د.حسام العتوم
المدهش، والذي دفعني للكتابة تحت هذا العنوان مجددا هو أن روسيا الأتحادية والتي أصبحت معروفة بتفوقها عالميا بإنتاج لقاح كورنا (سبوتنيك V)، و عبر أجيال متعددة و متنوعة أخرى مثل (light، جوماكوفا, وجديد قادم في شهر سمبتمبر المقبل)، وتميزه عن غيره من اللقاحات عبر إرتكازه على (فايروس كورونا) الميت غير الضار، ومن دون عوارض جانبية له، وبأن لا علاقة له بإشاعة تغيير الجينات، و بفاعلية تتراوح بين 91,1% الى 100%. وعملت روسيا على تقديمه للعالم عونا للبشرية من وباء كورونا الذي حصد أرقاما كبيرة من الوفيات والإصابات، فبدأت بإيطاليا، ثم أمريكا، والهند، و توسعت وسط خارطة العالم في تقديمة، و حوربت بداية بسبب نجاحها المبهر في مجاله وسط الحرب الباردة والفوبيا الروسية التي لا يراد لهما من جهة الغرب أن تهدأ بسهولة وتنافس اللقاحات الغربية بقوة. لكن لقاء (جنيف) الأخير الذي انعقد هذا العام 2021 في شهر حزيران الجاري اعطى فرصة من الأمل لإطفاء نيرانهما بدرجة معقولة. وشخصيا لم الاحظ أن أمريكا جو بايدن زعيمة الغرب و حلف (الناتو) العسكري أكثر عقلانية من الان، فلم تصطدم مع روسيا و اتفقت معها على إعتماد إتفاقية (مينسك) ضابطا لأزمة أوكرانيا (كييف) مع الدونباس شرقا عبر الحوار. ولم يتم التطرق لإقليم (القرم) الروسي حاليا و المختلف عليه مع غرب أوكرانيا التي تعتبره محتلا وتتحصن بقاعدة أمريكية داخلها. وفسرت أمريكا بايدن في جنيف إختلافها مع روسيا على أنه مصلحة للشعب الأمريكي، وأوضحت روسيا بوتين علاقتها مع أمريكا من زاوية التحالف و التعاون و تطوير التبادل التجاري من 18 مليار دولار إلى أكثر، وهو الأصل أن يكون بمستوى التبادل التجاري لكليهما مع الصين مثلا ؟ وهي بالمناسبة أي الصين، و إن كان صوتها السياسي خافتا وتقدم الاجتياح الاقتصادي للعالم عليه, إلا أنها مساندة لعدالة الدور الروسي وسط قضايا العالم .
والمدهش ايضا هو أن أرقام فايروس كورونا في روسيا لازالت حاضرة، و كان أخرها 14 الفا في عموم روسيا، و 7 الاف في موسكو العاصمة وحدها، وهي أرقام مزعجة للمواطن الروسي، و لزوار روسيا من السياح، ورجال الأعمال أيضا، رغم أن هذه الأرقام ليست كبيرة بالمقارنة مع عدد سكان روسيا البالغ حوالي 150 مليون نسمة . وتكمن الخطورة هنا ببدء انتشار الفايروس الكوروني القادم من الهند, و هو المعروف بأنه الأوسع انتشارا، والأكثر فتكا بالشعب الهندي لولا مساعدة روسيا طبيا لها في مجال مكافحة هذا الوباء الخبيث والقاتل. فلماذا هو الانفتاح الروسي على الهند غير المنضبط على مستوى الاقتصاد ومنه السياحة والتعليم؟ و شخصيا التقي بمواطنين روس هنا في عمان منهم من لا يرغب بتلقي اللقاح من زاوية الابتعاد عن الأضرار المحتملة ومنه ماله علاقة بخارطة الجينات والذي هو محض إشاعة. وأسمع من وسط روسيا أصواتا رافضة لتعاطي اللقاح الروسي رغم تميزه عالميا، وهو أمر مستغرب في وقت تبحث شرائح عديدة من مجتمعات دول العالم عنه، ولا تجده إلا بصعوبة . والأصل الخوف من الوباء الخطير وليس من اللقاح المفيد. وما عدا المؤتمرات واللقاءات الرسمية الروسية داخل روسيا بالعموم لا يوجد إلتزام حقيقي من قبل المواطنين الروس في الشارع بارتداء الكمامات الواقية في الحد الأدنى من الوباء ذاته، وهو ما اسمعه وأشاهده عبر الفضائيات الروسية وعبر الأنترنت.
