عيسى محارب العجارمة
عمان كروما عاصمة التلال وآخر الصفوة من بني هاشم
– وقف الأردن الهاشمي سدا منيعا ضد كل المؤامرات التي حيكت ضده منذ تشكيل امارة شرق الأردن وحتى اليوم، وكنا نسمع أقذع العبارات والنعوت ضد هذا الحمى الغالي وها هو جلالة الملك عبد الله الثاني الحسين بقية البقية وآخر الصفوة من بني هاشم “.
مليك عاصمة التلال عمان، كروما حينما حكمها يوليوس قيصر، يطير الى إسطنبول العثمانية ليكشف السر الخفي بصندوق ابن العربي صاحب الفتوحات المكية، واحد اشهر أئمة التصوف وهو عالم علمائهم الأكبر وبمثابة ومقام ابن تيمية للمذهب السلفي ، ذاك الصندوق الذي اهداه لجد العثمانيين ارطغرل ويحوي اخطر الاسرار عن الظهور المنتظر للأمام المهدي عليه السلام .
كان ممكناً أن تظل مملكة ” الترانزيت ” كما كان يحلو لكتاب مجلة سوراقيا تسميتها وهي المجلة الصادرة بلندن عاصمة الضباب الموالية لنظام حافظ الأسد إلى أن تعود إلى سورية خاصرتها الجنوبية… ولكن الأقدار ندبتها لمهمة ” ترانزيت ” سياسي، لنقل ” كامب ديفيد ” إلى العرب أو نقلهم إليها، وهذا نموذج من قاموس شتائم تلك المجلة للأردن بنهاية الثمانينات.
فعبدالله الثاني المتوج بعد أبيه الحسين مليكاً على عاصمة التلال، تلال عمان غير بعيد عن ساحات العز في اليرموك وعين جالوت وحطين.
فذات يوم وعام 1988 تمكن الحسين رجل ” المبادرات” وارث إمارة جدة الصحراوية التي تلونت بلون ضفة النهر المقدس الغربية.
وازدهى الحسين بن طلال بمهمة ” المكوك ” الذي جمع المتناقضات بقمة عمان العربية في فندق “البلازا ” ناسيا وغافلاً أنه الجالس على البركان.
ليس لأنه أكبر سناً ، ولكن لأنه الأطول جلوساً على العرش (35عاماً) صار ” عميد ” الحكام العرب وربما لأنه الأكثر تعرضاً لمحاولات الاغتيال والأكثر نجاة منها (عشرون محاولة ) ولأنه على الأغلب الأكثر إمساكاً بأوراق اللعب .
فقد كان رحمة الله طيار مع الطيارين حافظ الأسد وحسني مبارك ، وهو مدني متعسكر مع صدام حسين ، هو مليك ( هاشمي ) ممتد النسب مع الحسن الثاني ، وهو سليل مليك (جد) حاول توحيد دويلاته قبل أن تولد مثلما هو العاهل فهد بن موحد الجزيرة الملك عبد العزيز .
على الرغم من مقولة النسب صعوداً إلى ( آل هاشم ) مقولة جده عبد الله الذي قال يوم ضم الضفة الغربية إلى إمارته ” أنه هو الحسين بقية البقية وآخر الصفوة من بني هاشم “.
حين أنحدر أبناء ” الذوات ” الإنكليز من على تلال هارو غرب لندن في عصر يوم من نيسان ( أبريل ) عام 1952 وهم خارجون من مدرستهم الشهيرة ـ التي درس فيها تشرشل ـ كانوا منبهرين بـ ” البرنس ” الذي سيصير ملكاً وهو دون السن القانونية.
الاسترسال بالتسلسل يجعل من هذه العجالة مجلداً، ولا بد من اعتماد طريقة ” العد العكسي ” كأقصر الطرق لرسم دور الحسين بن طلال وموقعه اليوم على عرش البراكين .
