الدكتور علي
د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سويا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، راجياً أن تروق لكم.
(BBC) العربية تضع رحالها
من الصعب علينا أن نقدر أهمية الإذاعة، سيما في المجال الدولي؛ لأننا لم نعش أبداً في عالم دون إذاعة، فهي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تصل جميع أنحاء العالم في الوقت نفسه، إلى ما قبل اكتشاف الانترنت، وتلعب الإذاعات دوراً لا يمكن الاستغناء عنه في الاتصال الدولي، وتحتفظ بمكانتها كسلاح قوي في الدعاية الدولية.
يأتي الحديث بسبب توقف هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، القسم العربي عن البث، ومما لا شك فيه أنها كانت نموذجاً يحتذى، ومدرسة من كبرى مدارس الإعلام العالمي، عملت على تأهيل العديد من الكفاءات الإعلامية على مستوى العالم، ولكنها لم تكن يوماً إلا ذراعاً استعمارياً لبريطانيا التي لا تغيب عن أراضيها الشمس، شأنها في ذلك شأن وسائل الإعلام الغربية، التي تعتبر أدوات استعمارية.
مهنية الإعلام الغربي ولكن؟!
توفر دول الغرب كل الإمكانات المتاحة لها للرفع من سوية ومهنية وسائل إعلامها، وتعمل على تأهيل وإعداد طواقمها بأحدث فنون التدريب والإعداد- وخاصة الموجهة منها-، فهي تسعى لتحقيق أهداف عدة، أوسع وأعظم شأناً من كونها إخبارية فحسب. فقد أنشأت وسائل الإعلام الغربية دون استثناء لأغراض عسكرية، ولخدمة الأهداف الاستعمارية لتلك الدول، سواء أكان في ذلك الصحافة، أم الإذاعات الدولية الموجهة، أم وكالات الأنباء العالمية؛ والأقمار الصناعية، وصولاً إلى شبكة الانترنت الذي بقيت منذ بداياتها الأولى في 25 أكتوبر 1969 إلى تسعينيات القرن الماضي ترتبط رسمياً بالبنتاغون، قبل تصبح تجارية متاحة للعموم عام 1990. وأضافت الهيئة البريطانية أن خطط الخدمة العالمية تدعم إستراتيجيتها لإنشاء “منظومة حديثة، وقيادة رقمية”.
أهداف الإعلام الغربي
نشأت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، كغيرها لمخاطبة المستعمرات في الشرق، وفي آسيا، وهي تتميز بمهنتيها العالية في التعامل مع الخبر، ومع رسالتها لإعلامية، ما لم يكن الأمر متعلقا بقضايا العرب والمسلمين؛ أو بفلسطين وبدولة الاحتلال (إسرائيل)، فإنها ما تلبث أن تعود لأصلها، في كونها ذراعاً استعمارياً فهي تصدر عن دولة كانت -بعد تخاذل العرب- بشكل رئيس، سبباً في قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المباركة. حتى أن الإذاعة الأردنية التي كانت في عهد الانتداب البريطاني في فلسطين، تحت اسم إذاعة الشرق الأدنى، وكان مديرها الأول هو أدوين صومائيل ابن المندوب البريطاني في حينه، حتى عام 1950 عندما نقلت إلى القدس، وأصبح اسمها إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، ثم انتقلت إلى جبل الحسين في عمان.
موقف (BBC) غير الحيادي
يسوقنا التباكي على هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، بمناسبة إغلاق القسم العربي منها وتحويله إلى بث عبر الانترنت بسبب “التضخم المرتفع وارتفاع التكاليف أدى إلى خيارات صعبة للهيئة”، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم يعد لها ذاك السوق العظيم في العالم العربي، ليس لضعفها، أو قلة مهنيتها؛ بل لضعف الفكر والثقافة في العالم العربي، وقلة عدد المثقفين والمفكرين وأصحاب الرأي، مقارنة مع تلك الأيام التي كانت زاخرة بالرجال المثقفين والعلماء، والسياسيين المستقلين.
لم تكن (BBC)، منذ نشأتها عام 1920، يوماً متعاطفة مع الشأن العربي، وخاصة الفلسطيني، بل هي معادية، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ ولعل مثالاً واحداً عشناه معاً، ونعيشه في كل يوم؛ فقد رفضت (BBC)، عام 2006، نشر إعلان استغاثة مدفوع الأجر من أهل غزة، حين كانت غزة تحترق من نيران القصف الهمجي الصهيوني، لكن الإعلام الديموقراطي في (BBC)، رفض نشر الإعلان؟!
إن ما يميزها، هو انحيازها الأبدي للقوى المعادية لقضايا العرب والمسلمين، شأنها في ذلك؛ شأن وسائل الإعلام الغربية.