د.حسام العتوم
لعل أقوى عبارة، ونداء ملكي أردني جريء وشجاع، في خطاب العرش السامي لجلالة الملك عبد الله الثاني “حفظه الله” بتاريخ 13 نوفمبر 2022 بمناسبة افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة التاسع عشر، هي المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في زمن وقّع فيه الأردن عام 1994 معاهدة سلام الند للند مع إسرائيل، أطلق عليها إتفاقية “وادي عربه” وحصل الأردن من خلالها بعد مصادقة البرلمان عليها حينها على حقوقه الجيوسياسية – أي الجغرافية والسياسية والمائية كاملة، ومن زاوية التمسك بالوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات في القدس، وفي وقت صعد فيه اسم بنيامين نتياهو من جديد، ومخاض جديد للانتخابات الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين وكبار رجال أعمال أمريكا وساستها، وها هو الأردن يستمر مناديا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ولقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس المحتلة، وفي توجهه الوطني والقومي هذا مصلحة أردنية – فلسطينية مشتركة، وعربية – إسلامية ومسيحية أيضًا، وهو الأمر المحتاج لجهد دولي منظم عبر وزراء الخارجية لتفعيل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الخاصة بموضوع إنهاء الاحتلال الاسرائيلي لحدود عام 67، ولتجميد العمل بالمستوطنات غير الشرعية وفقا لقرار مجلس الامن 2334، ولاستثمار الموقف الروسي المساند بقوة لعدالة القضية الفلسطينية في وقت استخدمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية (الفيتو)- 42- مرة في مجلس الأمن لصالح اسرائيل الاحتلالية الاستيطانية.
والدول العربية التي وقعت السلام مع إسرائيل أيضا لغاية الآن (مصر، والبحرين، والإمارات، والمغرب)، وغيرها التي لم توقع بعد، مطالبة برفع صوتها بوجه الاحتلال الإسرائيلي ليعود إلى حدود عام 1967 تمشيا مع قرارات الشرعية الدولية، وتشكيل العرب لجبهة واحدة منادية المجتمع الدولي لتحقيق سلام عادل فوق الأراضي العربية المحتلة عبر دحر الاحتلال لحدوده أمر هام معاصر، وحروب إسرائيل مع العرب عامي (1948 و1968) هدفت لترسيخ الاحتلال، فكسبت حربا بسبب غياب التنسيق العربي، وانهزمت في الثانية (الكرامة) التي سطرت فيها قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة الجيش العربي ومن وسط الخندق الواحد مع الأشقاء الفلسطينيين نصرا كاسحا، وحرب العرب عام 1967 والتي قادها جمال عبد الناصر، وتم زج الأردن فيها في اللحظات الأخيرة إلى جانب العراق، انتهت بضياع معظم الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية وغزة، وأراضي عربية ممثلة بسيناء والجولان – الهضبة العربية السورية، ومزارع وتلال شبعا اللبنانية، وحرب عام 1973 التحريرية التي اشتركت فيها سوريا ومصر لتحرير الجولان وسيناء، واشتركت معهما دولٌ عربية وفي مقدمتها الأردن عبر اللواء المدرع الأربعين، وجاءت النتيجة مهمة بتحرير جزء هام من مدينة (القنيطرة) وسط هضبة الجولان السورية، وسجل عام 1979 عودة لشبه جزيرة سيناء بقوة السلام الانفرادي بين القاهرة وتل أبيب بعد معاهدة (كامب ديفيد)، وتدخلت إسرائيل في الحرب العراقية الايرانية خدمة لأمريكا التي كانت معنية بخسران الطرفين للحرب ولكي تربح اسرائيل بقاءها في المنطقة الشرق اوسطية الهائجة، وعملت على اختراق شمال العراق والعبث بممتلكاته الثقافية والتطاول على حياة خبرائه.
