الاب رفعت بدر
على مدار سبعة أيام، التأم رؤساء سبع كنائس كاثوليكيّة في الشرق الأوسط في بلدة حريصا، شمال شرق بيروت، وتحديدا في منطقة بيت عنيا الواقعة قرب مزار سيّدة لبنان وكنيسة القديس بولس الرسول للروم الكاثوليك. وشكلت الاجتماعات تدشين المرحلة القاريّة من سينودس الكنيسة الكاثوليكيّة الذي سيُعقد في الفاتيكان في شهر أكتوبر المقبل.
وللتذكير فإنّ السينودس هو اجتماع عام، وتعني كلمته «السير معًا»، ويعقد كل سنتين في الفاتيكان، بحضور قداسة البابا وممثلين عن كلّ الأبرشيات والمجامع الأسقفيّة في العالم أجمع. ولكن في هذا العام، قد تمّ الحديث عن مرحلة ما بين المرحلة الأبرشيّة (الكنائس المحليّة) والفاتيكان، هنالك المرحلة القاريّة، أي مجموعة من الكنائس التي يجمعها إقليم واحد، تجتمع معًا، تصلي وتفكر معًا في وضع أولويات على أجندة النقاش والتفكير للقاءات التي ستعقد في الفاتيكان. الجميل أننا أصبحنا قارة روحيّة جديدة تضم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك الكنائس الموجود في الخليج العربي. وللتذكير أيضًا بأنّ الكنائس السبعة هي كنائس اللاتين والمورانة والكلدان والروم الكاثوليك والسريان الكاثوليك والأقباط الكاثوليك والأرمن الكاثوليك.
نستطيع أن نحصر هذه الأيام السبعة بثلاث سبعات في ثلاث حزم.
أولاً: نقاط القوّة في مثل هذه الاجتماعات، حيث برزت الوحدة وروح المحبّة والشركة بين الرؤساء والممثلين والقيادات الموجودة. ثانيًا: جو الصلاة كان سائدًا، حيث اعتبر بأنه كان اجتماعًا روحيًّا أكثر منه اجتماع أكاديمي. ثالثًا: إنّ التفكير معًا كان أفضل السبل لتحديد الأولويات وتجسيد معنى السينودس، أي السير معًا على أرض الواقع. رابعًا: كان الحوار هو سمة غالبة حيث برزت فضيلة الإصغاء الواحد للآخر. خامسًا: كان هنالك حضور بارز للشباب من كل منطقة الشرق الأوسط، الذين تحدثوا بحريّة وبروح طيبة تدلّ على حبهم لكنائسهم وانتمائهم المخلص لأوطانهم. سادسًا: شاركت أكثر من 40 سيدة وراهبة في هذا الاجتماع الذي لم يعد مغلقًا أو محصورًا على رؤساء الكنائس. أمّا النقطة السابعة فهي الإطلاع على لبنان الشقيق، بالرغم من الصعوبات الاقتصاديّة والسياسيّة التي يجتازها، لكنّ الكنيسة فيه حيّة ويقظة وحيويّة.
أما النقاط السبع الأخرى، فهي السبع توترات، وهي الكلمة التي استخدمت خلال هذه الاجتماعات، وتعني التحدّيات التي تواجه مثل هذه الاجتماعات، وسوف يتم معالجتها أو التعامل معها بروح منفتحة وإيجابيّة. وأعني بها أولاً الأوضاع السياسيّة في منقطة الشرق الأوسط، وهي المنطقة الأقدس عالميًا، لكن ما زال فيها توترات سياسيّة وما زالت هنالك بلدان لم تتعافَ مما حلّ بها، بالإضافة طبعًا إلى أوضاع الشرق حاليًا، وسورية تحديدًا، بسبب الزلزال، و لم تخلُ أيّة فعاليّة روحيّة دون ذكر ضحايا الزلزال في الصلاة، وهو ما حال دون وصول بعض القيادات الدينيّة من سورية إلى مكان الاجتماع.
