحياة الفضلى)، وهو الذي نعتبره حتى يومنا هذا قدوتنا في الوصول ليوم الوحدة العربية الحقيقية في زمن الغدر الإسرائيلي. ولقد قالها ملك العرب ودونها التاريخ، بأن هدفه من الثورة الوحدة تحت مظلة العلم الواحد، والنقد الواحد، وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة، و الجيش الواحد ( سليمان الموسى . الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908 1924 . ص 695 ) .
ولم تكن مهمة ثورة العرب صوبنا سهلة، فلقد اصطدمت بالعثمانيين، وبالاستعمارين الانجليزي والفرنسي، وبالمخططات الصهيونية الخفية التي كانت تصر على منع وحدة العرب، ومنها الوحدة الشامية، وسبق ذلك وسط الحرب العالمية الأولى 1914 1918 مراسلات الحسين – ميكماهون التي هدفت إلى نصرة بريطانيا للعرب مقابل طردهم للعثمانيين، وظهور معاهدتين جذرهما صهيوني وهما (سايكس – بيكو 1916 )، و( وعد بلفور 1917 )، بينما كانت عيون الثورة قلقة على وحدة بلاد الشام وعموم بلاد العرب، وقدوم الأمير عبدالله بن الشريف حسين عام 1921 إلى الأرض الأردنية عبر مدينة معان جنوبا حاملا راية الثورة، رحب به من قبل عشائر وقوميات الأردن المتجذرة، ومنها وذات الملامح البدوية الشامخة مثل (بني صخر، والحويطات، والروله، وويلي)، وبدأ عهد العقد الاجتماعي والسياسي بين مكونات الشعب الأردني و بين ثورة العرب الهاشمية التي قصدت البناء ومهدت الطريق للوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس منذ عام 1924، وهي التي سوف تواصل حضورها حتى قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية، وشهدت حقبة العشرينيات تأسيس الجيش العربي المصطفوي المرتبط تاريخا بأهم ثورة عرفها التاريخ المعاصر، وأسس الأمير المؤسس الملك لاحقا عبدالله الأول أول صحافة أردنية إستقصائية بتوقيعه ( ع)، و سبقت الصحافة في عهده ميلاد الطباعة في زمن ورق الجلاتين. و لهذا، فإن عمق الاستقلال تزامن مع جذور المئوية الأولى للدولة الأردنية، وأصبح ملكا عام 1946، ووقعت حرب ال 48 في عهده، وغياب التنسيق العربي شكل سببا جوهريا في خسران المعركة، وتقرر التوقيع على الوحدة الوطنية عام 1950 بعد اجتماع العشائر الأردنية والفلسطينية إثر النكبة في اريحا عام 1948، واغتيل جلالته عام 1951 في ظروف غامضة مؤسفة ذات علاقة بمشاريعه الوحدوية وفي مقدمتها “سوريا الكبرى” .
ولقد شهد عهد الملك طلال عام 1952 ميلاد دستور عصري ديمقراطي متميز لم تعرف المنطقة مثيلا له، و عدل ثلثيه، و لازال عاملا و بقوة، ومن المهم ذكره هنا هو بأن تمسك الأردن بالدستور قاده إلى المحافظة على استقراره على ابواب المئوية الجديدة في أيامنا هذه و ما سبقها من احتقان سياسي عابر. ولقد كتب عبد الرؤوف الروابدة في كتابه ” هكذا أفكر – اراء و مواقف ص .55 ” صحيح أن الدستور ليس قرأنا منزلا، ولكنه العقد الذي توافق الشعب عليه، فليس من حق أحد أن يختار من بنوده ما يريد و يترك ما لا يريد، وليس من حق أحد أن يرفض تطبيق أي من بنوده، ولكن البرلمان يملك حق تعديل هذا الدستور بأسلوب واضح وفصله الدستور نفسه ” . وجاء عهد مليكنا الراحل الحسين العظيم الباني ليعادل سنين الاستقلال نفسها، حيث مكث 64 عاما، وحصل الأردن على عضوية الأمم المتحدة بعد 11 عاما من استقلاله رسميا .
