د. رحيل محمد غرايبة
لدينا مشكلة ثقافية مزمنة بخصوص التعامل مع الامر المشترك ومع الحق العام على وجه الاجمال، وهذه المشكلة تسير نحو التفاقم بطريقة سريعة، وأصبحت أكثر تفشياً بين العامة، ويتم توارثها عبر الاجيال، ولا ينفع معها ارتفاع مستوى التعليم وانخفاض مستوى الأمية، ولا كثرة اصحاب الشهادات وخريجي المدارس الخاصة والاجنبية، والأغلبية الساحقة عن (حزها ولزها) يرجع عشائريا قبليا جهويا فرديا انانيا، وعندما يذهب الى كندا او اليابان او دبي يصبح حضاريا قانونيا وملتزما باعلى درجات الاتيكيت، ويبدو أن جو الاحباط السياسي السائد، والواقع العربي المؤلم والهزائم النفسية المريرة التي يعاني منها العربي على جميع الصعد العالمية والإقليمية والمحلية يشكل بيئة مناسبة لتشكل مثل هذه الأنماط الثقافية البائسة والمتخلفة، لأنها تمثل أحياناً اسلوبا دفاعياً نفسياً عن الذات المهزومة المرهقة بالتوتر والنزق من خلال إعلان التمرد العام على القوانين والأنظمة والعادات والأعراف والأداب العامة.
مظاهر هذه المعضلة تتبدى بوضوح على سبيل المثال من خلال تعامل أحدنا مع أداب الطريق وحق المرور، فهذه الطريق ينبغي أن تكون مفتوحة على الدوام لكل الناس، ولايجوز لأحد أن يغلق الطريق بتصرف شخصي، حيث إن كثيرا من أزمات المرور الخانقة تنشأ عن وقوف مركبة لأحدهم بطريقة خاطئة قد اغلقت المسرب كاملاً وادت الى ايجاد طابور طويل غير محدود النهاية من المركبات المزدحمة التي تنتظر انفراج الأزمة دون أن يعلم الناس ما هو السبب، وتكون الأزمة ناتجة عن واحد يريد أن يشتري كيلو خبز أو كعك من الفرن، أو كيلو خضرة أو فواكه من المحل المزدحم، أو ينتظر زوجته حتى تكمل نزولها من العيادة، واحياناً نجد أحدهم قد أحدث أزمة مرورية وهو يبحث عن موقف لسيارته وينتظر ذهاب بعض السيارات الآخرى، ويعمد أحدهم إلى أغلاق الطريق العام بنصب سرادق للعزاء أو لفرح أو للتهنئة بتخرج ابنه من الجامعة، ويعمد بعض الشباب إلى اغلاق الطريق العام بسبب موكب عرس ولايسمحون لأحد بالتجاوز، وقد يعمد مجموعة من الشباب الخريجين لاغلاق الطريق عبر السير المتوازي بمركباتهم وبشكل بطيء ليحتفلوا على طريقتهم بالتخرج من الجامعة أو الثانوية العامة.
ومن هنا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال « أعطوا الطريق حقها « وورد بعض الروايات « اتقوا اللاعنين « ومنها الطريق وظل الاشجار، ولذلك فإن كل من يغلق الطرق العام لأي سبب من الأسباب إنما يعرض نفسه الى اللعن والتحقير والشتم والدعاء بالويل والثبور وغرائب الامور، والغضب من الله والناس، فكل من يكون سببا لاحداث أزمة أو تأخير الناس من الوصول إلى أعمالهم وقضاء حوائجهم فهو ملعون، وأحياناً يؤدي إلى تأخير وصول سيارات الاسعاف ونقل المرضى أو الاطفائيات بسبب تصرف أرعن غير مسؤول، وشعور بليد بعيد عن الاحساس بالأخرين.
هذا المثال هو أحد مظاهر المعضلة المزمنة بالتعامل مع كل الحقوق المشتركة التي ينبغي أن تكون متاحة لكل الناس بعدالة ومساواة، بعيداً عن الاستئثار الفردي البدائي والسلوك الأناني المقيت على حساب الاخرين ويكون مصحوباً بخلق الاستعلاء والتكبر والعنجهية التي تمثل أعلى درجات التخلف، وتعبر عن مظهر من مظاهر الهزيمة الثقافية والحضارية للمجتمعات، وتقاس درجة التحضر الجماعي عادة بمقدار السلوك الجمعي المنظم السليم مع الحق العام والحقوق المشتركة بطريقة تحفظ حق الافراد جميعا على درجة واحدة دون تمييز او محاباة.