د. سامي الرشيد
لقد شنت قوى الاستعمار القديم والحديث ، الحروب العسكرية والثقافية والدينية ضد الدول العربية ،لمنع توحدها وتجمعها تحت شعار العروبة ومدت نفوذها على الارض العربية واستنزفت قواتها ونهبت خيراتها .
قامت تلك الدول بدعم الكيان الصهيوني ليتمدد ويقوى .
قاموا بزرع الخلافات بين العرب وايران وتركيا حتى لا تكون هناك قوة اقليمية كبيرة تحت شعار الاسلام .
تم استخدام الدين لضرب الوحدة الوطنية لكل دولة .
هذا الشعار بعيد عن أهداف الدين الحنيف الحقيقي ،وقد جروا المنطقة لصراع مذهبي وطائفي واغرقوها في بحر من العنف والتطرف .
لقد أبعدوا الدول العربية عن الحرية والمواطنة في تنوعها وتكاملها ،رغم رفض المجتمع العربي للسيرفي طريق الفتنة والشرذمة ،ويرغبون الانطلاق نحو رؤية واضحة لعروبة متجددة تدرك ان الدولة الوطنية هي الاساس وان التنوع والتكامل بين ابناء الوطن مصدر ثروة لا مصدر شقاق .
لقد كان الاسلام الاسبق في تأسيس دولة وطنية وان الرسول (صلعم )وضع في اعلان المدينة اسس العيش المشترك في الوطن الواحد والمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات مهما اختلفت الاديان او الاعراق .
العالم يتغير بشكل سريع ونوعي غير منتظم على شكل صدمات تبدو وكانها عصية على التفكيك والتحليل والفهم ،لذا فان هناك حاجة ملحة لاعادة انتاج منظومة علاقات دولية جديدة تتأسس على الوعي بالمفهوم الشامل للقوة ،وعدم اقتصارها على القوة العسكرية ،وذلك ان من ينتج التكنولوجيا اليوم ويبني منظومته الامنية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية استنادا الى احدث تقنيات وابداعات التكنولوجيا التي يشارك في انتاجها من يملك القوة الحقيقية بمفهومها الشامل وهو القادر على صناعة المستقبل والاسهام في تشكيله بثقة واستدامة .
يصعب فصل تحديد مسؤوليات الدول القوية في محيطها الاقليمي المضطرب في الشرق الاوسط عن التحولات الجيوسياسية وانعكاساتها الاقليمية ،تحت محطات مفصلية غيرت البنى والقواعد التي تأسس عليها الشرق الاوسط منذ عقود .
منذ بداية القرن الحادي والعشرين كانت هناك احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م وغزو العراق 2003 م .
في 2011اندلعت احداث الربيع العربي ،ثم جاء توقيع الاتفاق النووي الايراني في 2015.
احتدم جراء ذلك كله الصراع الاقليمي مصحوبا بتفكك دول وتغير خرائط ،وتراجع قياسي في أسعار النفط ، وتصاعد خطر الارهاب وازدياد اعداد اللاجئين .
أصبح التحدي امام المجتمع الدولي هزيمة الارهاب وعقد التسويات واعادة بناء ما هدمته الحروب والصراعات .
حتى تهدأ النفوس وتستقر الدول فلا بد من الحوار بعضها بعضا ومع دول الجوار كايران وتركيا ،ليكون هذا الحوار بناء وحقيقيا ويركز على اسس احترام سيادة الدول وحدودها ، ويلتزم بالمبادئ والقوانين الدولية ويشارك في محاربة الارهاب .
أما تركيا فانها بفارغ الصبر تنتظر عام 2023م ،مع ان اوروبا وخاصة المانيا في حالة قلق من ذلك العام .
السبب ان كمال اتاتورك الذي اسس الجمهورية التركية الحديثة ،بعد اسقاطه للخلافة العثمانية تنازل عن املاكها في ثلاث قارات في معاهدة لوزان عام 1923م التي تم ابرام المعاهدة مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الاولى .
وضعت بريطانيا الشروط المجحفة للسيطرة على تركيا لمدة 100عام تنتهي 2023 ومنها :
الغاء الخلافة العثمانية
نفي السلطان واسرته خارج تركيا
مصادرة جميع اموال الخلافة والسلطان
اعلان علمانية الدولة
منع تركيا من التنقيب عن البترول في اراضيها
اعتبار مضيق البسفور ممر مائي دولي ولا يحق لتركيا تحصيل اي رسوم
سينتهي العمل بهذه الاتفاقية عام 2023 وتتحرر تركيا من شروط الاذعان
لهذا السبب قامت الدول الكبرى بتشجيع أكراد العراق على الانفصال عن الدولة الام وقامت مظاهرات ورفعت العلم الكردي والعلم الاسرائيلي ،تعبيرا ان اسرائيل هي الداعم الحقيقي لانفصال الاكراد ومن وراء الكواليس الولايات المتحدة ، حتى تخلق زعزعة في كل من العراق وايران وتركيا وسوريا الذين يتواجد في دولهم نسبة من الاكراد ولكنهم يعارضون انفصالهم ، هذه بلبلة داخلية تجعلهم يلتهون بها وينسون ما تفعل اسرائيل بالفلسطينيين .
لابد من التحضير للاستفادة من المجاورين ووجود الثقة بين الجميع لان غيابها يمدد الصراع ويؤجل اجراء اي مبادرة حقيقية للتفاهم .
غياب الثقة لا يفسر وحده طبيعة الخلاف فحسب ،بل يسعى الى وجود احتمالية لحوار متوازن ومستدام يحقق الاستقرار وينزع عوامل الصراع وتصادم المصالح .
لذا فان تحديد مسؤولية الاقوياء والاطراف الاقليمية الفاعلة في منطقة الشرق الاوسط ،يتطلب الانتباه الى ان اي مقاربة لنزع فتيل التوتر والصراع في المنطقة ،ينبغي ان تبدأ بايجاد توازن في طموحات القوة بين الاطراف الاقليمية المتصارعة ،الى جانب تحديد وتقريب وجهات النظر المتباينة بين هذه الاطراف بشأن طبيعة التهديدات المتبادلة .
ان المصالحة والبناء والتنمية والتعاون بين القوى الاقليمية وجميع الدول المجاورة يجب ان يتم من داخلها دون الاعتماد على الدول الكبرى لتأتي لتحل مشاكلها الداخلية ،ولن تحلها ،لان تلك الدول لا يهمها الامصالحها .
قال الشاعر الموريتاني :
قل لي متى كانت امريكا تقود الى مرافئ السلم غير العمي والعور
دويلة الكفر قل لي من يأزرها تجوس في المسجد الاقصى وفي الدور
ألا ترى مدن الافغان باكية ورأسهم ببكاها جد مسرور
أما ترى الموصل الغراء كيف غدت قفرا وكانت كدر ثم منثور
ان هدم الطاقات وصرفها في غير محلها لا يساعد تلك الدول على الاستقرار
كل دولة يجب ان تنظر لمصلحتها واعلاء شأن شعبها وما ينعكس عليها ايجابيا لبناء مجتمعها وتأسيسه التأسيس الصحيح لآبعاد خطر الصراعات والعنف .
د.المهندس سامي الرشيد
dr.sami.alrashid@gmil.com