مكرم الطراونة
مخطئٌ مَنْ يعتقدُ أنّ المعركةَ ضدَّ وباءِ “كورونا”، قدْ انتهتْ بعدَ دخولِ الأردنِ يومَ غدٍ السبتِ المستوى معتدلَ الخطورةِ بشأنِ انتشارِ الفيروسِ، وإعادة فتح قطاعات جديدة أبرزها دور العبادة والحضانات والمطاعم والمقاهي والأندية والفعاليات الرياضية والفنادق.
اليوم تنفسّ الناسُ الصعداءَ، وباتوا قادرين على التحرك كيفما يشاؤون وفقَ اشتراطاتٍ وإرشاداتٍ صحيّة بعد أكثر من شهرين ونصف الشهر من الحظر بشقيه الكلي والجزئي. اليوم، دخلنا مرحلةً حاسمةً وخطيرةً تتطلبُ من الجميع؛ دولةً ومؤسساتٍ ومواطنينَ التعاملَ معها وفق معطيات جديدة تحول دون العودة خطوات إلى الوراء.
المواطنون مطالبون بالالتزام بالتعليمات والدليل الإرشادي خلال تنقلاتهم أو في أماكن عملهم، وعليهم أن يكونوا على قدرٍ عالٍ من المسؤولية التي أُلقيتْ على عاتقهم مع هذا الانفتاح، الذي طالما طالبوا به، فالأمرُ لا يحتاجُ إلى التساهل والتهاون من قبل أي شخص، إذ أن الرقابة ستكون ذاتية، يحرص فيها الجميع على تأمين استقرار حالاتهم الصحيّة على المستوى الشخصي، والحفاظ على المنظومة الصحية في المملكة بشكل عام.
الدولة بالمقابل، فهي بالتأكيد لن تكون في هذه المرحلة قادرة كليّا على تحقيق ممارسة فضلى في الرقابة على الأسواق والمنشآت، ومتابعة سلوكيات المواطنين بهذا الإطار، إذ أن مثل هذه الرقابة تحتاج إلى جهد جبّار وكبير، لن تقوى عليه أفضل الدول اقتصاديا وصحيّا.
كما أن على الحكومة أن لا ترمي بمسؤولياتها على المواطنين، فهي مدعوة أيضا إلى أن تعمَدَ لزيادة الفحوصات العشوائية في كل مكان تحسبًا لأيّ تطور في المشهد الوبائي والصحي الجيّد الذي وصلنا إليه، وهو مشهد مستقر ومطمئن، فهذا الانفتاح يحتاج إلى متابعة مكثفة أكبر، كوننا في طريقنا إلى حياة طبيعية ستشهد اختلاطا غير مسبوق بين الناس، وتحركات في شتى الاتجاهات.
مرحلة واحدة تفصلنا عن الوضع الصحي الأفضل، والأمر كما تحدث رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز يحتاج إلى أشهر، ما يعني أننا فعلا لسنا بالمرحلة الأخيرة من انتشار الفيروس، وهذا يحوْلُ دون أن نتمكن من إعلان المملكة دولةً خاليةً من كورونا، وبالتالي الفيروس يحوم في أجوائنا ومن السهل جدًا، لا قدّر اللهُ، أن يتغلغلَ بيننا من جديدٍ.
علينا جميعا أنْ ندركَ أنّ المعركة الجديدة التي يجب أن نخوضها بدءًا من اليوم هي معركة اقتصادية بحتة، الاستعداد ومحاولة العودة من جديد لإنعاش الحركة التجارية والصناعية والسياحية والزراعية، وهذا لن يتأتى سوى بالمحافظة على الوضع الصحي والوبائي الجيد والمستقر، ولا بد من الانتقال من مرحلة اتخاذ القرارات بناءً على الأولوية الصحيّة إلى الاعتماد على المؤشرات الاقتصادية والمالية، وهو أمر لا مفرَّ منه ولا بدَّ أن يكون بأسرع وقت ممكن.
المستوى الذي بلغناه لم يأتِ من فراغ، دفع الجميعُ ثمنَه؛ دولة ومواطنا، والوضع المعيشي لأغلب الناس في أدنى مستوياته، نتيجة الإغلاق التام لكافة القطاعات، وعدم العمل والإنتاج، ونفاد المخزون المالي البسيط والمحدود الذي كان بحوزتهم، وميزانية المملكة تغوص في عجز يتراكم يوما تلو الآخر، وأيّ ارتباك جديد يعني أننا سنواصل دفع الثمن، وهو ثمنٌ غالٍ وسيكون مضاعفًا، وربما لن نقوى على تحمّلِ تبعاتِهِ.