د.حسام العتوم
روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية صديقان استراتيجيان لنا هنا في الأردن ووسط العرب, ويقيم جلالة الملك عبد الله الثاني “حفظه الله” علاقات طيبة وشخصية مع قيادتيهما, ويزور القطبين (البلدين) باستمرار, وللتطرق لقضية ساخنة ذات علاقة بهما مثل هذه, وهما العملاقان النوويان من الطراز الأول, له حساسية خاصة, ومع هذا وذاك، فمن غير الصحيح تمريرها وعدم تلسيط الأضواء عليها, بهدف استقاء الدروس والعبر على المستوى الدولي. وبناء عليه, فإن تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن المنتخب حديثا لشبكة الإذاعة والتلفزيون الأمريكية (ABC News) العاملة في نيويورك بتاريخ 18اذار 2021، ردا على سؤال لمقدم المقابلة الإعلامية جورج ستيفانوبولوس, عندما سأله، (هل يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاتل killer؟ فأجاب بنعم, وسجلت المقابلة ولم يحذف تصريح بايدن الاستفزازي غير المسؤول منها, والذي لا يشبه بوتين بكل تأكيد, ولم يعتذر عن ما قاله بسبب تقدم عمره ( 78) عاما مثلا, وتم تحميلها على وسائل الإعلام العالمية, ولا قت ردود فعل حاسمة وصارمة من قبل الرئيس الروسي رغم تمنياته لبايدن بالصحة من دون سخرية أو مزاح, وواصل بوتين قوله: (من يتحدث يشبهه الحديث “بما معناه”, وبأن روسيا ستواصل تعاونها مع أمريكا رغم الإهانة الشخصية له, وستعمل معها من زاوية المصالح الوطنية والقومية لروسيا, وبأن لكل خطوة أمريكية ثمنها).
ذهب الرئيس “بوتين” أيضا إلى دعوة الرئيس “بايدن” لمنازلة مباشرة عبر (الأونلاين) قبل توجهه للراحة في أدغال (التايغو) في سيبيريا مع وزير دفاعه سيرجي شايغو, لكن المنازلة لم يكتب لها النجاح, وكان من الممكن أن يخسرها (بايدن) بكل تأكيد وهو الذي خسر بناء علاقات طيبة مع موسكو منذ اليوم الأول على جلوسه على كرسي البيت الأبيض رقم 1, وخسر تصعيد الإعلام الروسي ضده بشأن هذه القضية الجديدة, وتم استدعاء سفير روسيا في واشنطن (اناتولي انتونوف) إلى موسكو للتشاور, فماذا هناك خلف الكواليس؟.
لقد تنفس العالم الصعداء بعدما غادر دونالد ترامب البيت الأبيض نهاية عام 2020 لعدم توازنه في السياسة, وهو الذي عمل في موسكو عام 1987 ولفترة زمنية بصفة رجل أعمال ثري, ولم يخطر ببال روسيا أنه سيصبح رئيسا لأمريكا ويعمل في السياسة بدلا من الاقتصاد, لكنها لم تتدخل في انتخاباته الرئاسية عام 2016 إلكترونيا كما ورد – على ما يبدو- في تقارير الاستخبارات الأمريكية (CIA), ولقد نفت روسيا قضية التدخل علنا و بقوة. وفي مؤتمر هلسينكي 2019 دعا الرئيس (بوتين) نظيره الرئيس (ترمب) لكي تتوجه بلاده أمريكا للمحكمة الدولية للفصل في موضوع القضية المثارة بينهما إن أرادت ذلك.