في الثامن من تشرين الثاني (أكتوبر) 1988، حين اجتاز العاهل الأردني ـ الثالثة والخمسين من عمره ـ قضى أربعاً وثلاثين منها في الحكم ـ كانت قمة غير عادية تنعقد في عمان ، وفيها
ومن أجلها كان كل ما قام به الحسين غير عادي … قمة عربية ” منتظرة ” في فندق ” بلازا ” ، وليس في قصر ” زهران ” أو قصر “بسمان”.
أقام الحسن الثاني ” أمير المؤمنين ” المغربي في بيت سفيره ، وأقام الرئيس حافظ الأسد في قصر رجل الأعمال ميشيل مارتو ، وأقام صدام حسين في منزل رئيس مجلس الأعيان أحمد اللوزي ، وأقام الأمير عبد الله بن عبد العزيز في منزل السفير السعودي محمد الفهد العيسى .
ولم يكن في ذلك خرق لـ ” بروتوكولات ” المؤتمرات ، بافتراض أن الإقامة اختيار من حق الضيوف مثلما كان من حقهم جميعاً اصطحاب ” طباخيهم ” معهم وقد فعلوها جميعاً.
خرق ” البروتوكول ” كان بمسارعة الحسين بن طلال لمعانقة ضيفه ولي العهد السعودي قبل دخوله المقصورة الملكية مع نظيره ولي العهد الأردني الحسن بن طلال . وقد علق الصحافيون يومئذ بأنها ” لفتة ” ملكية لأهمية الدور السعودي ، ولمكانة ولي العهد السعودي .
وخرق البروتوكول مرة ثانية حين كلف وزير الشئون الاجتماعية الأردني باستقبال عرفات ، وحين حرد ” الأخير ” وتابع طيرانه إلى الكويت ، أعلم بأن زيد الرفاعي رئيس الوزراء سيكون في الاستقبال ، وعاد عرفات في اليوم الثاني ، ولكن لم يكن في استقباله زيد بن شاكر القائد العام للقوات الأردنية على الرغم من أن عرفات هو القائد الأعلى للقوات الفلسطينية.
ولم يكن خرقاً لـ ” بروتوكول ” سد عجز النقص في السيارات حين أرسل الحسن الثاني المغربي مع ابنه وولي عهده 80 سيارة مرسيدس سوداء ، وفعل شيوخ الخليج شيئاًً من هذا ، ولا داعي للسؤال عمن سدد فاتورة تكاليف المؤتمر التي بلغت 27 مليون دولار ليست كلها بالطبع أجرة فندق ” بلازا ” ، وما شابه ذلك ، فثمة عشرة آلاف جندي اردني انتشروا على تلال عمان لحراسة ” القمة ” فأصبحت عمان منطقة “حمراء” محزمة .
قيل ان ” القمة ” عقدت دون جدول أعمال ولذلك كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية وأخيراً فلسطين والحلول الاستسلامية الآتية على صهوة جورج شولتز وزير الخارجية الأمريكاني.
قبل ذلك كان الحسين قد أعاد علاقته مع مبارك في أيلول (سبتمبر)1985وبذلك أمكنه دعوة سفير مصر في الأردن لحضور حفل افتتاح القمة.
وفي السابع والعشرين من أبريل نيسان 1987 كان قد جمع الرئيس حافظ الأسد مع الرئيس صدام حسين في الصحراء الأردنية وحصل على موافقتهما على حضور القمة، وفي الثالث والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) 1988 استأنف علاقاته مع القذافي.
الحسين بن طلال لا ينسى ولا يبعد ” اللمسات” العائلية والشخصية في العلاقات السياسية ، والناس لا ينسون ” قمة الأبناء المصغرة ” في عمان في العاشر من آب (أغسطس) 1988 وزفاف فيصل “النجل ” الثاني للحسين على عالية ابنة رجل الأعمال الأردني (السوري الأصل) توفيق الطباع .
وحضور الحسين بن طلال ” العائلي ” والشخصي منتشر على الساحة الدولية أيضاً . فحين ظلت أقنية التلفزيون البريطاني تردد قصة السرقة المذهلة لقصر ومجوهرات زوجة تاج الدين الحجار رجل الأعمال والتأمين السوري وصديق العاهل الأردني وحامل جنسيته ، رددت أيضاً قول الحسين بأنه يتمنى التقاعد في ذلك القصر إذا حل يومه .
