سعيد الصالحي
انجاز : لكل زمن وسائل تواصله الاجتماعي، التي تستحوذ على اهتمام الناس وتصبح المصدر الرئيس للأخبار والمعلومات، ففي خمسينيات القرن الماضي، كان العرب يغردون عبر إذاعاتهم التي كان الناس يتسابقون للولوج إلى أثيرها عن طريق ضبط مؤشرات المذاييع، فكانت بعض منشورات اذاعة صوت العرب وتغريداتها كافية لجعل المحتلين يهرولون إلى الملاجئ بحثا عن النجاة كلما صدح عبد الحليم أو محمد رشدي بأغنية وطنية، فقد كانت تخيفهم الكلمات والتغريدات، وحرصوا هم بدورهم أن يصموا آذانهم وأن يطلق أثيرهم هو الآخر منشور لأغنية “البوسطجية اشتكوا” قبل أن تدك كلمات الخطابات والأغاني والمقالات مستعمراتهم الواهنة، فكلماتنا في ذلك الوقت في وسائل التواصل كانت ترفع روحنا المعنوية وتبث الأمل حتى ولو كان سرابا، وعلى الرغم من أن غالبية الناس حينها لا تجيد الكتابة والقراءة، و المصطلحات التي تستخدمها الاذاعات عصية الفهم ولا يستطيع أغلبهم استساغتها، ففضاء الكلمة قبل زمن كان محدودا ولكن أثره كان عابرا للحدود.
واليوم وقد أصبح فضاء الكلمة لا منتهي، ها هم اتباع الكيان الغاشم يلاعبوننا بذات الطريقة، فيقذفون تغريدة هنا، ويقصفون تصريحا هناك، ويحاولون اغتيال نفسية المواطن العربي برصاص كلماتهم التي لا يختلف أزيزها عن كلماتنا في الخمسينيات والستينيات، كلمات بتنا نرتعد منها خوفا وتشل اطرافنا، وكأن سلاح الكلمة الذي كنا نذخره فيما مضى، قد سقط في يدهم هو الآخر بجملة ما اسقطنا وأضعنا خلال عقود.
فسلاح الكلام الذي استخدمناه في الوقت غير المناسب يستخدمه عدونا اليوم، فقد أصاب اذاعاتنا الخرس وتغير المحتوى وتاهت البوصلة، بعدما اختلفت القضية وتنوعت المسائل، فعندما كنا نجيد الحديث لم نحرر شبرا بل أضعنا فدانات ودونمات، فماذا سيفعل المتلعثمون؟ فالكلمة كانت وستبقى سلاح العربي الخالد، فأنا على يقين بأن قصائد المتنبي قادرة على احياء سوط الأمير بدر بن عمار الجديد، ليعفر ليوثا ويمرغ القطط الكبيرة.
كان الكلام دائما للعربي سلما نحو السماء، ومفرادتنا المفاتيح لكل الأبواب المغلقة، وحروفنا تصل المحيط بالخليج، كنا نقرأ وجعنا العربي دون أن ينقط الحرف أو ينزف، ونتمايل فرحا على وقع عباراتنا دون تشكيل وترقيم، فمال بال كلماتنا اليوم لا تقوى على المشي حتى بواسطة الكرسي المدولب، ولم يعد لها وقع على الصديق أو العدو، فكلماتنا لم تعد تخرج من القلب، فقد باتت عبارات مناسبات، لا تختلف كثيرا عن وقع جملة “العمر لكم، وعظم الله أجركم” التي نتداولها في المآتم، دون أن نحاول فهم مشاعر ذوي الفقيد.
فليست مشكلة ألا نجيد استخدام السلاح الروسي أو الأمريكي، المصيبة عندما نضيع دليل استخدام سلاحنا العربي المجيد، وان نفقد القدرة على تشغيل اسلحة الكلام الخفيفة والثقيلة التي طالما برعنا بها، فالفضاء مفتوح والعدو مفضوح، فأطلقوا كلماتكم عليهم ولو على شكل سخرية ونكات، فالحرف يحي ويميت، تكلموا فالكلام في هذا الزمان أصدق إنباء من السيف، لاننا لا نمتلك الأذرع فأطلقوا الكلمة، ففي البدء كان الكلمة، وعاجلا أم آجلا سيأتي الفعل.
ودعونا مرة نؤمن بالمثل الشعبي “أبو أقوال غلب أبو أفعال”