وإلى الأمام وتحديدًا عام 1994 جاء وقت السلام الأردني مع إسرائيل في عهد مليكنا الراحل العظيم -طيب الله ثراه- وتحت إشراف دولي، وأعاد الأردن على أثرها في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني “حفظه الله” أراضيه المحتلة ومنه إقليمي الباقورة والغمر الهامين، وواصل الأردن مسيرته النضالية باحثا عن سلام مشرف يشترك فيه الأشقاء الفلسطينيون من خلال بناء دولتهم كاملة السيادة وعاصمتها القدس المحتلة، ويؤمن الأردن بضرورة ترسيخ هويته الوطنية على أرضه بجوار الهوية الوطنية الفلسطينية غرب النهر الخالد، وبمحاذاة إسرائيل التي اعترفت بكيانها ودولتها الأمم المتحدة عام 1947، وتحقق لها ذلك عام 1948، لكن الأمم المتحدة نفسها رفضت الوجود الإسرائيلي غير الشرعي فوق أراضي العرب بعد حرب عام 67، وهو المطلوب تفعيله ليتحقق السلام العادل بين العرب وإسرائيل، ولكي لا تستثمره دولا عجمية مثل إيران لتحقيق مآرب تصب في مصلحتها القومية والأيدولوجية، وهي التي تحتل جزرا اماراتية على غرار احتلال اسرائيل لأراضي عربية، وفي ذات الوقت تساند حركات التحرر العربية في لبنان وفي فلسطين، وهلالها يخترق العرب.
وإسرائيل التي مارست الاحتلالات في معركتين مع العرب عامي 48 و67، هي ذاتها التي انسحبت من سيناء عام 1979، ومن غزة عام 2005، ومن الباقورة والغمر الأردنيتين عام 2019، وبهمة المجتمع الدولي بالإمكان دفعها لإخلاء أراضي العرب الأخرى التي احتلتها عام 67 مثل الأراضي الفلسطينية، والجولان، ومزارع وتلال شبعا، وللعزوف عن الاستيطان، والقمة العربية في الجزائر بتاريخ الأول من نوفمبر أكدت على مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني، والتأكيد على مبادرة السلام العربية، وعلى حماية مدينة القدس المحتلة، وحصول دولة فلسطين على عضوية كاملة في الأمم المتحدة. وكلمة مهمة لصاحب السمو الملكي الأمير الحسين بن عبد الله ولي العهد في قمة العرب الأخيرة في الجزائر ركزت على حل الدولتين كخيار استراتيجي، وباعتبار القدس مركزا لوحدتنا، وللدفاع المشترك عن هوية الأمة بأكملها. وملتقى أبو ظبي الاستراتيجي بتاريخ 15 نوفمبر 2022 طرح تساؤلا أيضا حول جمود القضية الفلسطينية مع صعود اسم نتنياهو.
كتب جلالة الملك عبد الله الثاني في مؤلفه “فرصتنا الأخيرة – السعي نحو السلام في زمن الخطر. ص 387 (ألقى الرئيس الأمريكي أوباما خطابا في القاهرة عام 2009 متحدثا عن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين قال فيه بأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن . إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أمريكا ولذلك سوف أسعى شخصيا للوصول إلى هذه النتيجة متحليا بالقدر اللازم من الصبر الذي تقتضيه هذه المهمة)، وتعليقي هنا هو ما الذي منع الرئيس حسين أوباما من تحقيق أمنيته، ولماذا لا تسعى أمريكا اليوم وهي على أبواب انتخابات رئاسية جديدة عام 2024 لترجمة الطموح الأمريكي إلى واقع لبناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس المحتلة الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل، وصولا لمصلحة استراتيجية مشتركة تصب في مصلحة أمريكا وكل دولة عالمية باحثة عن السلام؟.
إن المتصفح لكتاب” نهج الاعتدال العربي “لمروان المعشر الوزير والسفير الأسبق، ص 29 سيقرأ بأن الأردن لعب دورا أساسيا في صوغ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 في شهر نوفمبر عام 67، وقد دعا القرار إسرائيل إلى الانسحاب من كل الأراضي العربية التي احتلتها في الحرب، مما يعطي مؤشرا مباشرا على عمق اهتمام الأردن بالقضية الفلسطينية العادلة ودولتها المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وما نريده اليوم والتعليق هنا لي هو ان لا تصاب الأمة العربية بالإحباط بسبب الصلف الإسرائيلي والتمسك بالاحتلال، وبحكم التطاول من طرفها على الشعب العربي الفلسطيني الشقيق، وهو ما نشاهده عبر اقتلاع شجر زيتونهم وقمع إنسانهم، وهم أصحاب الأرض والحق والتاريخ، وكل حق سيعود ما دام هناك من يطالب به باستمرار أكيد، أي بلهجتنا الأردنية العامية العربية “مابضيع حق وراه مطالب”.