د.حسام العتوم
استوقفني تصريح لسيرجي لافروف وزير خارجية روسيا الاتحادية في بروكسل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي بتاريخ 15 شباط 2021 نقلته وكالة (تاس) للأنباء الروسية، مفاده بأنه يدعو بلده روسيا لأن تكون جاهزة لفصل علاقتها مع الاتحاد الأوروبي بسبب العقوبات التي يوجهها لها وبشكل مستمر، علما بأن روسيا تتمتع بشراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي منذ عام2011، تأثرت سلبا عام 2015 بعد ضم روسيا لإقليم (القرم) عام2014، وبعد اعتراضه عليه. وبالمناسبة العالم الأول اظهرته الحرب العالمية الثانية التي انتهت عام 1945 بتأسيس الأمم المتحدة في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بعد مؤتمر دومبارتون أكس بواشنطن . ويذكر هنا بأن عصبة الأمم المتحدة أسست قبل ذلك عام 1919 عقب الحرب العالمية الأولى، لكن الحرب الثانية أنهت أعمالها .
و(العالم الأول) تشكيلة اقتصادية، وعسكرية، وثقافية، واعلامية تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حلف (الناتو) العسكري منذ عام 1949، ويتعامل بالدولار واليورو، وكما ذكرت سابقا، فإن الحلف الأمريكي الأوروبي العسكري لم يتشكل من فراغ، وانما بعد اظهار السوفييت لقنبلتهم النووية التي جاءت بعد اربع سنوات على صناعة أمريكا لها عام 1945، وتمكنت من منع الانقضاض الأمريكي على السوفييت نوويا، وتصدت حتى يومنا هذا لاحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة من شأنها إعادة البشرية إلى حضارات ماقبل التاريخ . وحسب النائب الروسي فيجيسلاف نيكانوف واعوانه في برنامجهم المتلفز والفضائي على القناة رقم (1) بتاريخ 18 2 2021، ثمة فرق بين اوروبا والاتحاد الأوروبي بالنسبة لروسيا، وارتباط لروسيا بأوروبا في موضوع اتفاقية (مينسك) التي اشتركت فيها كل من المانيا وفرنسا لضبط الأمن في أوكرانيا والعلاقة مع روسيا. ويمتلك الاتحاد الأوروبي وأوروبا بطبيعة الحال إمكانات قوية وعملاقة على المستوين الاقتصادي والعسكري فعلا، وهما وأمريكا قطبان داخل قطب واحد منتج، ومع هذا وذاك لا يستطيعان الاستغناء عن امكانات العالمين الثاني والثالث.
ومن هنا سمحا لذاتهما بتوجيه عقوبات اقتصادية لهما (كل ما دق الكوز بالجرة) كما نقول في شرقنا.
والعالم الثاني أصبح معروفا حديثا فقط، وشمل الحزام السوفييتي السابق بما في ذلك روسيا الاتحادية والدول المحاذية له، وهو الاقل إنتاجا من الغرب الأمريكي بطبيعة الحال، ويعاني من تلكؤ مصانعه الوطنية، لكنه يملك في المقابل إمكانات ضخمة تتقدمها روسيا بالصناعات النووية العسكرية العملاقة، وامتلاكها لجيش أحمر وبحرية أيضا، وللموارد الطبيعية، وللمساحة الجغرافية الأكبر على خارطة العالم (أكثر من 17 مليون كلم2)، وتمتلك حق (الفيتو) أسوة بأعضاء مجلس الأمن، وتتميز روسيا بأنها الأكثر تمسكا بالقانون الدولي عبر الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية.
وموقفها من القضية الفلسطينية العادلة واضح، وهي تطالب كما العرب بقيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية في إطار حل الدولتين، وتدعو إسرائيل للعودة الى حدود الرابع من حزيران وفقا لقرارات الشرعية الدولية (242، و338)، وتدعوها اكثر لتجميد استيطانها غير الشرعي فوق اراضي العرب. ووقفت روسيا ضد أسرلة الجولان (الهضبة العربية السورية المحتلة منذ عام 1967)، وواجهت معنا نحن العرب مشروع إسرائيل الفاشل الذي قضى عام 2019 الى ضم الغور الفلسطيني وشمال البحر الميت، وساندت روسيا الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، وعارضت بشدة صفقة القرن المشؤمة، ولم تجامل إسرائيل رغم العلاقة الاستراتيجية معها. وفي سوريا تصدرت روسيا الحرب على الإرهاب, وواجهت الحرب الباردة بصلابة وذكاء، وتعاملت مع أمريكا والغرب من زاوية “الند للند” ونجحت في إنشاء مناطق خفض التصعيد، وتفكيك ترسانة سوريا الرسمية الكيميائية، وبفتح مكتب تنسيق سياسي في عمان. وسبق لها أن تدخلت سياسيا في العراق قبل اجتياحه عام 2003 عبر جولات ليفغيني بريماكوف المعروفة لمنع اسقاط بغداد من قبل (الناتو) وإيران، وراقبت التموجات السياسية في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، والجزيرة، واقتربت أكثر
والموقف الروسي من إيران واتفاقيته النووية الدولية (5+1) ثابت وواضح، وهو الذي ساندته أمريكا بايدن مؤخرا عام 2021، وحوارها العقلاني مع تجارب كوريا الشمالية الصاروخية النووية عام 2019 معروف.
