امجد فاضل فريحات
الطاعون والكورونا الأخوة الأعداء للبشر
بقلم : أمجد فاضل فريحات
الناس تتعامل مع المرض وكأنه شرطي يختبئوا منه مثل من يقف على الإشارة الضوئية ليلا ولا يوجود بجانبها شرطي فيقوم بعض سائقو السيارات بقطعها وهي حمراء . الامر ليس بالسهولة المعتقدة ، فمن يقرأ عن الطاعون تاريخيا وكيف انتشر انتشار النار في الهشيم سيكتشف أن التاريخ يعيد نفسه ، وما أشبه اليوم بالبارحة .
بالأمس البعيد كان طاعون عمواس سنة ١٨ هجري ٦٤٠ ميلادي ، زمن خلافة عمر بن الخطاب وعمواس هي القرية التي كانت بين الرملة والقدس ، وكانت حاضنة لنقل الموت الأسود إلى بلاد الشام ، والتي قدر عدد من ماتوا بهذا المرض اكثر من ٢٥٠٠٠ من المسلمين وعدد كبير منهم كان من الصحابة وعلى رأسهم كان ابوعبيده أمين الأمة والذي رفض الخروج من مقر إقامته إقتداءا بحديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم :
روى البخاري ، ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني : الطاعون] بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه .
ومنهم كذلك بلال بن رباح ودفن بباب الصغير في دمشق ، والفضل بن العباس بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .ومعاذ بن جبل وضرار بن الأزور وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان ودفنوا جميعاً في غور الأردن، ولا تزال قبورهم ماثلة للعيان.
بقي الطاعون يفتك بالناس حتى أشار عمرو بن العاص أحد دهاة العرب الأربعة إلى خروج الناس إلى الجبال ودعاهم ليتجبلوا بها وليتفرقوا هناك ، ففعلوا وبعدها رفع الله البلاء عنهم .
ليست هي المرة الاولى التي تنتقل بها العدوى بهذا الشكل ، فبعد ذلك وقعت عدة طواعين أبادت الأخضر واليابس ، فحدثت أوبئة وأمراض جماعية عبر التاريخ الإسلامي، وفي مختلف دوله وأمصاره وأصقاعه، إلا أن أبرزها وأكثرها شهرةً وتأثيراً هي:
– طاعون عمواس (18 هـ/ 640م).
– طاعون الجارف (69هـ/ 688م).
– طاعون الفتيات أو الأشراف (87 هـ/ 705م).
– طاعون مسلم بن قتيبة (131 هـ/ 748م).
– الأوبئة والطواعين في العصر العباسي والمملوكي والأيوبي في المشرق الإسلامي.
– الأوبئة والطواعين في المغرب الإسلامي.-
واوروبا لم تسلم من الطواعين بعدها حيث فتكت بالملاين منهم ، لابل والعجب أن وجد علماء الآثار ذكر مرض الطاعون على اوراق البردي لدى الفراعنة .
تجدر الإشارة الى ذكر السبب لطاعون عمواس كما اورده المؤرخون ، وكان سبب الطَّاعون في ذلك الوقت بعد المعارك الطَّاحنة بين المسلمين والروم، وكثرة القتلى، وتعفُّن الجو، وفساده بتلك الجثث أمراً طبيعياً، قدَّره الله لحكمةٍ أرادها. فكانت شدَّته بالشَّام، فهلك به خلقٌ كثيرٌ ، والله لا ينسى من فضله أحد ، وفي الحديث الشريف ” المطعون شهيد والمبطون شهيد ” [أخرجه البخاري] . وجاء أيضاً عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء ، فجعله الله تعالى رحمةً للمؤمنين ، فليس من عبدٍ يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً ، يعلمُ أنه لا يصيبهُ إلا ما كتب الله له إلا كان له مثلُ أجر الشهيد [رواه البخاري] .
ما أشبه اليوم بالبارحة ، وعجلة التاريخ تعود للوراء ، وهاهو طاعون العصر الحالي والمسمى بالكورنا والمتحدر من جيناته يجتاح العالم حيث لا جبال تمنعه ولا بحار تسحبه ولا جبروت البشر يوقفه عند حده ، فلقد تعدى الحواجز ، واخترق الحدود حتى وصل البيوت غير ٱبه بعواطف البشر وماتخفي الصدور ، لم يفرق بين حاكم ظالم ومحكوم مظلوم ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، فلم يعد لأي شيء قيمة ، حتى اقوى القوى المتجبرة خارت وركعت تحت قدميه غير المرئية متوسلة أن تحيا حياة جديدة بعيدا عن ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، بعيدا عن إغتصاب اراضيه ، ومصادرة مقاثيه ، فلا غزو الفضاء عاد يفيد ولا اختراق الأرض أصبح يزيد ، فالكل يبحث عن حلول حيث بلغت القلوب الحناجر وكنتم تظنون بالله الظنون ، فما زاد البشرية التي تدعي التقدم والتكنولوجيا وعصر الإنترنت وتحدي الآفاق غير البؤس والفرار من الأمل والإصابة بالإحباط واليأس .
اليوم يطل الكورونا برأسه من جديد حيث لا دواء له سوى العزلة والاختباء بالبيوت ، ولا علاج سوى تخفيض درجة حراره المصاب حتى يستطيع الجسم مقاومة الفيروس بمناعته الطبيعية ، وماذا بعد ذلك نحن فاعلون ، هل من معجزة تنزل من السماء لتهدأ بها الناس قلوبهم ، وهل من عودة للرحمة من جديد في قلوب البشر ليحب الناس بعضهم البعض بعيدا عن الغل والحقد والمادية التي أعمت القلوب والعيون معا .
الصين مركز نقل المرض ثم دول اوروبا وامريكا مرورا بالشرق الاوسط حتى اطلق عليه اسم متلازمة العالم ، مرض يسير سرعة البرق ، يسير جنبا الى جنب مع حركة السياح والتجارة والنقل ، لا أحد يعلم لغاية اللحظة السبب الرئيسي لظهوره هل هو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، أم هي إرادة الله ليتخذ من هذا الكون شهداء