د.حسام العتوم
إن مصطلح الجيوبوليتيكا يعني العلاقة الرابطة بين الجغرافيا (جيو) والسياسة (بوليتيك)، وثمة فرق بينه وبين مصطلحي الأبستمولوجيا (علم العلم)والأبتمولوجيا (البحث في المفهوم)، وموضوعي هنا يتخصص بعمق المصطلح الأول الذي يشير إلى المسافة الجغرافية والسياسية الرابطة بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا من جهة، والتي هي حدودية، وبين المسافة ذاتها بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا الممكن حسبتها بـ 9112 كلم أو 5662 ميل، أو 4918 ميل بحري، ولقد اعتادت روسيا أن تذهب للأزمات الدولية بدعوة مثل السورية ولمطاردة ارهاب عصابات ” داعش ” المجرمة، ولم تدخل العراق من دون دعوة مثلا، ودخلت أفغانستان قبل ذلك عام 79 بدعوة من الحزب الشيوعي الافغاني بقيادة كريم خان ومن زاوية مواجهة الحرب الباردة، وفي حربها السوفيتية مع اليابان عام 45 توجهت إلى هناك مدافعة عن جبروت الاتحاد السوفيتي نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي حربها مع أوكرانيا خرجت روسيا ثائرة بوجه التطرف العدواني البنديري والأزوفي الشديد، وهي على تماس مع الحدود الأوكرانية من جهة لوغانسك والدونباس، والتاريخ الروسي والأوكراني من زمن القياصرة والسوفييت، والمجاعة الواحدة والحرب العظمى الثانية وجبهتها السوفيتية الواحدة، وتداخل في اللغتين الروسية والأوكرانية خاصة على مستوى اللهجات الحدودية حيث يعيش الروس والخاخول (الاوكران) في المدن والقرى المتجاورة، ويعتبران أنفسهما اخوة ويربطهما دين واحد رغم اختلاف مدارسه، وبأن الحرب بين الأخوة باطلة، وما هي الا حرب روسية وشرق وجنوب أوكرانية ضد التطرف الأعمى، والاجتياح الروسي العسكري عام 2022 جاء لحماية سكان الشرق والجنوب الروسي والأوكراني من سطوة نظام (كييف)ومن مؤامرة الغرب الأمريكي، ولرعاية صناديق الإقتراع والرقابة الدولية هناك، ولمنع استبدال استقلال أوكرانيا عام 91 بالاستعمار الغربي .
ويقابل ذلك المسافة الجغرافية والسياسية البعيدة التي ربطت الغرب الأمريكي وخاصة أمريكا بأوكرانيا وحربها مع روسيا ومع شرق وجنوب أوكرانيا نفسها، وهي التي عقبت الحرب الجورجية عام 2008، وأينما كان السوفييت أو الروس كانت وتكون أمريكا وتجر الغرب معها لتحقيق اهداف غير مباشرة ذات علاقة بالحرب الباردة وسباق التسلح، وتجار السلاح ورجال الأعمال والأجهزة اللوجستية وحلف (الناتو) يساندونها جهارا نهارا وبإحتراف، والحرب الأمريكية مع اليابان عام 1945، ومع فيتنام عام 1955، ومع أفغانستان عام 2001، ومع ليبيا عام 2011، ومع اليمن 2017، ومع سوريا 2011 وحتى الان كلها شهود عيان تاريخية معاصرة ومن دون دعوة ، والهدف ليس انقاذ استقلال البلاد سابقة الذكر هنا وانما استعمارها، والحرص على استمرار الحرب الباردة وسباق التسلح واستنزاف جبروت الدولة الروسية العظمى – القطب الجغرافي والسياسي والعسكري والاقتصادي العملاق .
