د. سامي الرشيد
الاشاعات المغرضة
وجدت وسائل التواصل الاجتماعي لتنوير الشعب بالمعلومات الحقيقية ،واطلاعهم عما يجري حولهم ،لكن بعض تلك المنابر تحولت الى بث اخبار غير حقيقية وتحاول اثارة الرأي العام وتأليبه ،كي تمس بعض الجوانب الحياتية وتثير البلبلة وتصدير مشاعر الغضب والاحباط لدى المواطنين.
الاغرب من ذلك ان عددا كبيرا من رواد هذه المواقع ،يتناقلون تلك الاشاعات ويعيدون نشرها ويتعاملون معها على انها اخبار حقيقية دون التأكد منها،والبعض يأخذ تلك الاشاعات عن جهل حيث هذه الاشاعات هي جزء من الحرب النفسية التي ينشرها الاعداء ويستخدمون الطابور الخامس لبثها وهي تعبث بالاستقرار .
هنا لا بد من وقفة لتطبيق القانون للحد من نشر الاشاعات غير المؤكدةومحاسبة الذين يقفون خلف انتشارها ،بهدف اثارة الجماهير واشاعة روح اليأس والاحباط ولابد من توعية المواطنين لعدم الانجرار الى اعادة نشر الشائعات والتأكد منها بدلا من الوقوع في فخ حرب الاشاعات التي اصبحت السلاح الاثير لأهل الشر .
لكننا نحتاج لصناعة الأمل لنرى المستقبل مرسوما امامنا ،ونعلم الناس ان يضئ شمعة لا ان يلعنوا الظلام ونعلمهم فلسفة الاصلاح الاقتصادي وما هي الطرق الكفيلة للتخفيف عن الفقراء والطبقات الاقل حظا ،ونغلق الباب أمام المزايدين ومحترفي التسخين وتجار السخط العام ،ولا بد من التفريق بين حالة الغضب التي يشعر بها المواطن العادي وبين السخط المفتعل من الآخرين والمزايدين ،وان يرسم للناس خطة للمستقبل وتقديمها لهم ولايجب ان نتوقف عن صناعة الامل للمستقبل .
لكن ما أضيق العيش لولا فسحة الامل .
نعود بالذاكرة الى الجرائم ضد الانسانية التي بدأت مع محاكمات نورينبيرغ للقادة الالمان بعد الحرب العالمية الثانية ،لاتهامهم بجرائم ضد الانسانية ،مع العلم انه أشيع ان قنابل هيروشيما النووية سوف تردع البشر وتدفع بهم الى قبول السلام .
لكن نظرة حالية على المشهد العالمي تبين أننا لا نسلك هذا الطريق .
لقد اصبح للجريمة ضد الانسانية اليوم تعريف قانوني ،كما صارت لها مؤسسات وآليات لتطبيق القانون .
نعود بالتاريخ الى نشأة مفهوم الانسانية حيث أقام البشر منذ آلاف السنين مجتمعات وشيدوا حضارات عامرة ومارسوا أنشطة انتاجية من زراعة وصناعة وتعدين وتبادل تجاري ،كل هذا يزيدهم داخل المجتمع بقيم أخلاقية متفق عليها لولا التزام الافراد داخل المجتمع وابتعادهم عن الشائعات وتطلعهم الى أمل المستقبل .
ترك لنا البشر الاوائل حضارات بديعة ،مثل العمارة الفرعونية وبوابات سومر المهيبة ورقة النحت اليوناني ودقته ,ثم جاءت الاديان ذات الرسالة السماوية الخالدة ،وكانت تهدف الى تجاوز العنف السائد بين المجتمعات والدول القديمة وتفتح الباب للاخوة بين البشر ..
ارتبطت الاديان بالكتب المقدسة بكلام الله والوحي السماوي .
لا يمكن التقدم في معرفتنا بالعلم دون ان نكون على علم بما وصل اليه السابقون بعلم صحيح ومؤكد وبعيد عن كل شائعة ومعلومات مزيفة .
فالتاريخ هو تراكم المعرفة ،والتعليم ليس الا نقل المعارف القديمة للاجيال الجديدة .
ما كان للر ياضيات ان تتقدم دون معرفة نظر يات فيثاغوروس واقليدس والخوارزمي ،ولا الفيزياء دون معرفة نظريات ارخميدس .
لقد كان الدافع للاهتمام بهذه المعارف القديمة هو الثقة والامل بعقل الانسان ،لكن على الانسان ان يكون حرا في تفكيره .
لو نظرنا الى تاريخ الفلسفة لوجدنا شعار سقراط ،اعرف نفسك بنفسك ،اما سقراط نفسه كان كثيرا ما يقول ،انني لا اعرف ،وتم تفسير ذلك انه نوع من التواضع في مواجهة الادعاء الادعاء الزائف بالمعرفة والاشاعة الكاذبة ، ومن جانب آخر لايمكن ان تعلم الناس كيف يكونون احرارا ،لان التعليم توجيه والحرية تصرف نابع من ارادة مستقلة .
الفرد غير الناضج ينتظر دائما اوامر من الآخرين ،اما الفرد الناضج الذي يقرر لنفسه ماينبغي عليه عليه فعله دون وصاية من احد ، وهو امر يحتاج الى ثقة في الذات واعتداد في العقل
قال جبران خليل جبران:
ويل لامة تنصرف عن الدين الى المذهب وعن الحقل الى الزقاق
ويل لامة تلبس مما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصر .
وسئل الامام علي بن ابي طالب عليه السلام :
ما يفسد امر القوم يا امير المؤمنين قال :
الصغير مكان الكبير ،وضع الجاهل مكان العالم ووضع التابع في القيادة .