فارس الحباشنة
قبل ان يغرقوا في السجال والنقاش البيزنطي حول فنتازيا الضرب في المدارس، ليفكروا قليلا باعادة الهيبة والاحترام الى المعلم والعملية التعليمية.
اذا ما كان المعلم اولا يصبح المجتمع برمته اولا، والمعلم ينسب اليه التقدم والانكسار، والهزيمة والنصر، وهذا ما اقر به مفكرون وفلاسفة كبار، واعتقدوا ان التعليم يصوغ الوعي، ويخلق نفوسا صحيحة، ومعافاة.
للعملية التعليمية ثلاثة اضلع، معلم ومناهج ومدرسة. والضلع العامودي هو المعلم، واذا ما انكسر او اعوج او تعرض لمصاب ما، فيكون الفساد قد شمل حتى الملح.
فكيف يكاد ان يكون المعلم الاردني رسولا، وراتبه الشهري لا يكفي مصروفا لاسبوع واحد من الشهر، وراتبه الشهري لا يكفي لسداد فواتير الكهرباء والانترنت والماء، واقساط البنوك.
افقار واضعاف المعلم وسحقه اجتماعيا ومعيشيا، هي مؤامرة طبقية، واخلال بالتوازن الاجتماعي، وانزياح طبقي نحو محو الطبقة الوسطى، وتقسيم المجتمع عاموديا، طبقة غنية وطبقة فقيرة، وطبقة تملك كل شيء وطبقة لا تملك شيئا.
هل اولوية التعليم اليوم الانشغال بقضية الضرب في المدارس ؟ مفهوم التربية تراجع وانقلب بنيويا، وعواصف العولمة والثورة الرقمية اعادت تعريف كثير من المفاهيم الراكدة والصامتة، ولم ينجو منها حتى مفهوم الهوية الوطنية والدولة الوطنية.
مكانة وقدر ومقدار الطالب من معلمه. سواء ضرب الطالب ام لم يضرب، فالمعلم ايضا يتعرض الى اعتداء وضرب حسي ومعنوي، وكم حدثت وقائع انتهكت حرمة وستر المعلم على الملأ وعلى مرمى من اعين الطلاب.
حفظ كرامة الطالب بحقه الطبيعي في تعليم ومناهج ومعلم فاضل.. وكرامة الطالب ان يذهب الى مدرسته مفطرا، وقد تناول وجبة افطار صحية، وان توفر له المدرسة بيئة تعليمية، وان يكون سقف المدرسة غير قابل للانهيار والسقوط باي لحظة، وان تفيض المدرسة بمياه المجاري والصحي عند اول شتوة.
من قالوا من نواب وغيرهم انه لولا الضرب ما تعلمنا ولا درسنا صدقوا.. اكثر المعلمين قسوة وشدة في التعليم، وحرصا على الطلاب، ضربونا، وليس حبا ورغبة بالضرب، انما غيرة وحرصا على مصلحتنا، وكنا اطفالا ومراهقين، وادركنا مبكرا ان من يخاف على مصلحتك ومستقبلك لا يداري على تقصيرك واهمالك.
ومكانة المعلم اسطورية، والعرب قالوا الكثير والكثير عن المعلم ومكانته.. وانا، وقد بلغت الاربعين مازلت اخجل من التدخين امام معلمي بالابتدائية والثانوية، واذا ما دخل احدهم على مجلس اقوم واقعده مكاني.
هو المعلم، وقضية المعلم ليست مادية، والامتياز المادي ليس فاصلا اذا لم يقترن بامتيازات معنوية.. ولا تقرر حتما بجرة قلم، ولا بقرار من رئيس حكومة ووزير تربية وتعليم، وانها موثوقة الصلة بالمجتمع واعرافه وتقاليده، فهل المجتمع الاردني انقلب على المعلم ؟
في اخبار متداولة ان رئيس دولة ذات يوم سارع الى تقبيل يدي معلمه، وفي موقف يعبر بادراك عن قيمة وتأثير هذا الكائن، وحرص الدولة ورئيسها على جعل العلم والتعليم اولوية في مشروعها النهضوي.
هي مسألة ابعد من احترام معنوي، انها تعبير عن ايمان وثقة بالمستقبل والاجيال القادمة.. ازمة التعليم اولوياته اردنيا ليست الضرب بالمدارس، ولو ان المشرع والسياسي الاردني ينكف عن الانشغال في قضايا جانبية وهامشية.
الخطر الداهم ايها السادة حينما تصل الامية بين حملة الرقاع الجامعية والمدرسية الى 70 % واكثر.. فهذا امر جلل وخطر ويستدعي من المعنيين ان يشهروا سيوف العقل والحق، وان يقرعوا الطبول والاجراس.