د.حسام العتوم
بسرعة البرق تناقلت وسائل الإعلام الروسية والدولية خبر وصول جلالة الملك عبد الله الثاني “حفظه الله” لموسكو يوم الإثنين بتاريخ 22 آب الجاري 2021، في زيارة دولة يرافقه وفد رفيع المستوى مثّله صاحب السمو الملكي الأمير علي, ورئيس هيئة الأركان المشتركة قائد الجيش الحنيطي, ومدير المخابرات العامة حاتوقاي, ووزير الخارجية الصفدي, وعقد لقاء مع رئيس روسيا الأتحادية فلاديمير بوتين في قصر الكرملين الرئاسي انضم اليه السفير الأردني في موسكو الشوابكة, وهو لقاء القمة الممكن وصفه بالهادف والمثمر. وبدأ جلالة الملك حسب بروتوكول قصر الكرملين حديثه شاكرا الرئيس بوتين على حسن الضيافة وإتاحة الفرصة لزيارة المعرض الروسي العسكري الدولي, وهو الذي رافق جلالته إليه, مثمنا جلالته ذات الوقت دور بوتين في رسم الاستقرار في منطقتنا وتحدياتها. ولفت جلالته انتباه بوتين لأهمية تطوير العلاقات الأردنية الروسية, وهي التي سوف تواصل عملها بعد جائحة كورونا باتجاه الاهتمام بالزراعة. وتطرق جلالته لأهمية التعاون في مجال لقاح كورونا ( سبوتنيك) وإمكانية انتاجه قريبا.
وفي المقابل تطرق جلالته لأهمية المساعدة الروسية في الأزمة السورية صوب الاستقرار, وحول الدور الروسي التاريخي في صنع السلام في الشرق الأوسط, وتفاؤلٌ عند جلالته بعد لقاء الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن تكون إمكانية إعادة الحوار الفلسطيني الإسرائيلي ممكنة. وبأن الأردن يراقب الوضع في أفغانستان ويواصل مواجهة التطرف. وجاء حديث الرئيس بوتين حميدا ومطمئنا مقدما التقارب على ترويج الأسلحة, ومواصلة المساعدة في مجال مكافحة كورونا. وأشار الرئيس بوتين لأهمية تطور العلاقات الأردنية الروسية في كافة المجالات, ولضرورة تجاوز جائحة كورونا للذهاب لحل قضايا عالقة مثل السورية والأفغانية. وحضر اللقاء من الجانب الروسي مساعد الرئيس أوشاكوف, ووزير الخارجية لافروف, ووزير الدفاع شايغو.
وبطبيعة الحال، وأينما يتحرك جلالة الملك إلى الداخل الأردني وإلى الخارج يكون الهدف أردني, وفي الزيارة الملكية هذه لموسكو رسم جلالته الهدف الأردني أمام تفاصيل الاقتصاد الزراعي، آخذا بعين الاعتبار – على ما يبدو- تربع الأردن على صحراء تغطي حوالي 90% من أراضيه, بعد معالجة وتطويق جائحة كورونا بالتعاون مع روسيا المعروفة بتفوقها عالميا بلقاح سبوتنيك vوعبر أصنافه الأربعة. وركز جلالته على أهمية مواصلة مكافحة كورونا والعمل ذاتيا على انتاج لقاحها في الأردن.
كما إن تذكير جلالة الملك لبوتين بفتح الملف السوري من جديد لم يأت من فراغ , فالعلاقات الأردنية – السورية السياسية والدبلوماسية الرفيعة المستوى متراجعة ولا ترتقي لمستوى الاتصالات المباشرة، ولا سفير هنا في عمان ولا هناك في دمشق. وجلالة الملك الذي اعترف في مقابلته الأخيرة بعد عودته من واشنطن بحضور النظام السوري ووجوده بعكس المعتقد السابق الذي توفر لدى أمريكا, احتاج ويحتاج بإسم الأردن لفتح قنوات الإتصال مع دمشق على غرار العلاقة الرفيعة المستوى مع بغداد, ولكن في هذه المرحلة من خلال موسكو راعية الملف السوي إلى جانب إيران وبدعوة رسمية من النظام السوري نفسه. ولنا حصة مائية لدى الجانب السوري, والمليشيات الإيرانية وعناصر حزب الله على أطراف حدودنا الشمالية من طرف الجنوب السوري, وعودة جيش النظام السوري لقصف المعارضة السورية في درعا, وجميعها أمور مقلقة لأمن الأردن.