ومن أهم محطات عهد جلالته تعريب قيادة الجيش عام 1956، وقرار حرب عام 1967 كان وقتها إلى الأمام لجمال عبد الناصر, ولا يتحمل الأردن النتيجة الخاسرة، و التصدي لإسرائيل عام 1968 في ( الكرامة ) قاده الحسين و قائده الميداني مشهور حديثة الجازي و جيشنا العربي – القوات المسلحة الأردنية الباسلة، ومقاومة أهلنا الفلسطينيين من وسط الخندق الواحد، وكان النصر الأكيد حليفنا، وفي حرب تشرين عام 1973 شارك الجيش العربي الأردني مجددا في معركة الجولان – الهضبة العربية السورية، و حصد العرب وقتها نتيجة تحرير مساحات واسعة من مدينة القنيطرة الجولانية، وقدم الأردن قافلة من الشهداء الأبرار في كل معاركه الشجاعة مع إسرائيل، و يذهب الأردن بعدها عام 1994 لتوقيع معاهدة سلام الند للند مع إسرائيل لتحقيق أوراق وطنية ذات بعد سيادي على مستوى الحدود و المياه، و الخاصة بالحلول النهائية للقضية الفلسطينية العادلة، لكن المعاهدة لم تعني حتى الساعة التطبيع المبكر الشعبي أو الاعلامي لا سمح الله، وعمل الاعلام الاردني بوزارة ما بين عامي 1964 و2003، وكان أول وزير إعلام والوزارة قائمة صلاح ابو زيد اطال الله في عمره و اخر وزير لها نبيل الشريف رحمه الله . وأكبر إنجازات الأردن مثل الجامعة الأردنية وشقيقاتها الحكوميات، والمدينة الطبية، ومصانع البوتاس والفوسفات، وتطوير الجيش والاجهزة الامنية، ومطار عمان الدولي – الملكة علياء, ومطار العقبة الدولي ” الحسين ” وغير ذلك. وشكلت وفاة الملك الحسين طيب الله ثراه صدمة شعبية حينها عام 1999، وحملت جنازته لقب ” جنازة العصر “.
كتب جلالة الملك عبد الله الثاني ” حفظه الله ” في مؤلفه (فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر ص 177 يقول: ” واذا شئت أن اذكر درسا بعينه تلقيته من والدي ومعلمي فهو أن على الملك أن يكون راعيا لشعبه أكثر من حاكم لهم ” .
لقد شهد عهد جلالة الملك المعزز للبناء عبد الله الثاني حزمة من المواقف الوطنية المشرفة التي تستحق التسجيل هنا، فهو من أصر وعبر المحافل المحلية والدولية على حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية العادلة، وكتب بنفسه في كتابه سابق الذكر هنا ” فرصتنا الأخيرة . ص 408 : ان حل الدولتين مع الفلسطينيين يعني في جوهره حلا مع سبع و خمسين دولة يضمن لإسرائيل علاقات طبيعية مع كل الدول العربية و الإسلامية التي تدعم جميعها المبادرة العربية للسلام. و لقد عنى جلالة الملك النتيجة التي خرجت بها قمة بيروت العربية عام 2002 و مبادرة الأمير الملك لاحقا عبد الله بن عبد العزيز بعنوان عريض ” سلام شامل مقابل انسحاب إسرائيلي كامل إلى حدود الرابع من حزيران لعام 1967. وما نراه اليوم في فلسطين في القدس، وفي غزة من صراع دموي مؤسف يعيد إسرائيل إلى ضرورة القبول بخيار حل الدولتين بهدف قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية تعترف بها الأمم المتحدة و مجلس الأمن إلى جانب دولة إسرائيل التي اعترفت الأمم المتحدة لأن تكون حدودها عام 1948 فقط، وبأن لا تتعدى ذلك، ومساعدات إنسانية أردنية للضفة الغربية بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على القدس وغزة . وحرب عام 1967 كانت ردة فعل على احتلال إسرائيل لـ 80% من أرض فلسطين بعد الاستفادة من قرار التقسيم الذي أقرته عصبة الأمم المتحدة عام 1947، بحيث تقوم دولة عبرية إلى جانب دولة عربية، ولما رفض العرب القرار حاولت إسرائيل تحويله لدولة عبرية بالكامل متناسية ممارساتها العلنية ومستوطنيها للعنصرية، والاحتلال، والاستيطان غير الشرعي فوق الاراضي العربية. فجاء شعار عبد الناصر و قتها ” ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”، واصبح عنوانا للمعركة التي شكلت خسارة قومية ثانية رغم اهمية الشعار. واعتبرت (رسالة عمان) التي اطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني عام 2004 جسرا للحوار الديني على مستوى العالم وبكل لغاته.
