الدكتور عثمان الطاهات
في ضوء الأحداث الأخيرة، يتضح أن الهجوم الإسرائيلي على إيران يمثّل تحولًا خطيرًا في الصراع الإقليمي، حيث يبدو أن القوى الكبرى في النظام الدولي قد اتفقت على أن تتحارب إسرائيل وإيران على الأراضي العربية فقط، بينما يبقى التعامل المباشر بين الطرفين محصورًا. وبذلك، تتواصل المأساة التي تعيشها الدول العربية وشعوبها، التي تتحمل دائمًا ثمن الحروب والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948 وحتى يومنا هذا.
قدمت إسرائيل توعدًا برد قاسٍ يستهدف بالأساس المفاعلات النووية الإيرانية ومرافق النفط وقواعد الحرس الثوري. ولكن، مع تنفيذ الهجوم، كان واقع الأمور مختلفًا تمامًا. فقد استهدفت الغارات الإسرائيلية عددًا محدودًا من المواقع في ثلاث محافظات إيرانية فقط، وهي طهران، خوزستان، وإيلام، مما يدل على أن العمليات كانت محدودة في نطاقها وأثرها، حيث تشكل هذه المحافظات مساحة متواضعة جدًا من الأراضي الإيرانية.
تقول التصريحات الإيرانية إن الهجوم لم يستهدف مواقع استراتيجية حيوية، بل أتى ليتناول مواقع عسكرية غير حساسة مثل مخازن الأسلحة ومصانعها. هذا يعكس بشكل واضح الضغوط الأمريكية والأوروبية والعربية، وعلى وجه الخصوص من دول الخليج، على كل من إسرائيل وإيران لتجنب التصعيد العسكري المباشر.
تؤكد التقارير أن هناك رغبة من كلا الطرفين في تجنب الصراع المباشر. ففي ضوء الروايات الإعلامية، أعلنت إسرائيل أن هجومها قد انتهى، وكأنما تشير إلى أنها ليست في صدد تصعيد الأمور. من جانبها، تبدو إيران أيضًا حذرة في ردودها، مؤكدةً أن آثار الهجوم الإسرائيلي كانت ضعيفة. هذا التبادل من الرسائل يؤكد أن كلاً من الدولتين تدركان عواقب الحرب المباشرة، ويرغبان في احتواء النزاع في إطار معين.
ومع ذلك، فإن الوضع في المنطقة لا يزال متوترًا، حيث تشير المؤشرات إلى أن الصراعات ستبقى نشطة في غزة ولبنان، بالإضافة إلى الضغوطات والنزاعات من قبل الحوثيين واستمرار الضربات من العراق. لذا، من الواضح أن المسرح الإقليمي سيبقى محتدمًا، حيث تستمر الأطراف في استخدام الأراضي العربية ساحة للاشتباك، بينما تبقى العواقب مأساوية لشعوب هذه الدول.
إن الهجوم الإسرائيلي على إيران، كما يظهر، هو جزء من صراع أكبر، يعكس إشكاليات تتجاوز التجاذبات الثنائية، بل تمس الدول العربية بشكل مباشر. تلك الدول، التي تدفع دائمًا ثمن التوترات والصراعات في الشرق الأوسط، تحتاج إلى استراتيجية جماعية لمواجهة العواقب وتأمين مستقبلها. وفي غياب حوار حقيقي بين الأطراف المعنية، سيظل النزاع مستمرًا، والتكلفة يدفعها المدنيون الأبرياء.