ولم يتمكن الرئيس الأمريكي السابق (ترمب) من زيارة موسكو طيلة فترة توليه الحكم في البيت الأبيض خوفا من أن تلاحقه إشاعة وفوبيا الإرتباط بالإستخبارات الروسية (F.C.B)، وتحسباً لأية تهمة توجه له من قبل استخبارات بلده أمريكا. وبالمناسبة الرئيس ترمب لم يوجه مباشرة لروسيا بوتين تهمة تزوير انتخاباته الرئاسية, وكانت موسكو تراقب بحياد مجرى الانتخابات, وتنتظر المباركة للفائز سواء كان (ترمب) أو (هيلاري كلينتون) على حد سواء. وعاد ترمب ليوجه تهمة تزوير انتخاباته نهاية عام 2020 للحزب الأمريكي الديمقراطي برئاسة جو بايدن – الرئيس الفائز لاحقا-, واقتحم حزبه دارة (الكونغرس) الأمريكي لإشهار غضبه وحزبه الجمهوري وقتها. فلماذا هو الإصرار الأمريكي في عهد بايدن على اتهام روسيا بوتين في تزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية مرتين (20162020 ) وبطريقة سرابية غير مقنعة؟ وهل هذا هو وقت تصعيد الحرب الباردة، بدلا من إسدال ستارتها والذهاب إلى السلام الدائم!؟
لقد زار موسكو (7) رؤساء لأمريكا منذ عام 1945 إبان العهد السوفييتي, وفي الحقبة الروسية المعاصرة, وهم (فرانكين روزفلت), وتوقفت 30 عاما, و(ريتشارد نيكسون) عام 1972, (رونالد ريغان) عام 1988, و(جورج بوش الأب) 1991 1993 , و(بيل كلينتون) عام 1994, و(جورج بوش الابن) سبع مرات عام 2002, و( بوش الابن) سبع زيارات و29 لقاء مع بوتين , و(باراك أوباما) عام 2013, ولم يزر أي منهم روسيا بعد ذلك، وحتى يومنا هذا. فأيهما أفضل للعلاقات الأمريكية الروسية وبالعكس, الخصام ام الوئام؟ أليست العلاقات الشخصية الرئاسية قادرة على حل كل الخلافات العالقة بين البلدين العظميين، بما في ذلك الحرب الباردة الضارة وغير المفيدة لشعبيهما العظيمين الأمريكي والروسي؟ لماذا لا تنأى كل منهما على عدم التدخل في الشأن الداخلي للغير وفق اتفاقية يمكن إبرامها والإعلان عنها رسميا؟ وتصريحات موسكو دائما مطمئنة، ولا تشير لأي تدخل خارجي, فما بالكم في الشأن الأمريكي الحساس؟ وما علاقة أمريكا بقيادة حقوق الإنسان في العالم وليس مجلس الأمن أو الأمم المتحدة, والدوائر و المؤسسات المنبثقة عنها مثلا؟ ولماذا لغة التهديد والعقوبات هي السائدة في أمريكا ضد روسيا والصين, وإيران ؟ اليس من بيته من زجاج الأولى به أن لا يرمي غيره بالحجارة؟ وماعلاقة أمريكا بالمعارض الروسي (اليكسي نافالني) إلا إذا كان ذلك من زاوية فشل مشروعها من خلاله, وهو المعارض (للفساد؟) الذي رفضت أكبر أحزاب المعارضة الروسية مثل الشيوعي وغيره الاتفاق مع خطه السياسي, واعتبر محسوبا على الإستخبار الأمريكي تحديدا والغربي كذلك. ولم تسممه روسيا, وحكم عليه بالسجن سنتان و نصف لمنعه من إحداث الفوضى في روسيا حسب البرنامج الغربي الأمريكي؟. وماهي العلاقة الرابطة بين امريكا وإقليم (القرم)، في زمن مضى فيه على إعادته لوطنه الأم روسيا سبع سنوات, والأسطول الروسي النووي مرابط في مياهه؟ وتصريح حديث للرئيس بوتين بالمناسبة في موسكو لفت الانتباه إلى أن هدية ثمينة مثل (القرم) أسيء استخدامها من قبل الغير بعد تغييرهم سياستهم. وهل حقا تسليح روسيا نوويا لإقليم القرم, والتمسك به بقوة التاريخ وصناديق الاقتراع (95% ) , فيه تهديد للأمن العالمي كما تقول أمريكا؟ ولماذا انشغلت أمريكا ومعها الغرب بقضية العميل الروسي الإنجليزي المزدوج (سكريبال) عام 2019 والذي لم تؤذيه روسيا فعلا, و لم تسممه كما أشيع في الإعلام؟
ذكّر الرئيس بوتين نظيره بايدن بالقنبلتين النوويتين الأمريكيتين فوق مدينتي هوريشيما ونكازاكي اليابانيتين نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، ومن دون سبب مقنع، خاصة والحرب انتهى هديرها, واليابان لم تمتلك القنبلة النووية وقتها, ولم تمتلكها حتى الآن, وتسببت أمريكا في مقتل اكثر من 2200 ألف ياباني. وواصلت أمريكا (والكلام هنا لي) اعتبارها جزر الكوريل التي سيطر عليها الاتحاد السوفيتي نهاية الحرب ذاتها (يابانية), في إشارة منها لعدم اعترافها بالنصر السوفييتي والحلفاء على النازية الهتلرية رغم مشاركتها في الحرب من وسط الخندق السوفيتي نفسه. ولتحقيق هدف بعيد المدى مثل نشر صواريخها النووية هناك لتطويق روسيا. وفي عام 1945 خططت أمريكا عبر (البنتاغون) لضرب الاتحاد السوفيتي المنتصر بهدف تصعيد الحرب الباردة, ولكي تضمن انفرادها في السيطرة على اقتصادات وسياسيات العالم, لكن إختراع السوفييت للقنبلة النووية عام 1949، أفشل المخطط الأمريكي (وكالة ريانوفستي Ria.Ru, وصحيفة عام Daily Star عام 2015 ). وإختيار الرئيس بوتين لسيرجي شايغو وزير دفاعه لمرافقته في رحلته الاستجمامية إلى وسط غابات سيبيريا لم يأت من فراغ, وأعطى معنا رماديا في وقت تصاعدت فيه الأزمة مع واشنطن.
