رمزي الغزوي
أخبرتنا واحدة من طلبتي في الإعلام أنها شاهدت على موقع تواصل اجتماعي فيديو مباشر لحادث سير كان أخوها مضرجاً بدمائه وجراحه ممدداً في عرض الشارع وحوله أناس يمرون محوقلين متحسرين وهم يصورون بهواتفهم؛ فأغمي عليها، وأصيب أهلها بحالة هلع وجزع وخوف لا توصف قبل أن يتمالكوا أنفسهم ويعرفوا أين وقع الحادث وأين أسعف ولدهم.
في سياق آخر، كان ثمة حادث تدهور على طريق خارجي في بلد أوروبي كنت فيه قبل أيام. واحد من رفقائي طلب من سائقنا أن يتريث قليلا ليشاهد الحادث، لكن السائق وبعد أن لوى شفتيه وقلبهما عجبا تابع طريقه كباقي السيارت التي لم تتمهل أو تتباطأ أو تصطف على جهتي الطريق ليندلق منها ركابها ويقرؤون بإمعان وتأمل الحادث ويقطفون منه صورا طازجة تبث مباشرة على وسائل التواصل وكأنها سبق صحفي، غير مدركين ما سببوه من إرباك في الطريق يعيق وصول سيارة الإسعاف، وزحمة لا نهاية لها، كما هي العادة الأصيلة في بلدنا الحبيب.
قبل عقدين من الزمن كان الناس على الطرق يتطوعون لنقل جرحى ومصابي الحوادث المرورية في سياراتهم الخاص إلى أقرب مستشفى، رغم ما يسببه لهم موقفهم النبيل ونخوتهم من مسؤولية وتأخير. هذه العادة انقطعت تماما الآن، دون أن تنقطع عادتنا في التوقف على قارعتي الطريق لنشاهد أي حادث، ونمعن فيه، وكأننا نتلذذ.
في شوارعنا الخارجية صرن نعرف أن حادثاً أمامنا على بعد ثلاثة كيلومترات بسبب الأزمة التي تجعلنا نزوحف زحف السلاحف. فالكل بات يقف ويتفرج ويصور ويبث لمتابعيه تلك الدماء والجراح دون أن يراعي شعور متلقٍّ على الطرف الآخر لربما يكون المصاب أخاه أو ابنه أو صديقه.
لماذا نشهر هواتفنا النقالة في الحال حين نشاهد حادثا أمامنا؟ من أعطانا الحق في خرق خصوصية الناس؟ وهتك سترهم؟ لماذا وصلت بنا الحال ألا نقيم وزنا لحرمة الأموات من ضحايا تلك الحوادث فنتناقل صورهم وكأنها لقطة من مسلسل أو مسرحية.
أول أمس وصلني تصوير مروّع يمرُّ فيه المصور على ثلاثة شبان قذفهم سائق متهور طائش بعيدا بنحو عشرات الأمتار. ذلك التصوير المؤلم مرَّ على جثمانين وكأنه يمر على وردتين أو شجرتين، مرَّ والناس تقف وتتفرج، دون أن يفطن أحد منهم أن يلقي بقميصه أو أية خرقة يستر بها حرمة هذين الضحيتين. تقطع قلبي مرتين.
المصور كان متعجلا في تصويره وكأنه يود أن يخبر من يشاهد تصويره من المتابعين أنه جاء بفتح عظيم وصيد ثمين. وقد فعلت خيرا الجهات المختصة حين تحرت عنه، وقبضت عليه ليحال إلى القضاء. فأنت أرسلت الفيديو؛ لتصبح «ترندا» دون أن تسأل نفسك، أي قتل ستسببه لمن يرى ولده جثة ملقاة على الطريق تتخطاها الأقدام.