امجد فاضل فريحات
عاش المعلمون طوال السنتين الماضيتن بعيدين عن أي تأزيم المواقف مع وزارتهم ، والتزموا بجميع القرارات الصادرة والمتتابعة والتي تخص في معظم بنودها المعلم وحده حتى وصل الشعور للمعلم وكأنه مستهدف نتيجة محاصرته في عمله ، وكان تفعيل نظام البصمة في المدارس هي القشة التي قسمت ظهر البعير .
المعلمون لا يرفضون مبدأ البصمة ، ولكن مبدأ العمل لهذا الجهاز لم يكن واضحا عند صدور اﻷمر بتفعيله ، ووزارة التربية كانت ذكية عندما أشركت نقابة المعلمين في عملية التفعيل هذه ، وعلى أثرها قام الوزير بأصدار بيان يبين به تفعيل البصمة في المدارس بعد التفاهم مع نقابة المعلمين .
المفاجأة كانت عندما رفض المعلمون في الميدان تفعيل البصمة وأعلنوا الرفض القاطع لها معتبرينها نظام جباية لا يختلف كثيراً عن عداد الكهرباء في المنازل .
البصمة تم تركيبها منذ أشهر لكن تفعيلها جاء قبل أيام ، وكانت وزارة التربية متساهلة في اﻷشهر الماضية بتفعيلها ، بل تركت الحبل على غاربة ، وكانت تدعي أن البصمة بهذا العام مجرد تجريب للعام القادم ، ولكن تبين فيما بعد أن قصد وزارة التربية هو تهيئة المعلمين للمرحلة المرسومة في ذاكرة وزارة التربية ، ومن هنا كان اﻹصطدام وظهور الحراك من جديد عندما تم تفعيلها .
الوزارة إعتقدت أن علاقتها الحسنة مع نقابة المعلمين هي كفيلة بعدم ظهور أي مواجهة مع معلمو الميدان ، لكن حسابات الوزارة كانت خاطئة وخسرت الوزارة الرهان ، وتحرك المعلمون من جديد رافضين قرار وزارتهم ، متحدين التهديد والوعيد منهم ، تحرك المعلمون ﻷن لديهم خبرة سابقة في كيفية التعامل مع وزارتهم في مثل هذه الظروف .
ومما زاد الطين بلة صدور نظام الخدمة المدنية الجديد والذي حدد النسبة المؤية للترفيعات ناهيكم عن قانون الضمان اﻹجتماعي المجحف بحق الموظف ، باﻹضافة لملف أمن وحماية المعلم الذي بقي رهين اﻷدراج ، وغيرها من الملفات العالقة التي لم ترى النور لغاية اﻵن .
لهذا كله تحرك المعلمون في الميدان من جديد وقالوا لا لوزارة التربية ، قالوا لا للقوانين والتشريعات التي تؤخذ وتصدر من وزارتهم دون علمهم بها معلنين أن هذه اﻹجراءات لا تتمنى السير السليم للمعلم في مسيرته التربوية .
مطلوب من الوزارة في هذه المرحلة الحرجة أن تتعامل بحكمة شديدة بعيدا عن التشنج والعض على اﻷصابع كما كان الوزراء السابقون يتعاملون مع المعضلات السابقة بتشنج والتي كلفت الدولة أكثر مما كان مطلوب فعله .
اﻷمور ليست سهلة وحرجة ، خاصة وأن المعلمون في الميدان مجمعون على السير قدما وعدم التراجع عن مطالبهم المتمثلة بتعديل نظام البصمة والذي لا يتماشى مع ظروف وحيثيات المدارس كما يتماشى مع بقية الموظفين الحكوميين ، ﻷن المدارس لها خصوصيتها في الدوام ، سواء في بداية العام الدراسي أو وقت اﻹختبارات وغيرها من الحيثيات التي تعلمها الوزارة جيدا .
في الختام ، الكرة اﻵن في مرمى وزارة التربية فأما أن تتصرف بحكمة وتشعر المعلم في الميدان أن له كيان والوزارة تراعي ظروفة لا أن تعامله كآلة وتضعه على طاولة التشريح أمام لجان المساءلة والمتابعة والمراقبة متناسية بالوقت نفسة بقية دوائرها التي تسرح وتمرح بعيدا عن الرقابة ، وهذا من إحدى التراكمات التي يعاني منها المعلمون في الميدان والتي تحسسهم بعدم العدالة في التعامل معهم .
بنفس المقام كلنا ثقة بقدرة وزير التربية الحالي بالخروج من هذا النفق والوصول لبر السلام ، ﻷن سمعة هذا الوزير وقدرته على المحاورة كما فعل في إختبار الثانوية العامة هي كفيلة بأعادة اﻷمور إلى الحلول التي تريح جميع اﻷطراف .