فماذا قدمت روسيا للبشرية بالمقارنة مع أمريكا, ولماذا تحارب؟ وهل بإمكاننا أن نتصور أن يضع العالم نهاية للحرب الباردة, ولسباق التسلح, حتى يتفرغ العالم للتنمية الشاملة, ولتطويق الفقر, والبطالة, والأمية, والتصحر, والصحراء, والفساد, وشح وتلوث المياه, ولترسيخ السلام مكان الحروب؟ إن صناعة الأقمار الصناعية تعود للروس بإسم الأتحاد السوفييتي عام 1957, وأول صعود للفضاء سجله رائد الفضاء الروسي السوفييتي يوري غاغارين عام 1963, وأول حماية للعالم من احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة جاءت بفضل الإنتصار الروسي السوفييتي في الحرب العالمية الثانية بعد فاتورة من الشهداء الروس والسوفييت تجاوزت الـ 27 مليون شهيد, وتشكيل مؤسسة الأمم المتحدة 1945, وبعد ذلك مجلس الأمن بالتعاون مع أمريكا وانجلترا بداية, وعبر صناعة القنبلة النووية الرادعة عام 1949. ونشرت المفاعلات النووية السلمية في العالم الخادمة للبشرية في مجالات الطاقة, وأنتجت في مختبراتها لقاحا مواجها لجائحة كورونا يعتبر الآن الأول في العالم من زاوية عدم الضرر والفاعلية ويسمى بـ CPUTNIC( V ) – light.
وللعراق في منطقتنا العربية كانت روسيا السوفيتية ناصحة له من الانهيار قبل عام 2003 عبر جولات يفغيني بريماكوف, وفي سوريا عام 2015 نجحت في مطاردة الإٌرهاب وقوبلت بفوبيا من الإشاعات الصفراء, وفككت سلاح الجيش العربي السوري الخطير بالتعاون مع أمريكا ومجلس الأمن. وأوجدت مناطقا لخفض التصعيد لضمانة عودة اللاجيء السوري لوطنه طوعا, وشجعت على صياغة دستور سوري جديد يضمن تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع , وفي ليبيا وفي اليمن , وفي عمق الجزيرة العربية ذهبت للحوار. وإقبال على سلاحها التقليدي الدفاعي ومنه C400 الصاروخي البالستي وسط كبريات دول العالم و الأقليم , و С500 قادم عام 2025 , وحلول وسط لها في موضوع السلاح النووي لكوريا الشمالية, وخطوات سلمية مثلها مع اليابان, وعلاقات تبادل تجاري مع دول العالم, ومع أوروبا تحديدا رغم الانضمام لحلف (الناتو), ولم تجامل إسرائيل في شرعية هضبة الجولان العربية, ولا في ضرورة دعوتها للعودة لحدود الرابع من حزيران لعام 1967, وساهمت في افشال مشروع إسرائيل الذي هدف إلى ضم الغور الفلسطيني وشمال البحر الميت عام 2019, وساندت الوصاية الهاشمية الأردنية التاريخية, ووقفت إلى جانب القضية الفلسطينية بقوة وشجاعة، وتطالب بأن تكون القدس الشرقية عاصمة لها. وقادت روسيا تعددية أقطاب العالم ودوله, ولم تتخندق في اختلاق الأزمات الدولية.
