د.حسام العتوم
سايكولوجيا المجتمع الأمريكي والعنصرية
لم ازر أمريكا لكنني التقيت بناسها من طبقة المتعلمين والمثقفين هنا في الأردن ، وأعجبني انفتاحهم وصراحتهم وحبهم للحياة وللحضارات . وسجلت انطباعاً جيدا عنهم، وبأن ثمة فرقاً بين المجتمع الأمريكي المكون من أعراق مختلفة، وبين ساستهم خاصة الصاعدين منهم إلى السلطة في البيت الابيض، والكونغرس ، والبنتاغون ، والايباك . ورئيسهم رجل الأعمال دونالد ترمب مدهش حقاً، وتستحق شخصيته التوقف عندها وسبر أغوارها، وهي التي تدير السياسات في العالم من زاوية الاقتصاد، وعشق سيطرة القطب الواحد الذي تقوده بلاده على اركان العالم مع فتح نافذة من وسط الحرب الباردة بقيادة أمريكا وأوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 على الدول المنافسة مثل روسيا والصين . ومماحكة متموجة مع دول وازنة مثل الصين بعد جائحة كورونا المختلف على مصدرها المُصنّع خاصة، ومع تركيا التي تقترب وتبتعد عن روسيا، ومع كوريا الشمالية ذات الطموح النووي . وعلاقات جيوبولوتيكية استراتيجية مع إسرائيل باعتبارها مركزاً للموازنة بين سيطرة القطب الواحد، وبين سياسة تعدد الاقطاب الروسية الأصل والمصدر .
والمجتمع الأمريكي غير المعروف بقوة لدي يتوزع سايكولوجيا بين البيض والسود، والأغلبية للبيض بطبيعة الحال والأقلية للسود في المقابل . و البيض منتشرون وسط 46 ولاية أمريكية ويشكلون حوالي 72.4% . بينما تبلغ نسبة السود من أصول أفريقية حوالي 12.4% . ومن أصول اسيوية ما نسبته 5.6% يتجمعون في كاليفورنيا ، وفي هاواي بنسبة 57%. وفي واشنطن العاصمة لا توجد فيها أغلبية من البيض كما أقرأ . والديانات السماوية تتقدمها المسيحية من البروتستانت بنسبة 51.3% ، والكاثوليك بنسبة 23.9% . واليهود ما نسبته 1.7% . وديانات مختلفة بنسبة 2.7% . وبدون ديانة 16،1% . و ملحدين 1،6% .ولا ادرية 2.4% . والثقافة الأمريكية مزيج من الثقافات المتنوعة وتجمع بين الأصل والمهجر . فمن أين قدم منبع العنصرية إلى داخل المجتمع الأمريكي ؟ وهل تنفرد أمريكا بالعنصرية الاجتماعية أم أن هناك مجتمعات أخرى غارقة بالعنصرية مثل أمريكا ؟ وما هو الحل لوضع حد للعنصرية وسلوكها السلبي غير المقبول والمنفر في زمن الحاجة للوئام بدلا من الخصام ؟ ولنشر المحبة والتعاون والتفرغ للعطاء بدلا من غرس الفتن والكراهية والتفرقة غير المشروعة ؟ دعونا نبحر معا إلى داخل المجتمع الأمريكي الذي يمثل ركنا هاماً وسط مجتمعات العالم لعلنا نسهم في انقاذ الممكن من البشرية قبل أن تفقد صوابها .
إن حادثة اغتيال جورج فلويدGeorge Floyd الأمريكي من أصول افريقية المأساوية عبر خنقه عمدا و مع سبق الاصرار وامام اعوانه من الشرطة الأمريكية و امام المارة و بدم بارد في مدينة مينابوليس بتاريخ 25 حزيران 2020 ، عكست الحقد العنصري الدفين بين كل ماهو أبيض وأسود في بلاد مثل الولايات المتحدة الأمريكية نزعم أنها تتقدم أوروبا والعالم من زاوية الحضارة، والمفاهيم ، والرقي، والتمسك داخليا بالقانون المدني . واقتصادها ملياري دولاري لكنه بطبيعة الحال ليس بمستوى ذكاء وقوة الاقتصاد الصيني مثلا . فما الذي يجري في أمريكا ، ولماذا هذا الاختناق الداخلي هناك بينما هي أمريكا تدعي بأنها تقود العالم من وسط قطبها الواحد، ولا تعترف بعالم متعدد الاقطاب بالضرورة إلا من وسط مصالحها القومية المحددة والمرتكزة على الاقتصاد، وخدمة إسرائيل ثانيا بعدها ؟ وهل بدأت أمريكا فعلا تفقد بريقها وقوتها سياسيا واقتصاديا، وهي التي تمارس سياسة الكاوبوي بالتعاون مع إسرائيلها التي ترغب لها بأن تبقى مدللة وتعمل فوق القانون الدولي، وبطريقة لا تستطيع فيها حتى روسيا التصادم معها جراء اختراق سوريا عبر استمرار احتلال الجولان واسرلته، وعبر ملاحقة خلايا ايران، وحزب الله وطاقم مستشاريهم في العمق السوري . والتحرش بأيران في المقابل ” كل ما دق الكوز بالجرة” رغم عدم براءة ايران بكل تأكيد، وهي التي تعمل كما إسرائيل خارج حدودها عبر هلال صفوي ايدولوجي خبيث مخترق ومحتل للجسم العربي، ومفكك له ، وأقصد هنا جزر الإمارات تحديداً ؟
