
د.صلاح العبادي
جاء استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، ليكون نتنياهو أول شخصيّة أجنبيّة سياسيّة يلتقيها ترامب، منذ تنصيبه في العشرين من الشهر الماضي، لما له من دلالات مهمّة، تشير إلى طبيعة التحالف بينهما !
ترامب خلال الأيام الماضيّة كرس جزءً من وقته للإلتقاء بصحفيين، لإيصال رسائل سياسيّة واضحة، باعتبارها بالونات اختبار تجاه قضايا مُحدّدة، أو تمهيداً لفرض واقع جديد يتطلع إليه في منطقة الشرق الأوسط.
من يدرك تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابيّة أو بعد فوزه بالانتخابات، أو قراراته بعد تنصيبه يدرك بما لا شك بأنّ المستقبل صعب!
زيارة نتنياهو إلى واشنطن ولقاء ترامب جاء في إطار إعادة إنتاج نتنياهو سياسيّاً، بما يضمن له البقاء في السلّطة لمرحلة أخرى حتى شهر كانون أول 2026، بما يمهد له للاستمرار في إشعال النيران في مناطق الضفّة الغربية خلال العام الجاري 2025 على جميع الجبهات، دون إكتراثٍ لتبعات ذلك على أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها.
نتنياهو حقق من خلال هذهِ الزيارة مكتسبات سياسيّة للظفر بالدعم العسكري والاقتصادي والسياسي على حساب أمن المنطقة، وضمان تدفق الدعم الأمريكي وانسيابيّتهِ دون توقف.
نتنياهو خلال الأيام الماضية أطاح بفريق التفاوض الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة من خلال تعيين وزير الشؤون الإستراتيجية مسؤولاً لفريق التفاوض، خصوصاً وأنّه صديقه المقرّب؛ لتهميش أدوار القيادات الأمنيّة في التفاوض، وفرض الإملاءات عليه.
هذهِ الزيارة جاءت في وقت كان يفترض استئناف المرحلة الثانية من المفاوضات مع حماس، بشأن إطلاق سراح آخر المحتجزين الإسرائيليين، والتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزّة المنكوب، وإنهاء الحرب التي اندلعت في السابع من تشرين أول 2023.
نتنياهو سعى من خلال هذهِ الزيارة كسب الدعم والتأييد وتحشيد دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكيّة لقراراته، التي ستعاني منها منطقة الشرق الأوسط لعقود مقبلة من الزمن، وإنقاذ الإئتلاف الحاكم في إسرائيل من الإنهيار، من خلال ضمان تطابق وجهات النظر الأمريكيّة الإسرائيليّة، وبما يمكّن الحزب الحاكم من احتواء أفراد اليمين الإسرائيلي في الحكومة، للحيلولة دون إنسحابهم وتصدّع فريقه.
نتنياهو يسعى بهذهِ الزيارة إلى رسم صورة مغايرة للواقع، وتسويق إنجازاته المزعومة، المتمثلة في تدمير القدرات العسكريّة للمقاومة من جهة، وأذرع إيران في المنطقة المتمثلة في حزب الله وأعوانها، إن كان في سوريا أو جنوب لبنان، وهي أهداف تحتاج إلى مزيد من الدعم الأمريكي، باعتبارها أهداف لم تنتهِ وتحتاج للمزيد من القدرات الدفاعيّة الأمريكيّة. إضافة إلى استهداف إيران مجدداً في عمليّة عسكريّة أوسع من الضربات الإسرائيليّة السابقة، بما يضمن لإسرائيل تدمير قدراتها العسكريّة.
هذهِ الزيارة من شأنها كسب الدعم بكافة أنواعه، وتوظيفها للحصول على الدعم الأمريكي، والتجاوب مع مطالب إسرائيل.
كما أنّه يتطلع من هذهِ الزيارة ضمان ثبات الإدارة الأمريكيّة على موقفها من القضيّة الفلسطينيّة، وعدم تقديم أي مقترحات أو تسويات سياسيّة خارج ما طرحه ترامب في إطار “صفقة القرن” في العام 2018، لا بل انتزاع المزيد من الأراضي الفلسطينيّة لصالح إسرائيل، وإجهاض مشروع حلّ الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينيّة عند خطوط الرابع من حزيران لعام 1967.
ويتطلع نتنياهو من زيارته تثبيت الإدارة الأمريكيّة على موقفها من تهجير أهالي قطاع غزّة وبحث الخطط المتعلقة بهذا الجانب. وكذلك بحث آليات وسُبل التطبيع الإسرائيلي مع الدول العربيّة برعاية أمريكيّة.
نتنياهو يسعى إلى الحصول على التزامات سياسيّة من قبل الإدارة الأمريكيّة تجاه إسرائيل بما يضمن قوة التحالف بين البلدين، على نحو يحقق رؤيته “الأحادية”.
رؤية نتنياهو من هذه الزيارة تتطلب المزيد من الجهد العربي للتحرك بكافة الاتجاهات الدبلوماسية لدى الإدارة الأمريكيّة، لتغيير موقفها المتطابق مع إسرائيل، من قضية تهجير الفلسطيين، وانتزاع أراضيهم، ومواصلة العمل العربي المشترك للوصول إلى أفق سياسي لسلامٍ شامل وعادل، من خلال إقامة الدولة الفلسطينيّة، بما يضمن أن ينعم الجميع بأمن واستقرار المنطقة.
الرأي