وكذلك توقّف الجميع عند الأحوال الاقتصاديّة التي أحيانًا تعيق العمل الجاد والمثمر بسبب تردي الأوضاع الاقتصاديّة التي يعيشها إنساننا في منطقة الشرق الأوسط. وتمّ نقاش روح التنافس بين مختلف الكنائس، وهو الأمر الذي يمكن أن نقول عنه بأنّه طبيعي من الناحيّة البشريّة، لكن كنائسنا مدعوة إلى أن يتمّ روح التنافس أيضًا إيجابيّة. وكان هنالك كلمة تتردّد على الألسنة، وهي كلمة «الروح الإكليريكيّة»، وهي «تسلط» رؤساء على مرؤسيهم بطريقة توحي بأنهم يملكون المفاتيح، بينما الآخرون عليهم دائمًا أن يطيعوا.
والتطرّف الموجود في مجتمعاتنا قد كان أيضًا من أسباب العوائق والتحديات الكبرى توقفت عندها الكنائس. وكذلك تمّ تهجير مئات الآلاف من المؤمنين بسبب هذا التطرّف الموجود مع كلّ أسف. وتطرّق المجتمعون إلى المشاكل الاجتماعيّة التي تواجه شبابنا خصوصًا، من مخدرات وشذوذ، ومن العلاقات الجنسيّة المتحرّرة والفساد وغيره. وبالتأكيد، لا يقدّم المجتمعون حلولاً سحريّة لهذه الآفات، ولكنهم يدعون إلى الحوار مع الشباب، والانفتاح مع السلطات المعنية في خلق فرص عمل لكي لا يقع الشباب ضحيّة لها. وطبعًا هنالك مشكلة اللاجئين والمهجرّين والنازحين والمغتربين الذين هم جزء لا يتجزأ من حياة كنائسنا.
أمّا الحزمة الثالثة من السبعة، فهي حزمة الآمال والتطلعات.
يتطلّع مسيحيو الشرق إلى المواطنة الحقيقيّة المبنيّة على العدالة الاجتماعيّة، وعدم التمييز بين مواطن وآخر، لا على أساس ديني أو عرقي، ومن هنا فانهم يتطلعون الى مضاعفة المبادرات في الحوار الديني مع اخوتهم في الحضارة المسلمين. ويتطلعون إلى الشركة الكاملة داخل الكنائس، وهو الأمر الموجود داخل الكنائس الكاثوليكيّة بحكم كونها مرؤوسة من قداسة البابا الذي يمثّل الرئيس الروحي لأكثر من 1.4 مليار شخص، لكنّ الامل هو ان تشمل هذه الروح المسكونية السينودسية جميع الكنائس.
أمّا الأمل الثالث فهو الشهادة الصادقة والمقبولة في مجتمعاتنا، يريد المسيحيون أن يعيشوا أصالة إيمانهم، وهو الأمر غير المتكافئ في كل البلدان، فالحريّة الدينيّة ما زالت غائبة، وهنالك حريّة بدرجات لإقامة الشعائر الدينيّة في مخلفت بلداننا، وهنالك اختلافات ما بين البلدان التي فيها مسيحيون أصلاء أو مسيحيون وافدون ومقيمون في بعض البلدان لفترات وجيزة مثل دول الخليج وبلداننا وقبرص.
ويتطلّع المجتمعون إلى دعم المدارس والمؤسّسات الرعويّة التربويّة، حيث هنالك مشاكل ماديّة وقيود، ويريدون أن يكملوا مسيرة التربية والتعليم التي تميّزوا بها عبر القرون الماضية.
وتوقف المجتمعون عند الإعلام الحديث ودوره الذي لا يستغنى عنه في التنميّة البشريّة وفي خلق أجواء من التلاقي بين أتباع الأديان. ودعوا إلى توقف خطابات الكراهيّة، لكي تعجّ منصات الإعلام بما يفيد البنيان من خطابات محبّة وتعاون، وليس كراهيّة ورغبة في إفناء الآخر.
وكذلك يتطلّع المشاركون إلى دور أكبر للمرأة في كنائسنا، باحترام للتقاليد والتاريخ، بحيث لا يتم الحديث عن أمور تعتبر غير قابلة للنقاش، مثل رسامة كهنة من النساء. لكنّ للمرأة دورا لا يستغنى عنه في وجوه متعدّدة. وسابعًا: كان هنالك الأمل بأن تسود هذه الروح «السينودسيّة»، روح الشركة والتعاون بين مختلف الكنائس وبين مختلف الفئات داخل كلّ كنيسة، لكي لا تكون هذه الأيام مثل سحابة صيف، وإنما حالة جديدة من التنشيط وإعادة البناء بالرغم من الظروف السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي يمرّ بها شرقنا العزيز.