ثمة إشاعات تتردد بأن المغتال جورج رغب بالشراء من متجر عربي بدولارات مزورة لكن هذا الأمر وإن كان صحيحاً لا يوجب القتل . وان اوان أمريكا ان ترفع سقف قانون العقوبات لديها على جرائم العنصرية تماما كما فعلت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عندما رفعته لديها بوجه حليقي الرؤوس SKean Head المتطرفين
والعنصريين، والمتصادمين مع الأجانب خاصة من يمتلكون الشعر والبشرة السوداء مثل العرب والأفارقة . وبعدها لاحظت اختفائهم من شوارع روسيا مثلا ومن عتمات الليل والازقة هناك . وضابط الشرطة الأمريكي ديريك تشوفين الأصل فيه أنه يمثل القانون الأمريكي ودولة أمريكا، وليس الشارع الأمريكي الأبيض فقط .وكما اسلفت هنا فأن الشعب الأمريكي ليس واحداً، واللون الأبيض ليس كله عنصرياً ولا يجوز التعميم اكيد . وما زال القانون الأمريكي ناعماً بخصوص التعامل مع قضايا العنصرية، ومثل هكذا حادثة قبيحة اعتبرت في أمريكا من الدرجة الثانية وليست من قضايا العمد والاصرار على القتل . والعنصرية بالمناسبة انحطاط امريكي اجتماعي متكرر . ومن مثله نعاني هنا في منطقتنا العربية من العنصرية اليهودية ضد العرب . وهنا أيضاً لا أعمم على كل اليهود . و يوجد فرق بين اليهودية المتطرفة كسلوك وبين اليهودية كدين سماوي او كعرق بطبيعة الحال .
وجريمة القتل ومنها العمد في الاديان السماوية الثلاثة من المحرمات .ولقد كتب عنها الباحث ثائر غازي عبود من الجامعة العراقية الإسلامية ، حيث قال بأن : ” جريمة القتل في التوارة والعهد القديم وحسب مبدأ القصاص في مبدأ اللاويين ” اذا امات احد انساناً فأنه يقتل، ومن امات بهيمة فأنه يعوض نفسا بنفس. وإذا احدث انسان في قريبه عيب فأنه يفعل كما فعل كسر بكسر ، وعين بعين ، وسن بسن ، ومن قتل انسانا يقتل “.
وفي العهد القديم لا تقتل ( الخروج- 13،20). والحاخام نعوم زوهار من جامعة بار ايلان في تل أبيب كتب يقول أيضاً بأن ( الأدبيات اليهودية شددت على أنه لا يحق لأحد استعجال مغادرة الروح للجسد . وفي القرأن الكريم ورد في سورة المائدة الآية 32 ( أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) ، وفي سورة الاسراء 17 قوله تعإلى ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) صدق الله الغظيم .
وما حدث في مينابوليس أحدث صدى مدوياً وشرخاً ليس وسط المجتمع الأمريكي فقط وانما وسط أوروبا، وأحدث ارتداداً اجتماعيا عالميا، وأصبح يشبه ربيعنا العربي إلى حد ما، ومن الطبيعي أن يتم استغلال الحادثة لمأرب سياسية، واقتصادية ، ذات علاقة بالحرب الباردة المتجددة ، ومثالي هنا المناكفات الأمريكية الصينية وبالعكس بعد انتشار جائحة كورونا ، ورود معلومات، وربما إشاعات تفيد على أنها مصنعة سرا والله أعلم .
ويبقى خطاب زعيم السود لويس فركان في شيكاغو في أمريكا بخصوص حادثة جورج فلويد الائليمة مؤثرا ويحمل معنى هاما وخطيرا ، وهو الذي قال ” … بأن أمريكا لن تكون عظيمة مرة اخرى، وبأن الله معهم ولن تسطيع أمريكا الاضرار بهم، وعلى أمريكا أن تدفع الثمن وانتهت عظمة أمريكا وعدالة الله موجودة “.
وجنازة فلويد المهيبة الاربعاء 18 حزيران 2020 في هيوستن وسط غضب شعبي أمريكي وعالمي من صعود نيران العنصرية مجددا في أمريكا منذ عصر العبيد والعبودية والاستعمار في القرنين الثامن والتاسع عشر، واسقاط تمثال تاجر الرقيق ادوارد كولستون في مدينة بريستول البريطانية قبل ذلك شكل جرس انذار للادارة الأمريكية الحالية لكي تصحو من غفوتها وهي على ابواب انتخابات رئاسية امريكية قريبا هذا العام 2020 . وليس امام أمريكا الآن إلا أن تعتدل داخليا وخارجيا على مستوى سياساتها واقتصاداتها وعسكرتها، وعلى مستوى علاقاتها مع شعوب ودول العالم بعد أن تخلص ذاتها من التبعات الصهيونية الرمادية التي تلاحقها في تحركاتها فوق الكرة الارضية ووسط قضايا العالم الساخنة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة عبر مشروع قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية التي تعمل على اجهاضه في مهده .