وشخصياً، كمراقب ومحلل سياسي، أدعو لعودة العلاقات الأردنية السورية إلى سابق عهدها وازدهارها قبل الربيع السوري منذ بدايات عهد جلالة الملك وحكم الرئيس السوري بشار الأسد, و عفا الله عن عدم قدرة العرب على تفسير الحدث الدموي السوري تحت تأثير أمريكا ( صديقة الشعب السوري) وجهازها اللوجستي وحربها الباردة, وهو الذي اخترقه الإرهاب قادما من 80 دولة عبر سنوات الحرب الطويلة، ولا زال يتحرك على شكل خلايا نائمة. ومن ينظر للمستقبل لا يلتفت إلى الخلف, وهي نظرية وردت في أولى خطابات الرئيس الأسد بعد عام 2000. و يواصل الأردن تحمله عبر خزينة الدولة لفاتورة اللاجيء السوري في زمن تراجع دعم المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة. ويجد الأردن نفسه وسط الشرق الأوسط دائما وسط العاصفة, لذلك نجده مهتم حتى بحراك طالبان في أفغانستان بعد سيطرتهم على العاصمة كابول وأركان أفغانستان. ويواصل الأردن محاربته للتطرف والإرهاب, ولقد قدم قافلة من الشهداء داخل وخارج حدودة, وحادثة شهيدنا البطل الطيار المقاتل معاذ الكساسبة في الرقة شمال سوريا هزت ضمير المنطقة, وهو الذي حرقته عصابة داعش المجرمة حيا, ويستحق في المقابل أن يبنى له صرح منفرد في إحدى دواوير عمان الهامة. والدور الروسي السياسي والعسكري وسط الأزمة السورية مشروع, واستهدافه يحتسب فقط في جوف الفوبيا الروسية أي الرهاب الروسي غير المبرر unjustified Russophobia.
والموقف الروسي وسط القضية الفلسطينية العادلة ثابت وواضح, وهو مريح للأردن قيادة وشعبا, ويستمر في دعوته للنهوض بحل الدولتين لحين إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية, ولتجميد المستوطنات اليهودية غير الشرعية, ولعودة إسرائيل لحدود الرابع من حزيران لعام 1967, ومع دراسة حق العودة أولا والتعويض ثانيا, وتتمسك بالقانون الدولي عبر الأمم المتحدة, ومجلس الأمن, والمحكمة الدولية. وفي موسكو دعا جلالة الملك للإستفادة من الحضور الروسي في الشأن الإسرائيلي السياسي والديمغرافي, ومراهنة أردنية على الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة نفتالي بينيت رئيس حزب البيت اليهودي ورئيس اسرائيل رؤوفين ريفلين لإعادة انطلاقة الحوار الفلسطيني الإسرائيلي في وقت هي فيه الحقوق الفلسطينية الشرعية واضحة كما الشمس وحقوق الأردن النهائية أيضا.
ويستفيد الأردن من التكنولوجية العسكرية الروسية المتطورة والمتفوقة, وكذلك الأمر من الخبرات الأمنية خاصة في مجال مكافة الإرهاب. ويتعاون مع أمريكا بنفس الوقت في الملف الأفغاني عبر ترحيل العناصر الأفغانية الموالية لأمريكا, والمساعدة في ترحيل جنود وضباط أمريكا هذا العام 2021 من أفغانستان بعد انتهاء مهامهم هناك تماما، كما انتهت مهام الاتحاد السوفيتي عام 1985. وبالمناسبة فإن طالبان ترفع شعار أفغانستان للأفغان, وتقف ضد الإرهاب, وتناهض المخدرات رغم التطرف الديني الذي يتحلون به.