رمزي الغزوي
بسهولة تقشير بيضة مسلوقة مُملّحة نستطيع تقدير عمر الشجرة الحقيقي. فإن أرادت هذا، فما عليك إلا عدّ الحلقات المتراكمة في جذعها، فكل حلقة تمثل سنة شمسية.
في عمر الإنسان لا ينجح عد الحلقات ولا حساب اتساعها وضيقها أو انبعاجها، ولا تنجح كذلك تقنية تقدير عمر العظم بواسطة الأشعة السينية، لأن بعضنا يرى أن العمر الحقيقي للواحد منا، ليس إلا الأيام السعيدة التي يحياها، ويتبغدد فيها.
لم يقل القرآن الكريم: سيروا على الأرض. بل سيروا في الأرض، في إشارة محرضة وداعية للبحث والتحليل، ولهذا يعتمد علم الآثار (الأركيولوجيا) على شق مقطع عرضي في الأرض؛ كي تظهر الطبقات المتراكمة التي من خلالها يتعرف على الحضارات والأحداث التي تعاقبت على المنطقة، بفحص وتحليل المخلفات المتروكة في كل طبقة.
زاد عمر سعادتنا الحقيقي يوماً أو أكثر، حينما اكتشفنا بمحض الصدفة تعيين 11 أخاً وأختاً في مؤسسة شبه رسمية لدينا، وعلى فترات متعاقبة. وهل ثمة سعادة أكبر من أن يبث فريق كرة قدم أهدافا سعيدة فينا، بكل همة وتشويق؟.
يبقى مسؤولونا الكبار على قيد التبجح والتفاخر بأي انجاز تحقق في عهدهم، حتى وهو على دكتة التقاعد. ولهذا فمن حقنا أيضاً أن نعرف ماذا تركوا وراءه من سواد وعفن بكل شفافية؛ كي نسمي الأشياء بمسمياتها.
بكل أسف فقد تبين أن بعض ملفات فسادنا، ليست كطبقات الأرض، تحتاج عالم آثار ليدرسها. لسبب بسيط وهو أنك لن تستطيع تمييز الطبقات بشكل صريح، فهي متداخلة (متكرمشة) على بعضها، كرأس الملفوف. لأن كل مسؤول يجيء إلى مؤسسة، لا ينبش أو ينفض فساد سلفه، كي لا ينبش فساده من يخلفه. وهكذا يا سادة يا كرام، طبقة فوق طبقة، حتى تدحرجنا كرأس ملفوف في دنيا الفساد.
يحق لمواطننا ألا يثق ببعض نوايا الإصلاح، حتى وإن كانت صادقة. فحين يرى أن المسؤول قد ضرب وهرب. أو أنه ما زال يتمتع بقدرته على التبجح بسيرته العطرة، دون أن يجرؤ أحد ويقول إن حقبته كانت كذا وكذا.
كل ربة بيت تعرف تماماً كيفية التعامل مع رأس الملفوف. فهي تبدأ بفكفكته وتقشيره ورقة ورقة، وهذا يحتاج صبرا ودقة وطولة بال، ثم تقوم بغمر كل ورقة في طنجرة ماء يغلي. عندها تلين وتنفرد وتصبح جاهزة للفّ، أقصد جاهزة؛ كي نقرأ ما نقش فيها من بلاوي زرقاء وحمراء.
عليكم باستراتيجية الماء المغلي؛ إن اردتم معرفة طبقات وتعفنات ملفات الفساد في مؤسساتنا. والله المستعان.