وتفوقت روسيا في مجال لقاح كورونا (v) على مستوى العالم، وواجهت فوبيا وإشاعات سوداء ورمادية مبرمجة مصدرها الحرب الباردة من جديد، وكل هذه المواقف السابقة لروسيا وغيرها كانت ولا زالت تشكل سببا رئيسا في توجيه العقوبات ضدها وكان أخرها، قضية المعارض الروسي (نافالني)، والتي هي شأن روسي لم يتم اثبات تسميمه من خلالها، وقضية الجاسوس الروسي الإنجليزي المشترك (سكريبال)، والتي لم يتم اثبات إتهام روسيا بصددها، ومسألة ضم إقليم (القرم) عام 2014 رغم التصويت علية بنسبة 95%، ولمحاولة روسيا ضبط الأمن شرق أوكرانيا في (الدونباس) والوصول الى اتفاقية (مينسك) عام 2015 .
والعالم الثالث يشكل المساحة الأكبر في العالم، ويشمل بلاد العرب، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، ومساحات من اسيا وشرقها، وهو العالم المعروف بفقره الشديد، وباعتماده على الاستهلاك، وهو المستعمر، والمحتل، والمسيطر على ثرواته عبر سوق السلاح الغربي وبمليارات دورلاية مبالغ فيها، منها الصفقة الأخيرة التي بلغت (350) مليار دولار، الممكن الاستفادة منها في تعزيز التنمية الشاملة لصالح ديمغرافيا العرب البالغ تعدادها اليوم أكثر من 423 مليون نسمة حسب احصاءات عام 2020 .
وبناء عليه، وبالارتكاز على التصريح الأخير لسيرجي لافروف، فإن روسيا جاهزة اليوم للرد على العقوبات الاقتصادية الموجهة ضدها بالمثل، وهي تمتلك القدرة على ذلك، ومجالها الجوي الواسع يسمح بهذا، وقدراتها النفطية والغازية كذلك، وعلى مستوى بيع السلاح التقليدي المتطور مثل C400 وغيره، وهي التي تحتل المرتبة العالمية الثانية في مجاله، وتمتلك الأنهار والبحار، والاخشاب، والذهب، والالماس، والامونيا، وغيره الكثير.
وفي المقابل لم نلاحظ حتى الساعة توجيه عقوبات دولية لإسرائيل التي تتصرف كما أمريكا بعنجهية الكاوبوي وفوق القانون الدولي، وكل خطوة لهما بالاتجاه السلبي مثل صفقة القرن، والتطاول على القضية الفلسطينية، وعلى القدس، وعلى الوصاية الهاشمية، والتدخل بشأن دولة عظمى مثل روسيا بحجم قطب، والتحرش بالصين القطب الاقتصادي الآخر العملاق، وبكوريا الشمالية وتجاربها النووية، ودعم امتلاك إسرائيل للقنبلة النووية في المقابل سرا، والصمت عنه علنا، وعدم السماح للعرب ولإيران بامتلاك مثلها، وبيع العرب اسلحة تقليدية ثقيلة ليسوا بحاجة لها في زمن الاتفاقات الامنية والعسكرية الأقل كلفة، ومماحكة تركيا عضو حلف (الناتو) منذ عام 1952 بسبب شرائها لصفقة صواريخ C400 الروسية الدفاعية، بهدف تفريغ تركيا من شخصيتها الوطنية والقومية، بينما هو امتلاك السلاح الدفاعي حق دستوري تركي ووطني وقومي وإقليمي مشروع.
وأضيف الى هذا عمليات خنق السود المتكررة في أمريكا في الاعوام (2014/ 2016/ 2020). فأين هي العدالة الدولية بعد ذلك؟ وأين هو الدور الحقيقي العادل لمجلس الأمن أعلى سلطة في العالم؟ أم أن الصهيونية مخترقة له وللأمم المتحدة علنا؟ ولكي لا نذهب بعيدا فإن أمن المنطقة والعالم يتطلب إخلاءها من السلاح غير التقليدي أولا وفي مقدمتها إسرائيل ومشروع إيران غير التقليدي السري المراقب دوليا واستخباريا كذلك. وحري بنا هنا أن نعرف بأن أزمة أمريكا الاقتصادية عام 2008 لم تجد مخرجا إلا بعد الارتكاز على كتاب (رأس المال) لكارل ماركس وفريديخ انجلز الالمانيان اللذان امتلكا فكراً ساهم في قيام الثورة البلشفية والاتحاد السوفييتي واقتصاده لاحقا بجهد فلاديمر لينين 1917 1924 وحتى عام 1991. وحضارة العالم الأول ساهم في بنائها علماء مسلمون أطباء مثل (ابن سينا – ابو علي الحسين صاحب كتاب “القانون والطب”) و(الرازي – محمد بن يحيى – صاحب كتاب ” الطب المنصوري”) في القرون الوسطى.