ولقد تشرف الأردن بإعادة جلالة الملك عبد الله الثاني عام 2019 ملحقي (الباقورة والغمر) من أنياب إسرائيل باعتبارهما جزءا هاما من سلة خير الوطن سبق لهما الاغتراب في فوهة الاحتلال عامي 1948 و 1967، ووسط بنود معاهدة السلام في وادي عربة عام 1994، و رفع العلم الأردني الشامخ عليهما و إلى الأبد . وهو إنجاز وطني يشكل إضافة نوعية لنتيجة معركة الكرامة الباسلة عام 1968. و تصدي جلالة الملك مجددا لمشروع إسرائيل عام 2020 لضم الغور الفلسطيني وشمال البحر الميت, و الذي كان من شأنه أن يحبط مشروع حل الدولتين الذي ينادي به الأردن إلى جانب أهلنا في فلسطين بهدف قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، ووصف تصديه بالصدام الكبير لو حدث. والقضية الفلسطينية بالمناسبة عربية إسلامية مسيحية عادلة لا تعرف القسمة ولا التقسيم, وتسعى لتحقيق الحقوق لشعب جبار عاش النكبة والنكسة و كوارث القدس و غزة، ولم يعد يقبل بأقل من النصر الأكيد خاصة بعد الكرامة وتشرين. وسجل تاريخ الأردن المعاصر استشهاد زعامات شعبية وسياسية كبيرة امثال هزاع المجالي ووصفي التل، وقارع الإرهاب في داخله في عمان، واربد، والبقعة، والسلط، وخارج الحدود في افغانستان والرقة. والقصة المرعبة لطيارنا العسكري البطل معاذ الكساسبة ستبقى خالدة في ضمائر اجيالنا.
وتمكن الأردن من مواجهة جائحة كورونا بإجراءات سلامة صحية ناجحة تقدمتها لجنة الأوبئة و أوامر الدفاع، والحصول على اللقاحات الطبية اللازمة من دول متعددة، وتم تسجيل تلقي 028, 286 شخصا للقاحين الأول و الثاني حتى تاريخ 4 ايار 2021.
ويقيم الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني علاقات دولية متوازنة تنسجم والمصلحة الوطنية والقومية العليا للدولة والوطن, واستشراف المستقبل مبكرا عندما وازن في عمق الزمن المعاصر بين الشرق والغرب في اتون الحرب الباردة وسعيرها في ستينيات القرن الماضي، عندما فتح الابواب للدبلوماسية السوفيتية بين عمان وموسكو، في عهد مليكنا العظيم الراحل الحسين والزعيم السوفيتي نيكيتا خرتشوف تحديدا عام 1963 . وعلاقات اردنية – أمريكية عمرها 72 عام هذا العام 2021، وتعاون أردني مع حلف (الناتو) العسكري منذ عام 1996، ودعم أمريكي تجاوز ال 20 مليار دولار، و إسناد مالي سنوي بحجم 6,5 مليار دولار. ومشروع نووي سلمي مع روسيا بلغت تكلفته 180 مليون دولار توقف عن العمل مؤقتا، و حجم تبادل تجاري مع روسيا وصل الى نصف مليار دولار، وتبادل ثقافي متميز و منح دراسية سنوية بحجم 180 منحة. وعلاقات أردنية أمريكية وروسية متميزة تحديدا، وعلى مستوى العلاقات الشخصية الرئاسية مع بلدنا الأردن ايضا .
وفي الختام هنا حري بي أن اقول من جديد، بأن القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين كاملة السيادة، و لن يقبل التاريخ القديم، والمعاصر، و منه القادم غير ذلك ووفقا للشرعية الدولية . وهي عاصمة السلام، والأديان السماوية الإبراهيمية الكبيرة الثلاثة (الإسلام، والمسيحية، واليهودية)، وهي ضمير الهاشميين منذ اندلاع ثورتهم العربية الكبرى المجيدة.