خليل النظامي
رسالة مفتوحة إلى وزير الإعلام الصديق والأخ المحترم معالي الدكتور محمد المومني ،،،
يا صديقي، لما نحكي عن “تطوير الإعلام”، لازم نكون صريحين ونطرح السؤال الأهم: تطوير الإعلام لصالح من؟ وهل الهدف بناء إعلام حقيقي مستقل (حر) قادر على مساءلة السلطة، وكشف الفساد، وتمثيل صوت المواطن؟
أم المطلوب فقط “تجميل الصورة” وإنتاج إعلام مطعم بجرعة إضافية من الديكور والمونتاج؟
التطوير مش بس كلمة بتلمع في الخطابات الرسمية، ولا مجرد اجتماعات مع مدراء وسائل الإعلام يلي جزء كبير منهم أصلا مش بإيدهم القرار.
التطوير عملية شاملة، معقدة، ومؤلمة أحيانا، لأنها تعني كسر منظومات قائمة وإعادة بنائها على أسس جديدة، وعشان هيك خليني أفصل لك شو المطلوب لو كنا فعلا جادين:
أولًا: تطوير البنية التشريعية والإدارية
أولا : قوانين إعلام عصرية: هل عندنا تشريعات تحمي الصحفيين وتضمن لهم حرية الوصول للمعلومة؟ أم أن القانون يستخدم كأداة لضبط الإعلام بدلًا من تطويره؟!
ثانيا : استقلالية المؤسسات الإعلامية: الإعلام الرسمي هل هو فعلا “إعلام دولة” ولا إعلام حكومة بيشتغل وفق المزاج السياسي؟ هذا لازم يكون مستقل إداريا وماليا مش مجرد بوق رسمي.
ثالثا : إلغاء القوانين الفضفاضة: مثل المواد التي تستخدم لحبس الصحفيين أو تقييد النشر، لأنها تجعل العمل الإعلامي مغامرة محفوفة بالمخاطر.
ثانيًا: إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية
اولاً: من يملك الإعلام؟ الإعلام الخاص في يد رجال أعمال مرتبطين بالحكومة، والإعلام الرسمي بيد الدولة… فأين الإعلام المستقل؟
ثانيا : إعادة بناء المؤسسات الإعلامية: مش بس تجديد الديكورات والاستوديوهات، بل تحديث آليات العمل وسياسات التحرير، والتأكد من أن التعيينات تتم على أساس الكفاءة مش الواسطة والمحسوبيات.
ثالثا : إلغاء “إعلام العلاقات العامة”: لأن كثير من المؤسسات الرسمية تعتبر الإعلام مجرد أداة دعاية، بينما مهمته الحقيقية هي النقد وكشف الحقيقة.
ثالثا : الاستثمار في الصحفيين بدلا من تهميشهم.
اولاً: تطوير التدريب والتأهيل: الصحفي اليوم محتاج مهارات رقمية، تحقيقات استقصائية، تحليل بيانات، وليس مجرد “نسخ ولصق” من بيانات الحكومة.
ثانيا : تحسين بيئة العمل: هل الصحفي الأردني بيشتغل ببيئة آمنة ومستقرة؟ أم أنه مهدد بالفصل التعسفي، وضعف الرواتب، وانعدام الحماية القانونية؟
ثالثا : تشجيع الصحافة الاستقصائية: مش لازم الصحفي يخاف كل ما قرر يفتح ملف فساد، لأنه بدون هذا النوع من الصحافة، بيصير الإعلام مجرد مكبر صوت للسلطة.
رابعا : تطوير المحتوى الإعلامي
اولاً: إعلام الناس مش إعلام السلطة: هل المواطن الأردني بيلاقي همومه وقضاياه في الإعلام؟ أم أنه مجرد متلق للأخبار الرسمية والمناسبات؟
ثانيا : وقف نمط “النسخ واللصق”: كل وسائل الإعلام بتكرر نفس الأخبار كأنها نسخة طبق الأصل، وين الابتكار؟ وين التقارير الميدانية الحقيقية؟
ثالثا : دمج الإعلام التقليدي بالرقمي: وسائل التواصل الاجتماعي مش خطر، لكنها ساحة إعلامية جديدة لازم نتعلم كيف نشتغل فيها بمهارة، مش نخاف منها ونحاول نسيطر عليها.
خامسا : إصلاح التعليم الإعلامي
اولاً: مناهج الصحافة في الجامعات بحاجة لإعادة هيكلة: هل الطالب بيتخرج وعنده مهارات حقيقية؟ أم أنه حافظ كم كتاب نظري وخارج سوق العمل بدون خبرة
ثانيا : الأساتذة في كليات الإعلام: كم واحد منهم عنده خبرة عملية في الصحافة؟ وكم واحد مجرد أكاديمي بعيد عن الميدان؟ لازم نوقف تعيين “الدكاترة بالمجاملات”.
