رمزي الغزوي
توصينا الحكمة ألا نترك رؤوسنا تغري أقدامنا بالطيران، لأن علاقتنا والتصاقنا بالأرض هو سرُّ قوتنا. ولهذا تريثتُ قليلاً في الكتابة عن كوارث الطريق الصحراوي، التي قشعرت بدن الوطن في الأسبوعين الماضيين. تريثت حتى يركد غبار التصادمات؛ وتتضح الرؤيا، ويصفى الكلام.
المصاب أليم أليم، ولكنه سيغدو أكثر إيلاماً ووجعاً إن لم نتعلم منه، ونتدارسه بعقل بارد، وإلا ستتكرر المصيبة، وتتوالد وسنفقد مزيدا من الأحبة بذات الصورة. فما نفقده سنوياً في حوادث المرور يوازي دخولنا في حرب صغيرة.
لم أقتنع بإستاد كامل الحق على عيوب الطريق الصحراوي. فحسب المقاييس العالمية للمرور فإن الأخطاء البشرية تمثل ما لا يقل عن 80 % من أسباب الحودث القاتلة التي يقع بضمنها التجاوز الخاطئ، واستخدام الهاتف خلال القيادة، والمجازفات والسرعات العالية.
مشاهد ركام السيارات المتصادمة، وقد غدت أنقاضاً، لا بدّ ويجعلنا نفكر ونحلل، ونتروى في إطلاق الأحكام وتعميمها، ولهذا سأستخدم خبرتي الفيزيائية المتواضعة للقول إن قوة التصادم تعتمد على شيئين اثنين: كتلة الجسمين المتصادمين وسرعتهما. وهذا السرعة لا تتوافر إلا إذا تلاقى الجسمان المتعاكسان في الاتجاه وهما يسيران بسرعة كبيرة. وهذه الحالة لا تتحقق إلا مع التجاوز الخاطئ.
لن أدافع عن الطريق الصحراوي، فهو كارثي، ولا بد من معالجته، واتخاذ كافة إجراءات السلامة عليه. ولكن ثمة ما هو كارثي أكثر، وهو ألا نضع الأمور في نصابها الصحيح. فمعنى أن تغير مسربك على طريق سريع، أو أن تتجاوز وأنت في سرعة عالية، فهذا هو الموت الأحمر. وأظن أن أغلب الحوادث القاتلة على طريق الموت (الصحراوي) سببها هذا الأمر.
الناس تميل دائما للأحكام المعلبة الجاهزة، فهذا هو السهل المتاح. ولا تنتظر أن يصدر تقرير عن دائرة السير ولا تأبه به. فأسهل تهمة أن نشتم ونذم وتعلق الكارثة على شماعة الصحراوي، وتتناسى أخطاءنا المرورية القاتلة. فإذا كان الطريق سيئاً؛ فعلينا أن نتريث ونأخذ الحيطة ونتحلى بطولة البال.
أعرف أن السرعة تغري دائما. وهي مغرية أكثر في ظل الضغوطات الحياتية التي تربكنا وتتغلغلنا. السرعة ربما تمنحنا شعورا عابرا بالأزمنة وبالقدرة على السيطرة عليها. ولكن للاسف ليس دائما ما تفلح النهايات والتجاوزات.
كان تشيرشل رئيس الوزراء البريطاني يقول لسائقه حينما يمتشقون الطريق: (سُق ببطء؛ كي نصل بسرعة). كفى كفى. لا نريد سرعة تفتح علينا بوابات الفجيعة والكارثة من جديد. ورحم الله الضحايا وعوّض على أهلهم ومحبيهم ومنحهم الصبر والسلوان.