فلماذا لا تطبق روسيا نظاما ضابطا لجائحة كورونا القاتلة على غرار الصين التي تفوقت عليه أولا رغم تعداد السكان الكبير لديهم، والذي يقارب مليار ونصف المليار إنسان؟ وسبق للرئيس بوتين أن دعا شعبه عبر اعلام بلاده للتوجه لأخذ المطعوم الروسي. ومسافرين إلى روسيا يبحثون عن مطارات روسية خالية مدنها من كورونا. والمعروف بأن فايروس كورونا ظهر في الصين في مدينة (أوهان) وانتقل بداية لفرنسا عبر اللاعبة الرياضية العسكرية ايلودي كلوفيل، وتم إتهام الجيش الأمريكي بصناعته مبكرا، وجرت حربا إعلامية باردة بينهما لم توصل لنتيجة مقنعة للبشرية الباحثة عن العلاج، وعن تطويق الجائحة بدلا من إنكار ظهورها هنا و هناك، و هو الذي إنتقل للبشرية عن طريق الحيوان كما يقول العلم. ولقد أدهشتني حقيقة إحتفالية موسكو العاصمة وبوجود الرئيس فلاديمير بوتين المحبوب روسيا وعالميا، بمرور 7 أعوام على عودة (القرم) الى عرين روسيا بقوة القانون وصناديق الاقتراع، و بحضور حشد كبير من المواطنين من دون الخوف من وباء كورونا، ومن دون كمامات، ومعظمهم من الصبية والشباب والشابات، والاعمار المتوسطة كانت حاضرة أيضا. و في احتفال روسيا المتميز والمبارك هذا العام 2021 بعيد النصر على الفاشية 9 أيار المنصرم كان الحشد الجماهيري الروسي ومن الضيوف المتواجدين من دون كمامات !! .
ها هي روسيا الاتحادية اليوم تنفتح من جديد على دول العالم على مستوى الطيران والسياحة، على الأردن ومنه على العقبة، وعلى أمريكا، بلغاريا، بلجيكا، إيرلندا، إيطاليا، و مقدونيا. وكل هذا الانفتاح وغيره الروسي القادم على العالم محتاج لضبط زائد لجائحة كورونا في الداخل الروسي لما له من انعكاسات على الاقتصاد، وعلى السياحة تحديدا. والمطلوب من روسيا الان وبعد خالص الاحترام تطوير خدماتها الفندقية بالتعاون مع الأردن، ودول العالم لتشجيع السياحة إلى داخلها تماما كما هي رغبة السائح الروسي بالبحث عن المياه الدافئة والتي في مقدمتها البحرين الميت والأحمر في الأردن مثلاً. وبلدنا متحف مفتوح كما اقول دائما، هنا البتراء الوردية النبطية الفريدة في العالم، وهنا مغطس السيد المسيح باعتراف الفاتيكان، و من هنا عبر رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وشجرة البيقعاوية في محافظة المفرق شاهدة عيان، وهنا البحر الميت بجماله الخلاب، و هنا البحر الأحمر ومرجانه كما اسلفت، و هنا جرش مدينة الألف عامود و أثارها الرومانية، وهنا حمامات ماعين و الشمال، و أم قيس المطلة بأثارها على هضبة الجولان العربية – السورية، وهنا قلعة عجلون و إطلالتها على مدينة القدس و جبال الشيخ في لبنان، و هنا وادي رم و القصور الصحراوية، و الكنائس القديمة و في مقدمتها (جبل نيبو)، و قصر علي باشا الكايد العتوم في بلدة سوف غرب جرش التي تمتلك أيضا محمية للأسود، ومحمية الأزرق المدهشة بطيورها وغيرها من الاحياء الطبيعية الفريدة. وفي المقابل فأن روسيا غنية عن التعريف بعمقها الحضاري، وبقصورها التاريخية وبحارها وبحيراتها وأنهارها وغاباتها. موسكو العاصمة الجميلة، ومدينة سانت بيتر بورغ الأكثر جمالا ونظافة في العالم، وهي التي تعج بالقصور التاريخية على ضفاف بحر البلطيق، والمعروفة بلياليها البيض. ومدينة سوتشي المترامية على البحر الأسود إلى جانب القرم، وغابات والتايغا وبحيرة البيكال العذبة، وشبكات الميترو الجميلة والقطارات ومنها السريعة (سان ساب). وفي الختام يمكنني القول بأن الأردن منارة العرب، وروسيا في صدارة الشرق تربطهما علاقات اجتماعية، ثقافية، سياسية واقتصادية متميزة يمكن تطويرها دائما والاستفادة من موقعهما المتميز على خارطة العالم. وانتصار البشرية على جائحة كورونا في المقابل أكبر هدية العصر للإنسان أينما كان وتواجد .