الجنرال غلوب “باشا” مؤسس الجيش الأردني ” واشبين ” الحسين السياسي شهد له بالجاذبية ـ في مذكراته ـ بقوله : في نيسان (أبريل) 1953 عاد الحسين ابن الثمانية عشر عاماً إلى عمان … حداثه سنه وشبابه الموفور قرباه إلى الشعب… وخلال ثلاثين عاماً كان الأردن يتمتع بأجمل أوقاته لأن الجيش كان مسانداً للعرش الهاشمي ” .. ويتابع غلوب باشا وكنت أشجعه على زيادة الضباط
“أجمل الأوقات” بدعم الجيش كانت مغلفة برداء ” ديمقراطية ” لا تنقصها اللمسات الإنكيزية ” التي تلقاها الحسين في مدرسة ” هارو ” الارستقراطية في لندن ، ولم يكملها هناك . لأن حاله والده طلال النفسية تفاقمت وهو ” السهل التعامل ” في أوائل الأربعينات .. وهي السن المناسبة كي يحكم كملك كما يقول ” غلوب باشا ” كان ذلك في نيسان (أبريل)1952 ، وفي الحادي عشر من آب (أغسطس) من ذلك العام دعى “البرلمان” إلى جلسة سرية لخلع طلال وتعيين مجلس وصاية على ” الحسين بن طلال” الذي عاد من مدرسة هاروو إلى عمان في الخامس والعشرين من آب (أغسطس) وبما أن عمره كان سبعة عشر عاماً فقد أوفد لإكمال “رتوش” الحكم بدورة مكثفة لمدة ستة أشهر في “ساند هيرست ” العسكرية البريطانية الشهيرة”
وفي نيسان (أبريل) 1953 تسلم العرش رسمياً بعد أن بلغ الثامنة عشرة ولكنه لم يكف عن ولعه بالطيران الذي حذر ” غلوب باشا ” من مخاطره أمام ” الملكة الوالدة ” .. إلا أن الشاب لم يتعظ وظل يطير حتى نال ” إجازة طيار” وانتقم من مجلس الوزراء (الوصي) فحمله في طائرته و”قلبه” في أعمال بهلوانية ألقت الرعب في قلوب الوزراء ، ومنذ تلك “الحفلة ” لم يعد مجلس الوزراء يتجرأ على تقييد حرية الملك في الطيران أو في السياسة .
في أول سني حكمه غزاه ” الجراد ” وكاد يحدث مجاعة ، فوظف الجيش الأردني لمكافحة الجراد ، ثم صارت سنة الجيش يكافح كل أنواع الجراد ، حتى الإنساني .
ولا خيار له فشرق نهر الأردن قطعة من البادية الشامية محدودة الخصب بدوية السكان ، كان من المفروض أن تكون جزءاً من الدولة السورية التي نصت اتفاقية سايكس ـ بيكو على إنشائها ، وقد حررها فيصل بن الحسين 1916 ، فصارت قطعة من مملكته التي قامت في دمشق في الثامن من آذار (مارس)1920 لكن في مؤتمر تقسيم مناطق الانتداب في (سان ريمو) جعلتها بريطانيا في حصتها لتقوم سداً في وجه المملكة العربية السعودية وتكون صلة الوصل مع العراق والخليج الشرقي.
ولما تقوض عرش دمشق لم تسارع بريطانية لاحتلالها لأنها أرض موات بل بشرتها بالاستقلال في تموز (يوليو)1920 وجعلتها تخضع لحكومات أربع منفصلة عجلون ـ اربد ـ عمان ـ السلط ـ وكلها تخضع لإدارة المندوب السامي في القدس ، غير أن هذه الأرض الموات هيأت لبريطانية فرصة التعويض عن عهودها المنكوثة مع الهاشميين فأنشأت فيها أيلول (سبتمبر)1922 ، عينت بريطانية حدود الإمارة ، وبعث بمعتمد على رأس كتلة من المستشارين أهمهم “غلوب باشا” ولم يستفد الأمير عبد الله من زيارته للندن 1922 أكثر من التسويف إلى أن حصل على اعتراف بريطانية الرسمي بالإمارة تحت رئاسته في تصريح 24 آيار(مايو)1922.