المؤامرة ومعركة المصير مصطلح ينطبق وينسحب على الحرب الأوكرانية أكيد، والمؤامرة على أوكرانيا لوجستية أمريكية – غربية أولا ظهرت ملامحها عبر الثورات البرتقالية الملونة في العاصمة الأوكرانية (كييف)وخلال انقلابها الدموي عام 2014، وبهدف اجتثاث الحضور الروسي وسط الجيوسياسيا الأوكرانية بواسطة طرد والتخلص من الرئيس الأوكراني فيكتور يونوكوفيج ونظامه السياسي الموالي وقتها لروسيا والقدوم بالرئيسين بيترو باراشينكا وفلاديمير زيلينسكي وبنظامهما البنديري الأزوفي المتطرف لضمانة حالة شرسة من العداء لروسيا واستنزافها مع الدول الأوروبية الغربية، وترسخت المؤامرة الغربية بواسطة الضغط المبكر على (كييف)لرفض الحوار المباشر مع موسكو ومن خلال اتفاقية (مينسك 2 )، وعبر نشر مراكز بيولوجية ضارة بالتجمعات البشرية السوفيتية، ومن خلال الشروع بتصميم قنبلة نووية سرية وأخرى منخفضة القوة بهدف تهديد أمن روسيا وفرض الشروط المسبقة عليها، وبتشجيع غرب أوكرانيا على مواصلة قتال الشرق والجنوب في الداخل الأوكراني لضمهم قسرا وبقوة النار متسببة في قتل وتشريد أكثر من 14 الف مواطن روسي وأوكراني ناطق بالروسية منهم أكثر من 500 طفل، والنتيجة السلبية لفعل الغرب الأمريكي ركزت على تدمير البنية التحتية الأوكرانية خاصة في الجناح الشرقي والجنوبي، وبطبيعة الحال بقيت البنية التحتية للغرب وخاصة لأمريكا البعيدة معافاة .
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا وبقوة هو كيف استطاع البهلواني الفنان والكاتب المسرحي زيلينسكي وبصورة ملاحظة تفوقت على قدرات سلفه باراشينكا في استنزاف خزائن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية بمبالغ وصلت إلى مائة مليار دولار ولدرجة اصبحت فيها الخزينة الأمريكية تئن من العجز المالي الكبير وبحجم وصل إلى 2.27 تريليون دولار، ولبلوغ تكلفة سلاحها إلى أوكرانيا لمبالغ مالية كبيرة قررت نقل جزء من مخزون سلاحها في اسرائيل إلى (كييف)، والنتيجة صفرخمسة، بمعنى حصول روسيا الاتحادية على خمسة اقاليم اوكرانية مثل (القرم، ولوغانسك، ودونيتسك، ” الدونباس “، وزاباروجا، وجانب من خيرسون) وعبر صناديق الاقتراع وتحت مظلة الرقابة الدولية، ولم يحصل الغرب مجتمعا على اية نتيجة حميدة، ولم يستطيعوا دحر روسيا سنتيميترا واحدا منذ تاريخ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة بتاريخ 24 شباط 2022، ولازال الغرب وخاصة أمريكا غير مقتنعين بعدم فائدة الدفع بالسلاح إلى وسط آتون الحرب الأوكرانية التي حولت أوكرانيا إلى وقود لمعركتهم مع روسيا تماما كما قال الرئيس بوتين نفسه .
ومخارج الحرب الأوكرانية الدموية الروسية – الأوكرانية، ومع حلف ” الناتو ” بالوكالة، والممكن اقتراحه للخروج من عنق زجاجاتها هو ضبط النفس، والاعتراف للسيادة الروسية بأقاليمها الخمسة الجديدة، والذهاب إلى حوار يبقي للعاصمة ” كييف ” مكانتها فوق منطقة غرب أوكرانيا، وأن يقتنع الغرب بقيادة أمريكا بأن الحرب التي فرضوها على روسيا ليست حربهم وان وقت توقيفها ولجم صهيلها قد حان، وللروس في الزمن السوفيتي تجربة مماثلة مع اليابان عام 45 ولكن من دون صناديق اقتراع ورقابة دولية ولازالوا يسيطرون على جزر (الكوريل) حتى يومنا هذا، والخط الساخن، واللقاءات الإستخبارية رفيعة المستوى بين روسيا وأمريكا تحديدا العلنية وذات المضامين السرية قادرة على تثبيت نقاط السلام فوق حروفه، وفجوة ملاحظة بين المدرستين السياسيتين الروسية والغربية، ولم يعد العالم ينتصف إلى شرق وغرب، ولا مكان بعد اليوم لأحادية القطب وهو الواضح، وتجذيف صوب عالم متعدد الأقطاب في شرق وجنوب العالم يمكن التقاط اشارته بسهولة، ولا توجد كلمة يمكن أن تحل محل السلام فوق الكرة الأرضية والممكن ان تتحول الى تنمية شاملة فقط.