العالم أمام فيروس في حال غير معهود لم تمر به البشرية من قبل، يقف العالم اليوم بكل أركانه وأممه ومجتمعاته على قدم وساق، يؤرقّه همٌ واحد، تمثل بفيروس لم يميز بين الناس من حيث الجنس أو العرق أو الدين أو بين الفقراء والأغنياء، ولا بين البسطاء أو الزعماء، ولم يحابِ أحدا أو دولا، فنجد أن أقوى وأغنى الدول قد اُبتليت به، بل وأُصيبت به شخصيات بارزة حد الهلاك، وشكلّ أزمة عالمية استدعت من الجميع دق ناقوس الخطر. أمّا ما يُقدم من تفسيرات لما يحدث، فقد تراوحت بين أن يكون رسالةً ربانية تجسدت بهذا الفيروس المبالغ في صغره، لتُعيد العالم إلى توازنه ورشده، وأن الله وحده هو الذي يتحكم بمصير هذا الكوكب والكون، وأن قوة الدول مهما بلغت أو امتدت تخضع لنواميسه، وبين من ادّعى أن المسالة لا تعدو أن تكون مؤامرات بين الدول، لتحقيق أطماع مادّية أو اقتصادية، لكنّا لم نر أحدا ينجو من هذا الواقع، وهناك أيضا من أراد أن يُلبس هذا الفيروس لباسا قوميا، أو قناعا طائفيا، أو يُعلق في رقبته رمزا فئويا من أي نوع، وبطبيعة الحال يقع ذلك كله خارج دائرة اليقين. يبدو العالم اليوم أشبه ما يكون في حرب عالمية ليست بين طرفين، أو محورين، بل هي واحدة بعالم واحد ضد طرف أخر غير بشري يتمثل بكائن غير مرئي، لكنّ أثاره أرعبت الجميع، وتكمن خطورته ليست في الأرقام، بقدر ما تكمن في سرعة الانتشار، حتى تخال العالم كأنه أصيب بحمّى وعصبية مرعبة، مما جعل الإجراءات المتخذة في كل دولة متلاحقة، وبدا أن العالم بحاله يخضع لحالة طوارئ، حيث قامت دول-فعلا- بالاستعانة بجيشها أو أجهزتها الأمنية لضبط الأمور، ولا يستبعد أن تنحو كثير من الدول هذا المنحى، كما أُغلقت الحدود بين الدول، وكذلك المطارات، لتحاول كل أمة أو دولة أن تحمي نفسها وغيرها من الفيروس المرعب. اليوم تتحمل كل دولة على حدة، أو بالتنسيق مع غيرها إقليميا أو دوليا مسئولية عظيمة، بالمساهمة في انتشال العالم من أزمة طاحنة، قلّ نظيرها، وذلك من خلال تسخير إمكانياتها، وتشديد إجراءاتها، بكل وضوح وشفافية، لكي يكون الوضع العالمي برمته صحيحا، لا لبس فيه، ليتسنى اتخاذ إجراءات موحدة، تمكّن منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإقليمية التابعة لها مثل منظمة الصحة العربية قادرة على تتبع أو تدبر الإجراءات، أو توفير العقارات، أو تقديم المساعدات اللوجستية التي يمكن أن تساهم بها، خاصةً للدول الأكثر فقرا، مما يحد من انتشار المرض، أو يمنع ما يترتب على ذلك من مآس أخرى. وفي كل دولة أيضا ينبغي على المواطنين والمقيمين على أرضها، أن يستشعروا المسئولية الإنسانية والمجتمعية والأخلاقية العظيمة التي يجب أن يتحلوا بها تجاه مجتمعهم الصغير، بل والمجتمع الدولي، ليتم ذلك بطريقين؛ اتباع ما يصدر عن السلطات من إجراءات، وبنفس الوقت مبادرات شخصية تتمثل بالمحافظة على النظافة، وعدم الاختلاط قدر الإمكان، والابتعاد عن المناسبات الاجتماعية، وأماكن التزاحم. لا احد يعرف كم من الزمن يمكن لهذه الأزمة أن تستمر؟، وكيف يمكن للعالم أن يخلص أو يتعلم منها، فكما هو معلوم، فإن البداية كانت في الصين أكبر دولة من حيث عدد السكان، وحجم الإنتاج على مستوى العالم، نسبةً لتوفر الأيدي العاملة، ورخصها، بل أن الافراد كانوا يتعاملون معها بكثافة في التجارة الالكترونية التي صار لها شأن عظيم، فماذا لو كان السيناريو أن المرض استمر لفترة طويلة، وأُغلق صنبور غزير أو أكثر للإنتاج، فهذا قد يوقع كثيرا من الدول بأزمات متلاحقة ومترابطة، لا نهاية لها، وربما كان أخطرها عدم قدرتها على توفير أمنها الغذائي ومتطلبات أسواقها، لذا ينبغي أن يكون الدرس الأهم المستفاد أن تعمد كل أمة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي قدر المستطاع، ولا تخضع لظروف عالمية متقلبة لا يعلمها الا الله جلّ وعلا. أسأل الله العافية للجميع.