ثالثا : إعادة التوازن بين التعليم النظري والعملي،، مش معقول طالب الإعلام يتخرج وما لمس كاميرا ولا كتب تحقيق ميداني حقيقي.
سادسا: التمويل والإدارة المالية للمؤسسات الإعلامية
اولا : من يمول الإعلام؟ إذا كانت الحكومة أو رجال الأعمال المسيطرين هم الممولين، فكيف للإعلام أن يكون مستقلا!!؟
ثانيا : إنشاء صناديق دعم للصحافة المستقلة: مثلما تفعل الدول التي تحترم الإعلام، حيث يتم تمويل الصحافة الجادة من خلال منح ودعم غير مشروط.
ثالثا : وقف الإعلانات المشروطة سياسيا: بعض المؤسسات الخاصة والرسمية تتحكم بالإعلام من خلال الإعلانات، وبتحدد شو ينحكى وشو لا، وهذا خنق اقتصادي للإعلام المستقل.
سابعا :هيئة الإعلام: “التراخيص على الطاير” لمن هب ودب!
في أي دولة عندها رؤية إعلامية محترمة، الجهات المنظمة للإعلام دورها يكون ضبط الجودة، وضع معايير مهنية، والتأكد من أن المؤسسات الإعلامية تلتزم بأخلاقيات الصحافة.
أما عنا، فالأمر مختلف تماما… هيئة الإعلام صارت “مطبعة تراخيص” توزعها يمنة ويسرة بدون أي معايير واضحة، وكأن الإعلام سوق مفتوح لأي شخص معه رأس مال وعنده شوية علاقات!
يعني، بدل ما تكون الرخصة مرهونة بوجود هيكل مهني، سياسة تحريرية واضحة، فريق عمل كفؤ، وتمويل شفاف، وموافقة من نقابة الصحفيين، صار بإمكان أي رجل أعمال، أو سياسي، أو حتى شخص بدون أي خبرة إعلامية، أنه يحصل على ترخيص ويبني وسيلة إعلامية لا هدف لها سوى تنفيذ أجندات شخصية أو تجارية.
والنتيجة؟ إعلام ملوث، فوضوي، غارق في الدعاية الرخيصة، بعيد كل البعد عن المهنية.
والأسوأ من ذلك، أن المؤسسات الإعلامية الجادة، التي تحاول تعمل صحافة حقيقية، تواجه عراقيل وتعقيدات لا تنتهي… بينما تجد بعض “القنوات والمواقع” تظهر بين ليلة وضحاها، بدون أي خلفية صحفية، فقط لأنها مدعومة من جهة معينة أو شخص نافذ!
إذا كنا فعلا بدنا “تطوير الإعلام”، فالأولى أن نبدأ من تنظيف سوق الإعلام، ووضع شروط صارمة لمنح التراخيص، بحيث تكون المعايير قائمة على الكفاءة، الاستقلالية، والخبرة الصحفية، مش على حجم العلاقات أو الولاءات السياسية.
ثامنا : دخلاء الإعلام:
في أي مهنة محترمة، هناك معايير للدخول إليها: الطبيب لا يصبح طبيبا إلا بعد دراسة وشهادات واختبارات، والمهندس لا يسمح له ببناء الجسور والمنازل إلا إذا كان مؤهلًا.
أما في الإعلام، فالأمر مختلف تماما… فالمهنة تحولت إلى ملجأ لمن لا مهنة له!
دخول الإعلام اليوم لا يحتاج إلى خبرة، ولا شهادة، ولا أي التزام بالمهنية، فقط “واسطة محترمة”، أو “علاقات نافذة”، أو حتى مجرد حساب على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهكذا، صرنا نرى في الكثير من المؤسسات الإعلامية الرسمية والخاصة شخصيات غريبة: موظفون بلا أي خلفية صحفية، مذيعون لا يفرقون بين الخبر والمعلومة والرأي، “إعلاميون” لم يكتبوا خبرا واحدا في حياتهم، لكنهم يملكون برامجهم الخاصة!
وأخيرا يا صديقي …
هل الحكومة جاهزة لهذا التطوير؟
ولا التطوير بالنسبة لها مجرد اجتماع هنا، وورشة هناك، وتصريحات عن “رؤية جديدة” تنتهي بعد أيام؟!
يا صديقي، تطوير الإعلام مش مجرد “حكي”، بل قرارات جريئة، ومواجهة مصالح، وكسر احتكار، وضمان استقلالية حقيقية.
فهل وزارة الإعلام مستعدة لهذه المعركة؟ أم أن “التطوير” مجرد عنوان جميل لمرحلة جديدة من السيطرة بطرق حديثة؟!
#خليل_النظامي