د.حسام العتوم
السابع من أكتوبر 2023 الذي استهدف إسرائيل لم يأت من فراغ ، بل عكس معادلة الضغط يولد الأنفجار ، و بأن الظلم ظلمات ، وبأن اضطهاد الشعب الفلسطيني على مدى 75 عاما و أكثر فقط لأنه صاحب الأرض و القضية العادلة ، و التاريخ الكنعاني منذ ما قبل التاريخ بخمسة الاف عام غير مقبول ، وفي كل الحروب الإسرائيلية مع العرب (1948 و1956 و1968) قدم الفلسطينيون قافلة من الشهداء ، وفي حروب العرب ( 1967 و 1973 ) مع إسرائيل أيضا . و الكيان الإسرائيلي نازي خطير رغم هروب يهوده من نازية أودلف هتلر في الحرب العالمية الثانية و الهولوكست عام 1945 ، و اليهود عبرو المنطقة العربية قرابة ثمانون عاما فقط ،و جاءووا مرتحلين و لم يولدوا هنا . وتشكل كيانهم بداية من مجموعة من العصابات الإرهابية مثل ( هاجاناه ، إرجون ، بيتار ، شتيرن ، بلماح ) .
لقد أحرجت إسرائيل العرب عندما عرضت عليهم دولة بعد قرار التقسيم رقم 181 عام 1947 بمعرفتها المسبقة رفضهم لها ، و تقدم قرار الرفض الجامعة العربية التي تأسست عام 1945 ، وسبب الرفض العربي يكمن في قدسية فلسطين و التي هي بالمناسبة واحدة ، التاريخية منها و المعاصرة ، و الاعتراف الدولي بإسرائيل بتاريخ 14 / أيار / 1948 من قبل 165 دولة عضوة في الأمم المتحدة من أصل 193 دولة مماثلة دفع بالعرب للتقاطر بالاعتراف بإسرائيل على حدود عام 1948 ، لكن السلام لم يوقعه كل العرب ، و لكل دولة عربية ظرفها السياسي و الاقتصادي و علاقات دولية خاصة بها في ظل غياب الوحدة العربية التي ناداهم اليها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي طيب الله ثراه من وسط ثورة العرب الهاشمية الكبرى 1916 و بعد ذلك.
ولقد بادرت مصر العربية في توقيع السلام مع إسرائيل عام 1979 لقناعتها وقتها بأن شعار العرب ” ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ” في الحربين مع إسرائيل (1967 و 1973 ) لم يحقق النتيجة المطلوبة على الارض و التي كان هدفها تحرير فلسطين التاريخية و كل الجولان – الهضبة العربية السورية ،و جنوب لبنان . فجاءت معاهدة كامب – ديفيد عام 1978 ممهدة للسلام و اقترنت بزيارة السادات المفاجئة للكينيست الإسرائيلي . وشكلت اتفاقية ” أوسلو ” عام 1993 رافعة لسلام النصف مع الفلسطينيين ، فظهرت السلطة و انسلخت عنها وعن منظمة التحرير حماس – حركة التحرر العربية الفلسطينية الإسلامية ( الأيدولوجيا ) . وهاجمت إسرائيل غزة عدة مرات و خرجت من هناك مهرولة في عهد أرئيل شارون . و انتظر الأردن مصر و فلسطين لتوقيع سلامه الذي يضمن له حماية حدوده و حصته المائية ، فكان له ذلك عام في عهد الملك الحسين العظيم عام 1994 ، وتمكن من انتزاع إقليمي ( الباقورة و الغمر ) عام 2019 من فكي معاهدة السلام و تحريرهما بإصرار مباشر من جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله .
و ترفض إسرائيل الليكود المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو قيام دولة فلسطين بعد رعبها من السابع من أكتوبر2023 من دون أن تعرف بأن في قيام دولة فلسطين تحقيق لأمن إسرائيل داخل حدودها لعام 1948 ،و العكس صحيح بأن يتم تحقيق الأمن و السيادة لفلسطين و دولتها .
لم تكتفي إسرائيل بمجزرة غزة والتي هي ليست الوحيدة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي ، فنراها تتحرش برفح لإرتكاب مجزرة جديدة بحق الفلسطينيين الامنين في بيوتهم بحجة تصفية حماس قيادة و تنظيما . وكل ما أقيم على خطأ سينتهي الى خطأ ، ولن تتمكن إسرائيل العيش طويلا و بأمان وسط العرب إن لم تعيد لهم حقوقهم التاريخية المشروعة ، و الفلسطينيون و العرب ليسوا إرهابيين . و خيار تفكيك إسرائيل وارد ،و هو حديث المجتمع الدولي الواجب تصعيده بسبب رفضها لدولة فلسطين كاملة السيادة . ومثلما تشكلت إسرائيل بمؤامرة ستنتهي بمثلها تخفي وجودها من المنطقة . و لم يكن مخططا في عمق التاريخ المعاصر بناء إسرائيل فوق أرض فلسطين ، و إنما أراد لها الزعيم جوزيف ستالين أن تبنى في القرم أو في سخالين عام 1950 . وخيار ترحيل إسرائيل الى الى إقليم ” الاسكا ” الأمريكي – الروسي الأصل وارد أيضا و مشروع .
لقد بذل الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني جهودا مضنية و جبارة وعبر المحافل الدولية لوقف الحرب في غزة ولمنع التهجير القسري للفلسطينيين أصحاب الأرض ، وواصل ولا يزال لمعالجة كارثة غزة بتقديم المساعدات الإنسانية و الطبية ،و شارك جلالته بنفسه في توصليها جوا ، وجهد مقابل لمصر العربية و لباقي الدول العربية بنفس المجال و على صعيد السياسة و الدبلوماسية . و لروسيا فضل الخطوة الأولى من خلال مجلس الأمن لوقف الحرب في غزة ، و بيان للخارجية الروسية لم يتفهم هجمة السابع من أكتوبر و أدان جريمة الإبادة الإسرائيلية ، و فيتو أمريكي متكرر في مجلس الأمن لصالح استمرار الحرب في غزة تنفيذا لرغبات إسرائيل في تصفية حماس المهددة لوجودها ، و الاضرار بالمكون البشري الفلسطيني الذي يتفوق كما و نوعا على الحضور البشري الإسرائيلي القادم من الشتات و من مختلف أصقاع الارض .
وهاهي قمة ” البحرين ” تخرج بنتيجة عربية واحدة مفادها وقف الحرب في غزة و رفض التهجير القسري . و تخوف عربي مقابل من إعلان أمريكا انتهائها من تنفيذ رصيف غزة البحري الممكن أن تستخدمه ليس لصالح المساعدات الإنسانية للفلسطينيين ،وهو الممكن تحقيقه بوقف الحرب في غزة فورا ، ولكن لغاية تهجير الفلسطينيين الى العالم الخارجي ، وهو المرفوض فلسطينيا و عربيا . وتصريح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في قمة البحرين بشأن حماس و السابع من أكتوبر والانقسام الفلسطيني ولو أنه حمل الكثير من الواقعية ، إلا أنه شأن فلسطيني داخلي الأصل أن عولج و يعالج في داخل البيت الفلسطيني و العربي ،و أن لا يخدم إسرائيل من جديد .