وأمريكا دولة عظمى نووية أركانها البيت الأبيض, والكونغرس, والبنتاغون (الدفاع و الإستخبار), وتتحالف مع (الناتو) الغربي, ولا تعادلهما في قوتهما غير روسيا عبر جيشها الأحمر وبحريتها رغم فارق رقم ميزانية الدفاع لصالحها والغرب (400 مليار انفاقات الناتو العسكرية, وأمريكا تتجاوز روسيا في الميزانية العسكرية 16 مرة حسب وزير الدفاع (شايغو) أي 750 مليار دولار مقابل 46 مليار لميزانية روسيا العسكرية “عربي سبوتنيك”, والأرقام غير ثابته. وهي تقود القطب الواحد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991, ولقد جهزت لذلك مبكرا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945, ولم تنسجم مع النصر السوفيتي والحلفاء وقتها, لذلك نراها تماحك كبريات دول العالم مثل روسيا, والصين, وإيران رغم التعاون التجاري الاقتصادي المفيد. والأهم بالنسبة للبشرية بطبيعة الحال ليس امتلاك القوة من أجل السيطرة, تماما كما تفعل حليفتها إسرائيل التي تمتلك السلاح النووي أيضا, وهو الممنوع على العرب وإيران ذات الوقت, وإنما من أجل نشر السلام والتنمية كما هو توجه روسيا والصين, ومعظم دول العالم. وفي المقابل تعاني أمريكا من مشاكل داخلية كما روسيا يصعب الخوض فيها هنا لكبر حجمها.
وعلى خارطة العالم تفرد أمريكا ذراعيها وتساندها الصهيونية المتمركزة في مؤسسة (الأيباك) منذ عام 1953, بينما هي اليهودية ذات شأن في روسيا وعلى مستوى سياسي رفيع. ونلاحظ كيف تلتحم أمريكا مع إسرائيل لتمرير صفقة القرن الهادفة لتغيير وجه المنطقة, ولإحباط القضية الفلسطينية عبر الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية, وللتمادي على الوصاية الهاشمية الأردنية وتحويل مسارها. ولنشر الهلال الإسرائيلي المواجه لمثله الإيراني وسطنا, رغم رفضنا كعرب لهما معا. وإلى العراق دخلت أمريكا ومعها ( الناتو ) عام 2003 بطريقة احتلالية غير شرعية, وإلى سويا وصلت مبكرا عام 2011 بنفس الطريقة , وعبثت في ورقة الجولان بهدف أسرلتها, واخفقت في مطاردة الإرهاب هنا, وتمكنت من تحقيق نجاحات محدودة . وذهبت إلى مسافات بعيدة في ترسيخ الخلافات العربية حول سوريا, ووسط الجزيرة العربية بعد صفقة سلاح وصلت إلى 460 مليار دولار عام 2017 , وحديث إعلامي عن صفقة عربية جديدة حجمها عشرة مليارات دولار مع إسرائيل في زمن الحاجة لرفع سوية التنمية العربية الشاملة.
وفي الختام،، أدعو هنا للعلاقات الروسية الأمريكية لأن تتعافى, ولحجم التبادل التجاري بينهما أن يكبر لصالح بلديهما وشعبيهما العظيمين الروسي و الأمريكي, ولا يصح إلا الصحيح, والعالم نهاية المطاف هو بيتنا الآمن جميعا، آملا أن لا تقود إستخبارات البلدين العظميين روسيا وأمريكا العلاقات بينهما إلى الهاوية بواسطة الإعلام الرقمي, وتحالف روسي يتعزز بعد زيارة وزير الخارجية الروسي (سيرجي لافروف) للصين بتاريخ 23أذار2021 والاحتجاج على عقوبات الاتحاد الأوروبي و أمريكا. ولقد سبق لأمريكا (بايدن) أن خطت خطوات حميدة مثل تمديد المعاهدة النووية الصاروخية مع روسيا لخمس سنوات قادمة, والإعلان عن أهمية العودة للإتفاقية النووية الدولية حول إيران ( 5+1) لعام 2015, وعبر الإشادة بالحضارة الإسلامية أيضا. وأملنا كبير من الإدارة الأمريكية الجديدة أن تنصف القضية الفلسطينية العادلة إلى جانب إسنادها للأردن, وأن تقنع إسرائيل بالتعاون مع روسيا ودول مجلس الأمن للعودة لحدود الرابع من حزيران لعام 1967 ليسجل لها التاريخ ذلك, ولصورة أمريكا وسط العرب وبكامل عمقهم الأيدولوجي, وفي العالم.
وملاحظة أخيرة لي أسجلها هنا، وهي بأن الرئيس الأمريكي جو بايدن في مؤتمره الصحفي الأول في واشنطن بتاريخ 25 أذار الجاري لم يتطرق لكل من روسيا وإيران, ويبدو أن رسالة موسكو تحديدا بعد أزمته معها وصلت إليه, وبأنه أصبح معنيا أيضا في ترطيب العلاقات السياسية مع إيران, وكوريا الشمالية من زاوية الند للند وعبر السلام, وإشارة من طرف بايدن لخروج بلاده و(الناتو) في الوقت القريب المناسب من أفغانستان بداية عام 2022, وهو ما يكرر صورة خروج السوفييت من هناك أيضا عام 1989 مع اختلاف الظرف والسبب.