أ. سعيد ذياب سليم
طائرة ورقية
في الأفق طائرة ورقية تتراقص يمنة و يسرة بيد طفل يغازل بها الفرح، تشده تارة و يشدها أخرى، ترتفع، تبتعد ، تقترب، تعكس
أشعة الشمس بألوانها الذهبية، تأسر من يراها . تحدثني نفسي أن أصنع طائرتي الورقية الخاصة فقد تملكتني رغبة مجنونة أن ألعب في
ميدان الطفولة من جديد، هل يُعدّ هذا خروجا عن المنطق؟ ما الذي يميز الشعوب الأخرى التي تسمح لها ظروف الحياة أن تلهو؟
لماذا لا نسمح للفرح أن يداعبنا ولو قليلا ؟ ماذا لو أطلق أحدهم طائرة ورقية ملونة يدعونا للفرح !هل نقف منه وقفة عدائية؟
يخيفنا الخروج من المألوف و إن كان صحيّا، فنحن بحاجة إلى إعادة النظر في أسلوب حياتنا وإضافة القليل من العفوية والمرونة بدءا
من العلاقة الأسرية و طريقة تربيتنا لأبنائنا، حتى إذا انتظم على مقاعد الدراسة كان مستعدا لاستقبال المعلومة و التعامل معها ومع زملائه
بإيجابية، بذلك نخلق أفرادا يتقنون فن المرح والحب ليواجهوا مآزق الحياة بطرق صحية، من خلال أدوار تكاملية بين الأسرة و المدرسة
والمجتمع، يتفاعل بها الطالب و المعلم والمنهاج، فنحن لا نستطيع غلق أبوابنا دون المجتمع، ولا أن تكون مدارسنا في معزل عن حاجاتنا
المستقبلية التنموية، ولا أن نعيش بمعزل عن المجتمع الإنساني.
تقف مناهجنا حائرةً بين الشكل التقليدي الورقي للكتاب و الشكل الحديث الإلكتروني، بل إن بعض البرامج الدراسية تحاكي المعلم من
طرح أسئلة و تصويب إجابات و تكرار المحاولة مرة ومرات في زمن اتصال حقيقي بين الطالب و منتدى حوار أو بنك المعلومات مستخدما
الشبكة المحلية أو العالمية، تحتار بين ما نريده الآن و لمستقبلنا، عين إلى الأمام و عين على الماضي في ” شيزوفرنيا” عجيبة باحثة عن
مرتكزات ثابتة لتقلع بنا إلى مستقبل مليء بالتحديات.
تأثر طالبنا بهذه الحيرة، فمن ناحية يستطيع الوصول إلى المعلومة آليا، لكنه لا يمتلك مهارة الاستيعاب و التحليل و الاستنتاج، بمعنى أنه لا
يستطيع القراءة، فأصبح كالببغاء يكرر ما يسمع، يفتقد مهارة الحوار و أدب النقاش و قبول الرأي المخالف أو نقده.
“سِيزِيف” شخصية إغريقية، أرغم على دحرجة صخرة ضخمة على تل منحدر، ولكن قبل أن يصل إلى القمة تفلت منه ويكون عليه أن
يبدأ من جديد في عقوبة أبدية تتسم بالجنون. ما أشبه معلمنا بـ”سيزيف” هذا ! تستمر معاناته حتى النهاية المحتومة، بين سعيه لسداد
التزاماته لأسرته و لطلابه، وبين مجتمع يناقش اخلاصه في عمله، فهو المتغير الوحيد في المعادلة التربوية الذي يتحمل كل التبعات ،الحلقة
التي تتقاطع فيها كل الدوائر، معلمونا هم الذين علمونا الرقص مع الحياة دون أن نفقد خطوة من خطواتنا و لا أن يضيع منا اللحن.
ويأتي امتحان الثانوية العامة ليتصدى لكل هذه الجدليات، نفخر به و نحرص على أن يتمتع بمقاييس عالمية تواكب العصر، فتجري له
العمليات التجميلية المتلاحقة والتي تعطيه وجه شابة في العشرين نخفي بها تجاعيد الزمن ، لا يخفى على أحد أن هناك بعض الثغرات والتي
بحاجة إلى إعادة صياغة قد تحتاج منا إلى عملية تغيير شاملة لنظامنا التربوي و التعليمي في سن ما قبل المدرسة حتى يصل إلى المقعد
الجامعي .
تكشف لنا الأقمار عن نظم للثانوية العامة في العالم تحافظ على الصحة النفسية للطالب ليخدم مجتمعه و تؤهله للدراسة الجامعية إذا حقق
متطلبات دراسية معينة تتوزع على السنوات العليا الأخيرة دون عناء وتُنتج طلبة ناجحين لا يُشك في مصداقية نجاحهم. في الوقت الذي تعكف
فيه مجالس التعليم في بلدنا على تطوير نظامنا التعليمي بما يخدم المصلحة الخاصة للفرد و العامة للمجتمع، تطرح للنقاش رؤى جريئة تحتاج
منا سعة صدر وتحتاج منحها الفرصة لتنضج على نار هادئة تحت مظلة الثقة برجالات دولتنا في دوائر صنع القرار، رؤى تتفق مع شخصيتنا
الأردنية ومعاناتنا و تطلعاتنا للأحسن.
فربما يأتي اليوم الذي تجد فيه قلوبنا فسحة من أمل نطلق فيه طائراتنا الورقية الملونة احتفالا بالحياة.