د. علي منعم القضاة
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
شذرات عجلونية (46)
انجاز : القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سوياً في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، لنطوف العالم بشذراتنا، وستكون شذرتي هذه والتي تليها عن استخدام الريموت ونوع البطاريات الأفضل، وحياً من الانتخابات التركية؛ راجياً أن تروق لكم.
{قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}
مما لا شك فيه أن تركيا، والانتخابات التركية، والأحزاب التركية هي موضع اهتمام عالمي، بين حاقد وحامد، مؤيد ومبغض؛ للرئيس التركي الحالي كشخص، ولحزبه السياسي كفكر، ومع ذلك سارت الانتخابات بسلاسة تامة، وانسجام كبير، وتناغم بين مكونات الشعب، واحترام متبادل بين الحكومة والشعب؛ لم يسعى الحزب الحاكم إقصاء أي حزب آخر، ولم يتدخل يوماً بمجريات الانتخابات؛ بل كانت انتخابات حرة نزيهة بشهادات العالم أجمع.
كل دول العالم الغربي ومعظم دول العالم العربي؛ تقف جهاراً نهاراً ضد الحزب الحاكم في تركيا، نائب في البرلمان الألماني يقولها بمنتهى الوقاحة، سنقوم بما يلزم بعد سقوط أردوغان، وسنعطي أوامرنا لاجتثاث محمد، والمؤذن، والمئذنة، من إسطنبول، إذا خسر أردوغان. تصور معي أن هذا التصريح يدلي به أردوغان أو أحد أفراد حزبه، أننا سوف نعمل بعد الفوز على هدم الفاتيكان، واقتلاع جذور البابا، وتجفيف نسله، ماذا ستكون ردة الفعل العربية قبل الأجنبية عليه.
تصريح (الواشنطن بوست) وكل وسائل الإعلام والصحف الغربية، إيقاعها واحد، ونغمتها واحدة، يجب أن يسقط أردوغان قبل أن تصبح تركيا دولة عظمى، منتهى الصراحة والوقاحة، ولا يحتاج إلى توضيح أو تفسير، تدخل “سافلٌ” بما تحمل الكلمة من معنى، في شؤون دول أخرى تشهد منتهى الديموقراطية.
غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون
حكمة تعلمتها أنا وأبناء جيلي في درس القراءة، وهي تنطبق على ما فعله أردوغان وحزبه بالمعنى الحرفي خلال فترة حكمه على مدار عقدين من الزمان، نهض باقتصاد بلاده، لينقلها من بلد منهار اقتصادياً، مشبعة بالديون؛ بل فوق درجة التشبع، إلى دولة مقرضة للبنك الدولي، ويشار إليها بالبنان على مستوى الاقتصاد العالمي، قبل أن يكتشف حقول الغاز؛ بل نهض بها علمياً، وتعليمياً، وتقنياً، وعمرانياً، وعسكرياً، وبكل تأكيد ثقافياً، وأوجد كل أنواع الصناعات بأيدٍ تركية، وعقول تركية، ولم يكن تابعاً في ذلك لأحد.
داوني بالتي كانت هي الداء
اصطف أردوغان بجانب الدولة العلمانية المحايدة التي تدع الخلق للخالق، وتترك للناس حرية الاختيار بتوفير متطلبات كل الاتجاهات والتوجهات. فقد عانى هو على المستوى الشخصي والفكري من علمانية أتاتورك التي كانت تعادي كل ما هو ديني، وتحارب القرآن والعربية، وتمنع الآذان، وتحرم على من ترتدي الحجاب دخول المدارس والجامعات، وبكل تأكيد هي ممنوعة من أي عمل أو وظيفة حكومية، لذلك فإن ابنة أردوغان درست الجامعة في بلاد الغرب.
وقد يرى بعضنا أن أردوغان تبنى فكراً متشدداً، أو أنه لم ينهج نهجاً إسلامياً، ولكنه بقدرٍ ما أعطى الحرية الدينية لجميع الديانات؛ حرية في العبادات والعقائد والسلوك، نعم رفع أردوغان كل أنواع الاضطهاد والظلم عن المسلمين، وهم أهل البلاد وسكانها الذين يشكلون ما يقرب من (98%) من الأتراك، وسمح لهم بشعائرهم وعقيدتهم ولباسهم، وسمح لهم بسماع المؤذن ينادي للصلاة، بل وجعل لكل آذان مقام مختلف عن الآخر؛ الآذان الذي سمحت برفعه الفاتيكان كانت تمنعه “جمعية تركيا الفتاة- أو يهود الدونمة أهل أتاتورك”، بيدها الضاربة من حديد (الجيش)، اليد التي كانت تحكم بها الوِثائق على جميع أوصال الدولة التركية.
فشل وخيبة أمل
تعكس نتائج الانتخابات التركية مقدار الجهد الذي قدمه أردوغان وحزبه لبلاده وأمته، وهي إنجازات لم يشهدها أي بلد في كل أنحاء العالم، رغم كثرة المنغصات، والمعوقات والحروب الظاهرة والكامنة، وسهام الشر المصوبة نحوه من كل حدب وصوب من دول العالم أجمع.
ولذلك فإنها انتخابات شكلت كمية كبيرة من خيبة الأمل عند الغرب وكل داعمي كمال أوغلو عندما فشل ربيبة الغرب وصنيعتهم، فقد أغدقوا عليه، وبسطوا له الأرض حريراً أمل أن يعيد لهم حقد أتاتورك على الإسلام والمسلمين؛ ومع ذلك لم تنفع كل الجهود التي بذلوها لمحاربة أردوغان، أو النفخ في كير “كمال أوغلو” هذا من جهة. ومن جهة أخرى؛ وبالقدر نفسه فقد شكلت النتيجة صاعقة كبيرة وخيبة أمل للشباب التركي الذين كان يمنيهم أوغلوا والنافخين في “كيره” من أبواق إعلام الغرب، وإعلام المعارضة بأنهم سيحصلون على الفوز بنسبة (60%)، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.
الجاهل عدو نفسه
نعم أعاد أردوغان بناء بلده المنهار اقتصادياً بطريقة عبقرية غيرت موازين القوى في العالم أجمع، وقد أسقط أتاتورك وأفكاره واحدة تلو الأخرى بموافقة الشعب، وتأييد الشعب، وتشريع الشعب؛ بطريقة مؤسسية، وهو يجلس في قاعة ترفع فيها صورة أتاتورك، منادياً بالعلمانية، ومحافظاً على الدين، والشعائر، والطقوس؛ علمانية لا تضطهد أحداً، كما فعلت علمانية “”جمعية تركيا الفتاة، أو يهود الدونمة أهل أتاتورك”، بتأييد مطلق من الغرب، ولا يخجل قادة الغرب الآن من المجاهرة بأن غايتهم إسقاط أردوغان، واجتثاث محمد ودينه من تركيا. ولذلك فإنها ستكون حماقة بالشعب التركي أن لا يعيد انتخاب أردوغان وحزبه من جديد في الجولة الثانية ليتمم المسيرة، فلو خسر أردوغان منصب الرئاسة، وجاء الغرب بأذنابهم إلى تركيا فلسوف تنهار البلد، ويتراجع العمران؛ وتختفي النهضة التكنولوجية والصناعية والعمرانية، وتتراجع تركيا إلى الوراء قروناً وليس قرناً واحداً، ومن يقبل بذلك فهو جاهل وعدو نفسه.