د. راكز الزعارير
ما يحدث اليوم في سوريا ليس مستغربا ولا مفاجئا للقوى الدولية المتشابكة على الارض السورية وانما تأخر التنفيذ لاختيار الوقت المناسب.. لقد كان الامر متوقعا منذ اكثر من ١٤ سنة منذ انطلقت الاحتجاجات في عدة مدن سورية كانت في بداياتها تطالب النظام بالاصلاح، ولم ينجح النظام السوري في احتواء تلك الاحتجاجات وراهن على الصمت وعلى مرور الزمن، معتقدا مبدأ ان لا بديل للنظام للحفاظ على الدور السوري في المنطقة وتبريد ازماتها ومواجهة المنظمات المتطرفة السنية بدعم مباشر من ايران وحزب اللّٰه. نتيجة ذلك ترسخ على ارض سوريا نفوذ الصراعات الاقليمية والدولية في المنطقة خلال الاربعة عشر عاما الماضية، واصبحت كل هذه القوى تبحث عن تعزيز نفوذها بانشاء ودعم وتسليح تنظيمات لتكون ذراعها المنفذة لارادتها ومصالحها على الاراضي السورية وفي المنطقة وأجندات دولية أخرى. قرار اعادة بناء توازن القوى في الشرق الاوسط وبدعم دولي يتمثل بوجود دور لدولة قوية من دول الاقليم لمواجهة ايران وامتدادها ونفوذها في سوريا ولبنان، وهذا كان يشكل هاجسا للغرب وإسرائيل عجل بكشف مخاطره هجوم حماس على إسرائيل في 7 اكتوبر 2023. العامل الاستراتيجي الوحيد المتفق عليه دوليا والذي يحرك توازنات القوى في الشرق الأوسط ويغيرها هو امن إسرائيل وبقاؤها وتعزيز نفوذها. تمدد النفوذ الايراني من طهران مرورا ببغداد ثم الى سوريا ولبنان ثم النفوذ الايراني على حماس في غزه، عمق من المخاوف التي تثير القلق على منطقة الشرق الأوسط والمصالح الدولية فيها بشكل عام واسرائيل بشكل خاص، لان ايران الثورة و اطماعها تسير الى ابعد من سوريا وحزب اللّٰه وحماس في الشرق الاوسط وتمتد الى كافة دول الشرق العربي. بالمعايير الاستراتيجية لا تستطيع اي دولة من الشرق الاوسط إيقاف النفوذ الإيراني لاسباب جيو سياسيه عربية، وتركيا السنية المساندة بحلف الاطلسي ذات مصلحة كبيرة بوقف التمدد الايراني وتوسيع النفوذ التركي للوقوف امام التمدد الإيراني وحصره مرحليا في حدود’ العراق بعيدا عن تهديد امن اسرائيل. توازن القوى والنفوذ بين ايران وتركيا اصبح يقوم على التقاسم، نفوذ ايراني في العراق. وتركي على سوريا بسيطرة منظمات سنية مرحليا تحت توجيه ونفوذ تركي قوي على قراراتها. هذا التوزان بالتقاسم هو الذي يحقق امن إسرائيل متمثلا بانكفاء ايران الى العراق وتحييد حزب اللّٰه في لبنان وسيطرة النفوذ التركي في سوريا، حيث علاقات قوية وحميدة بين تركيا واسرائيل وحلف الاطلسي بعكس ما هو الحال مع ايران. النفوذ التركي المرتقب في سوريا لا يهدد امن ووجود اسرائيل، لا بل يعطي افقاً جديداً لصفقة من نوع ما في الشرق الاوسط مع استلام الرئيس الاميركي المنتخب ترامب.. وهذه التوازنات والتوافقات بين القوى ذات النفوذ تحظى برضا دولي بغض النظر عن دعم او التخلي عن دعم نظام عائلة الاسد الحاكمة في دمشق منذ اكثر من نصف قرن، ويحذر الرئيس السوري في تصريحات واضحة من خطورة النفوذ العثماني اشارة الى الاطماع التركية العثمانية في سوريا.. في الوقت الذي تحذر فيه دول عربية اخرى من اطماع الفارسي الايراني في العراق والخليج. التطورات العسكرية الدراماتيكية في الصراع الشكلي الحالي في سوريا هي خطوة قوية وسريعة لاعادة وتغيير وجه المنطقة بما يتوافق مع المصالح الدولية. وتبرير المخرجات الاستراتيجية لهذا الصراع والتي ستخلق وتكرس توازن القوى المحلية والاقليمية والدولية في المنطقة. الشيء المهم الذي يحكم اغلاق ملف سوريا حاليا هو مصير النظام وكيف يمكن ايجاد مخرج مناسب له امام الرأي العام المحلي والعربي والدولي. التنظيمات المسلحة التي باتت تسيطر تدريجيا وسريعا في سوريا لن يسمح لها مستقبلا بان تحكم سوريا بأيديولوجيتها المعلنة، وهي تنتصر | اليوم دون مواجهات حقيقية مع الجيش السوري الذي ينسحب بهدوء يثير كثيرا من التساؤلات امام تلك التنظيمات، والتي لن تخرج باي حال عن سياسات انقرة، ولن تشكل تهديدا خطيرا على نظام دول الشرق الأوسط. السيناريو الأكثر احتمالا لاغلاق الملف الحالي في سوريا هو مجلس عسكري سوري بدعم دولي يرتبط بانقرة يخلف النظام الحالي وبداية مرحلة جديدة في الشرق الاوسط. Rzareer@hotmail.com