فارس الحباشنة
سأقول كلاما لربما لا يعجب كثيرين، ولكني وسط ما اتابع واشاهد من مظاهر وانتهاكات وطنية لابد ان اعترف صراحة، واقول..
الاردن لا يحتاج الى طاولات حوار مستطيلة و مربعة ومثلثة، ولا يحتاج الى صراخ وعويل، ويبدو ان الاخيرة هي ميزة سياسي «السوشيال ميديا»، ومن اصابتهم نوبات جمهور مدرجات كرة القدم، فلا يجيدون غير الصياح والصراخ ، والهتاف.
تعرفوا انه في عالم كرة القدم هناك روابط لمشجعي الاندية تسمى «لاتراس «، ويشتغلون مقاولات رياضية، تحال عليهم عطاءات المبارايات، ويجلبون لكل مباراة جمهورا ويافطات وشعارات وهتافات بقدر ميزانية العطاء . ولا ضير ان انتقلت مجموعة «اللاتراس « في المبارة المقبلة من صف مشجعي الفريق الاول الى خصومه وانداده على مدرجات الجماهير، وينقلوا الهتافات في مواجهة الفريق المضاد.
ما يجري في المشهد الاردني العام ليس سياسة ولا احتجاجا، ولا رفضا شعبيا. حقيقة ثمة مشهد مثير للقلق والخوف.وثمة صور توحي بمشاهد ما بعد مبارايات كرة القدم ما بين ناديي الفيصلي والوحدات، واندية الدوري الاردني المتنافسة .
عصبيات وثنيات اجتماعية متطرفة. وهي الاول والاخر تنخر بالدولة وتاريخها. والاردن ليس مباراة كرة القدم، والشعب ليس جمهورا ومتفرجين، وروابط لاتراس.. وحقيقة ما يحدث من اعوجاج يجب اعادة تقويمه وتهذيبه وطنيا وسياسيا.
مشاكل الاردن كبيرة ومعقدة، ومصيرية. والاردن يمر بمفترق تاريخي صعب، وتحديات اقليمية ودولية غير مسبوقة . نعم، هناك ازمة اصلاح سياسي، وازمة حكومة وبرلمان موروثة ومتراكمة، وازمة اقتصادية واجتماعية ملتهبة ومتفجرة، وازمة عدل وحرية، وتنمية.
واتفق بالاغلب مع ما ذهبت اليه اراء من اعتراض ناقد للحوار السياسي القائم. الحوار عامودي واسقاطي، والحوار لم يستهدف القوى الوطنية، والحوار استباقي ومعنون سياسيا باملاءات ورغبات ومصالح الطبقة السياسية، وهي تسعى الى الاستئثار بالسلطة، وعناوين الغضب والاحتجاج الشعبي في الشارع تتحفظ على هذه النخبة الطبقة السياسية تحديدا، وتناضل ضد مؤسسة الفساد، وتدعو الى توافق على قانون انتخاب واصلاح سياسي وطني .
ومن الجانب المقابل.. وما لا يدركه اصحاب الاصوات العالية ان الدولة الاردنية مكسب تاريخي للاردنيين. والوطنية الحرة والمسؤولة ومهما كان حجم ومعدل منسوب السؤال المصيري المقلق في اذهانها، فلا تسمح بعدم احترام القانون والترويج للفوضى، وتقويض الدولة واستقرار كيانها. وهذا يا اصدقائي ما ترمي اليه مخططات لقوى محلية واقليمية ودولية، زعزعة الاستقرار الاردني، وضرب الثوابت وخلق بلبلة ونشر براثن الفوضى.
نعم، الاردن بحاجة الى اصلاح سياسي وحكم رشيد وعدالة اجتماعية وتنمية عادلة للمحافظات . وبحاجة الى اعادة ترسيم في العلاقة بين السلطات الثلاث : الحكومة والقضاء والبرلمان. وترسيم للعلاقة المرئية واللامرئية ما بين السلطة وقوى البزنس، ولجم سيطرة قوى البزنس على السياسة والاقتصاد، وحماية البيروقراط والقطاع العام، وان تجديد الدولة الاردنية لا بد ان يكون نابعا من مشروعها الوطني التاريخي، دولة : الحق والعدل، وهويتها الوطنية .
في الاردن اليوم صورتان متقطعتان.. الاولى لطاولة حوار، والثانية لاستعصاء اجتماعي عصبي متطرف. كلاهما لن يوصلا البلاد الى الخير المنشود. كلام لا احب ان اقوله واكتبه، ولكن صراحة اكثر ما اسمعه على السنة الناس الخائفين والقلقين على الدولة.
الاردن لا يقبل القسمة بين مكون على مكون، وطبقة على اخرى، واقلية على اخرى. والاردن مكسب تاريخي للشعب، والمنجز والمبني السياسي الاردني قابل للاستنئاف، وليس التجميد والتفريز. واكثر ما تشعر بالخوف وان اسرائيل تعود الى يمينها المتطرف، وسياسوها يسعون الى تصدير اساطيرها التوراتية من اسرائيل الكبرى ويهودية الدولة، والقدس عاصمة لاسرائيل، وحل وتصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن.
للاردنيين الخائفين على وطنهم اقول.. حتى لا نقفز فوق ظلنا، ونغرق في الظلام. الشجاعة ان تملك صوت الحكمة، وان نحافظ على ثوابتنا، وان نحمي وطننا من الداخل..
قادر على الكتابة بصوت عال وامارس الصراخ، ولكن لاكثر من سبب اجد نفسي مجبرا بالكتابة بهدوء وتيقن بان الاردن بحاجة ماسة ليخرج الان من مربعي الحوار الغير مقبول شعبيا والاستقواء على اقل التقديرات ، ولكل حادث حديث فيما بعد.