د.حسام العتوم
عندما يتم التطرق لما يسمى بـ (صفقة القرن) المشؤومة، وهي التي أريدَ لها أن تصاغ من قبل (الكونغرس والبتاغون والأيباك وتل -أبيب والموساد وأجهزة لوجيستيا الغرب) في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب -رجل الأعمال الثري والفقير سياسيا- عام 2017 بداية، وهي التي رفضها العرب لاحقا مجتمعين عام 2020، في مؤتمر وزراء خارجيتهم، يتبادر للذهن وقتها بأن صحوة حدثت و عصفت بأمريكا الحنونة على العرب، لكي تنصف قضيتهم الفلسطينية العادلة والعالقة، من دون حلول جذرية مقنعة، منذ التفاف الصهيونية على فلسطينهم العربية، وبكامل جذورها الكنعانية، بهدف تقسيمها عام 1947، وهو القرار الذي رفضه العرب سابقا، لرفضهم المساس بفلسطينهم و قدسهم التاريخية بالمجمل.
وظهر الجانب المعلن للصفقة على وجه دونالد ترمب وصهره الشاب المراهق جاريد كوشنير، وأشركوا به بنيامين نتنياهو (الرئيس وزعيم الليكود) المعروف بكرهه للعرب والمزور لتاريخهم، وهو صاحب كتاب (مكان تحت الشمس) الذي عبّر فيه عن هاجسه ورعبه من حرب عام 1967، التي كادت أن تفقده (إسرائيله)، حيث كتب قائلا (ص 321): (لو أن الحرب اندلعت من خطوط الحدود عام 67، وتقدم العرب لهذه المسافة، فمن المحتمل أن لا تكون إسرائيل موجودة الآن)، وظنا منهما بأن العرب المقسمين والرافضين للوحدة التي ناداهم إليها شريفهم وملكهم الحسين بن علي – طيب الله ثراه- عبر ثورته والعرب المجيدة عام 1916، والأكثر ثراء بثرواتهم الطبيعية من بترول وغاز وغير ذلك، سيقبلون بصفقة سوداء ورمادية مظللة من شقين مالي مشبوه، وسياسي أكثر شبهة وانحيازا لإسرائيل.
فما هي الأهداف بعيدة المدى لصفقة القرن التي أحبطها العرب وفي مقدمتهم الأردنيون والفلسطينيون يا ترى؟ إن ما تسرب للرأي العام منها، يفسر لنا اتساع رقعتها لتشمل ليس الشرق العربي فقط وإنما “الأوسط” برمته أيضا، واستهدفت مشروع إيران النووي، ليس العسكري فقط وإنما السلمي أيضا. ومَثلي هنا الخروج الأمريكي من الإتفاقية النووية الدولية الإيرانية ( 5+1 )، والعودة إليها بعد التشاور مع إسرائيل. ورمت إلى تمزيق المنطقة وتقسيم المقسم منها وتكرار معاهدة سايكس – بيكو لعام 1916، ولإفشال حل الدولتين، ولإغلاق الطريق أمام قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية، وللتجديف باتجاه ترسيخ حل الدولة الواحدة العنصرية، ولديمومة الإستيطان اليهودي غير الشرعي فوق أراضي العرب، وللإبقاء على الإحتلال ماكثاً في الأراضي الفلسطينية خاصة، والعربية السورية ( الهضبة العربية – الجولان )، واللبنانية ممثلة بمزارع وتلال شبعا التي تعتبرها إسرائيل سورية محتلة منذ عام 1967، وهدف إسرائيل من ذلك التفاوض مع العرب لتحقيق سلام يضمن أمنها عبر تجريد (حزب الله) من سلاحه، ولضمان استمرار سيطرتها على مصادر المياه العربية في الجولان وطبريا، ولتبقى إسرائيل مسيطرة عسكريا وإستراتيجياً، وهي التي تسعى للتفوق التقليدي وغير التقليدي (النووي والكيمائي).
وها هي من وسط الصفقة تنشر هلالها للسلام وسط العرب، لكي يزاحم الهلال الإيراني من دون تكلفة عالية عليها، عبر العودة لحدود الرابع من حزيران لعام 1967 وفقا للشرعية الدولية، وتوقع معاهدة في شأن الكهرباء والماء مع الأردن والإمارات، وسط ضجيج عربي مناهض للتطبيع، و هو حق مشروع للشعوب العربية.
وبالمناسبة، فإن الأمم المتحدة التي اعترفت بإسرائيل عامي 1947 1948، بعد إلتفاف الصهيونية عليها، رفضت الإعتراف بوجود إسرائيل على حدود عام 1967، وعلينا التمسك أكثر بالشرعية ذاتها، وقرار مجلس الأمن 242 تشرين الثاني 67 صياغة أردنية بالمناسبة بهدف استرجاع المحتل من الأراضي العربية (مروان المعشر .نهج الاعتدال العربي – مذكرات سياسية 1991 2005 . ص 29 ). وحري بنا أن نعرف هنا بأن جذور صفقة القرن عميقة في منطقتنا، وإنطلاقتها لوحظت عام 1986، عندما اشتركت أمريكا وأوروبا في تزويد (إسرائيل) منتصف أربعينيات القرن الماضي، بالقنبلة النووية سرا، وهو ما كشف عنه الخبير (فعنونو) لصحيفة سانداي تايمز البريطانية وقتها.
والموقف الروسي وبكامل عمقه السوفيتي واضح من القضية الفلسطينية العادلة، وإلى الأمام مما سمي بصفقة القرن، فهي إلى جانب القضية وعدالتها علنا، ولا تراوغ رغم العلاقة التاريخية والاستراتيجية القائمة بين موسكو وتل – أبيب، لعدة أسباب ذات علاقة بالمد اليهودي الديمغرافي، وبالحرب الباردة نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 وحتى الساعة، ومن طرف أمريكا تحديدا وحلفها العسكري (الناتو) في زمن معاصر تتمسك فيه روسيا وبشكل ملاحظ بالقانون الدولي، ولا تذهب للأحلاف العسكرية بعد استغنائها عن حلف (وارسو) وحله بحكم انهيار الاتحاد السوفيتي 1991، وتعتمد على جيشها الأحمر وبحريتها وإمكاناتها الفضائية المتطورة. وفي مؤتمر (موسكو) عام 2019 مثلا في زمن انعقاد مؤتمر (وارسو) كانت القضية الفلسطينية عنواناً لديهم، ورفضت صفقة القرن علنا، وموسكو تطالب بوضوح ببناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وتقف مع تجميد الاستيطان اليهودي غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية وفوق أراضي العرب، ومع دراسة حق العودة والتعويض. وأصبح مطلوبا من العرب تحقيق توازن في علاقاتهم الخارجية بين القطبين الأمريكي (الغربي) والروسي (الشرقي)، والمعروف بأن السياسة ميزان وحكمة وبُعد نظر. ومسألة التسريبات التي جاء بها السياسي الروسي الكبير الراحل (يفغيني بريماكوف) منتصف ثمانينات القرن الماضي، وأفرغها بمنطقتنا، بخصوص استحالة قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية لم تأخذ بها موسكو المعاصرة على محمل الجد، واستمرت موسكو تتمسك بقناعتها بضرورة تحقيق الشرعية الدولية. ونحن هنا في الأردن نتمسك بهويتنا الأردنية الوطنية الجامعة، التي تحتضن الجميع وتنادي بترسيخ الهوية الفلسطينية الشقيقة بالجوار على أرض الدولة الفلسطينية والقدس الشرقية.