محمد عبدالكريم الزيود
الى حبيب الزيودي بلا مناسبة
محمد عبدالكريم الزيود
أعرفُ أنّكَ الآن تستريح ، فقد أتعبتكَ الدنيا ، وها أنتَ ترقد بلا مشاغبة هنا في ‘المسرّة’ مع أبيكَ وأعمامك ،ترقدُ ولم تعدْ مشغولا بكتابة قصيدة ، أو أنْ تطارد غزالا نافرا جفلَ منكَ في شوارع عمان .
أكتبُ لكَ يا صديقي بلا مناسبة ، تعالَ معي نصعدُ ‘جبل القرين ‘ ، هُنا الصيف يرخي عباءته على هذي المروج ، وبين ظلال السنديان يغيبُ صوت الناي ، ويجلس الراعي وحيدا ، ولم تعد تحفل دروب العالوك بالعاشقين ، لم تعد بنات المدارس يقرأن رسائل الورق ولا يخبئن القصائد ، تخيّل يا صديقي ، لم يعد الشعراء بعدك يكتبون لقمر العالوك ، ولا للقهوة التي تفوح قبل الفجر ، ولا لصوت الربابة تجرّ في المضافات ، لم يعد أحد يكتب للفرسان ولا للخيل التي تصهل كلمّا لاح ضيف ، لم يعد يكتبون لجدائل الصبايا التي تهبّ كلمّا لاعبها نسائم الغربي ، لم يعد يكتب الشعراء للدموع التي تفيض شوقا ، وللقلوب التي أتعبها هوى البلاد .
هو الصيف يفتقدك يا حبيب ، كنتَ هنا تشعل النار على أعواد التين والعنب ، وتجمع الفتية كل مساء ، تقرأ عليهم آخر قصائدك التي ما زالت ندية ، وتضحكون وتبكون من وجع البلاد وعلى آخر الهنود الحمر .
لم نعدْ نقرأ شعرا يفوح منه الريحان والنعنع ، أو رائحة مدارق الأمهات عند الفجر ، أو قصائد تشتعل بصوت نمر بن عدوان ، وسيرة حابس ووصفي وزناد البلقا ، وصايل الشهوان وإبن غدير .
عُدّ إلينا وقُل : أنّ بلادنا بخير ، وأنّنا سنستعيدها ذات ضُحى في قلبٍ لا يملؤه الشكّ ، وأنّ رصيد البلاد من السيوف والفرسان والطيب والقصائد والعشق ملأى ، وأنّ تاريخ الوطن والشهداء والوجدان والدّم لا يباع .
عُدّ إلينا ساعة يا صديقي ، فالأربعون تنتصف والعُمر يمرّ كغزالٍ شارد ، عُدْ إلينا وأكتب آخر قصائدك ، بأنّ بلادنا بخير ، وأنّ هذه غيمة ستمرّ مثل غيم العالوك في ليلة صيف