مكرم الطراونة
تقول الحكومة إنها تسعى لتحقيق هدفين عندما أعلنت عن اشتراطات تلقي لقاح كورونا للدخول إلى العقبة ووادي رم والبترا، وهي المناطق التي تعرف بـ”المثلث الذهبي”. الهدف الأول يكمن في تحفيز الناس على التسجيل لتلقي المطعوم، والثاني تشجيع السياحة الداخلية.
لا بأس من الاعتراف أن الأردنيين يشعرون بالضجر جراء القيود التي فرضت عليهم عبر الحجرين؛ الجزئي والكلي، اللذين تم إقرارهما بدعوى محاولة الحد من انتشار الفيروس، وهم في حاجة ماسة لأي حل يسهم في خروجهم من سجنهم الكبير. الجميع يريد صيفا آمنا، بيد أننا لا يمكن أن نغفل عن أن القطاع السياحي يعاني منذ بدء الجائحة، وهناك الكثير من المنشآت التي أغلقت أبوابها نتيجة شح السياحة الداخلية وانعدام الخارجية، فهل ما تقترحه الحكومة بخصوص اللقاح يحقق الغاية؛ سياحيا أو صحيا؟
ابتداء، ومن خلال طرحها يبدو أن الحكومة أغفلت جانبا غاية في الأهمية، وهو أن الأردن اليوم خسر ميزته التنافسية في مجال السياحة، سواء للسياحة الداخلية، أو للقادمين من الخارج. المنشآت السياحية من الفنادق والمنتجعات السياحية فقدت ميزتها التنافسية بالفعل نتيجة الارتفاع الكبير وغير المبرر في أسعار الإقامة والخدمات، وبمقارنتها بمواقع أخرى قريبة من الأردن، كشرم الشيخ وإسطنبول سنرى الفارق الهائل في الأسعار، حيث ما يمكن إنفاقه هناك أقل بكثير مما يمكن إنفاقه في جنوب الأردن. إذن؛ كيف ستحل الحكومة هذه المعضلة، وهل تمتلك خطة واضحة المعالم لذلك؟
في الجانب الآخر من هذه المعادلة الصعبة، ندرك افتقار المرافق السياحية لأبسط اشتراطات البنى التحتية للخدمات، وإن وجدت فإنها تكون متهالكة، وهذا لا يشجع أي أردني على استخدامها. هذا على الصعيد الداخلي، أما خارجيا فهل أعدت وزارة السياحة برامج سياحية مناسبة لدفع العرب والأجانب لزيارة المملكة، وهل عمدت إلى تسويق الأردن خارجيا، كما فعلت العديد من الدول. ننتظر إجابة واضحة، خصوصا أن الدول بدأت بالتسويق منذ مرحلة مبكرة في الربع الأخير من العام الماضي.
أعلم جيدا أن هناك توجها حكوميا لربط العديد من الإجراءات الخدمية بالمطاعيم، من أجل ضمان تشجيع الناس على تلقيها وبالتالي التخفيف من الخسائر الصحية والاقتصادية التي نعيشها، لكن على الحكومة أن تعي أن تحقيق أهدافها يتطلب دراسة جميع التفاصيل، وأن نظام الهبة والعمل الارتجالي لن يكون قادرا على إخراجنا من الأزمة الطاحنة التي أنهكت جميع مفاصل الحياة في بلدنا.
بدون دراسات حقيقية ووافية لن ننجح في الوصول إلى ما نريد من صيف آمن وسياحة نشطة، وبالتالي التخفيف من معاناة المواطن والقطاعات. هذا الأمر لا يحتاج إلى اختراعات أو ذكاء للتنبه إليه، والإشارة إليه هنا هي مجرد إعادة تذكير به، لعله يأخذ مساحة من تفكير الجهات المعنية، وبالتالي إيجاد حلول سريعة له، خصوصا وأننا على مسافة قريبة من فصل الصيف.
وفق المعطيات الأولية بشأن قرار ربط زيارة المثلث الذهبي بالحصول على مطاعيم، قد يشكل هذا الأمر عائقا إضافيا أمام السياحة المحلية، وتعقيدا جديدا يؤخر انتعاشها، ومن الممكن أن يدفع بالناس إلى التوجه نحو دول الجوار التي تتميز بتنافسية عالية وتنوع سياحي كبير، إضافة إلى أسعار معقولة، كما تتوفر لديها تشكيلات واسعة من الأنشطة المتنوعة، ناهيك عن القول إنها تخلو من تعقيدات مرتبطة بكورونا.
الأردنيون اليوم يستبعدون خيار التوجه إلى فنادق البحر الميت والعقبة، ويفضلون البقاء في المنازل على إنفاق أموال طائلة في جولة سياحية غير متكاملة العناصر، ولا يمكن أن تقنعهم أسعارها بجدواها. لا شك أن هذا سيحدث إن لم نعالج مواطن الخلل في خطة تشجيع السياحة الداخلية خلال الصيف المقبل. فهل نعي الدرس قبل أن نوجه ضربة جديدة لسياحتنا الوطنية!!