أثر ذلك قامت الثورة الشعبية فتلقى الأمير عبد الله إنذاراً بريطانياً بتسليم البريطانيين كل شئ وحتى إدارة الشؤون المالية والوزارة يتولى أهم ثلاث منها موظفون بريطانيون .
وقعت اتفاقية لندن 22 آثار (مارس) 1946 ، واعتمد يوم استقلال الأردن يوم 25 آيار (مايو) وفق النظام الملكي وأعلنت البيعة للملك “عاهل” المملكة الأردنية الهاشمية ، التي شجعت على إقامة مشروع “سورية الكبرى واغتيل الملك عبد الله عام 1951 وكان حفيده الحسين بن طلال إلى جانبه.
ظل هاجس ذلك المشروع يراود الحسين على الرغم من ضم الضفة الغربية الفلسطينية إلى مملكته ، وإلى ذلك الهاجس ، يعزي مشروع ” المملكة العربية المتحدة ” التي أراد بها أن تصبح دولة ” الترانزيت ” دولة زراعة وتجارة ، بعد أن نجح في منع الفلسطينيين من جعلها دولة مواجهة وتحرير في أيلول (سبتمبر) الأسود 1970 وبخروج منظمة التحرير وفصائل المقاومة من عمان ، خلا الجو للحسين بن طلال كي يكون رجل الدبلوماسية والأعمال معاً .
ساعدته هواية الراديو على فهم آلية وتأثير الإعلام فمد خيوطه بنعومة وذكاء فحين زارته في منزله اللندني السيدة أمية اللوزي وارثة مجلة ” الحوادث ” بعد مصرع زوجها سليم اللوزي بفترة قصيرة أشار عليها أن توظف أحد عسكرييه المتقاعدين المعروفين بالولاء لـ “العرش” وصداقتهم لمؤسس “الحوادث ” ليبقى بجانبها ويرد عنها عاديات الأيام ، وأشار على اللواء المتقاعد شفيق جميعان الذي كان ملحقاً عسكرياً أردنياً في بيروت ، ثم في واشنطن بعد أن عارض منظمة التحرير فطردته من بيروت … أشار عليه أن يطير من سفارة واشنطن إلى الإدارة العامة لـ “الحوادث ” ويستمر في خدمة ” المليك ” إعلامياً.
هذه الممارسات صقلت خبرته الإعلامية ومكنته بعد ذلك من تأميم الصحف الأردنية في الثامن عشر من آذار (مارس) 1986 ( الرأي ـ الدستور ـ صوت الشعب ـ الجوردان تايمز ) ظاهرياً طرح أسهمها للجمهور …عملياً أمر مؤسسة الضمان الاجتماعي وصندوق التقاعد والشركات العامة بامتلاك غالبية الأسهم .
اختار منبراً دولياً لتحذير الولايات المتحدة من نتائج تصلبها فألقى خطابه الشهير في ” الكورتيس ” مجلس النواب الأسباني في السادس والعشرين من آذار (مارس)1985 وقال فيه : ” أن عدم تجاوب تل أبيب وواشنطن مع جهود السلام المبذولة في السنوات العشر الأخيرة زعزعت ثقة شعوب المنطقة بجدوى حل النزاع بالطرق السلمية وتزعزت بذلك قوى الاعتدال !! .. ثم تساءل :
” هل ستسدد الضربة القاضية لهذه القوى ؟ !!
بهذه الصرخة حدد الحسين بن طلال مهمته كعراب لقوى الاعتدال ، يجذب اليسار إلى اليمين ، ويجذب اليمين إلى اليسار ، وهكذا صار ” العاهل ” مقبولاً في العواصم كلها .
في حفل تخريج أبنه فيصل من جامعة ” براون ” الأمريكانية وقف الحسين محاضراً ليتحدث عن فرص السلام ويقول : ” الظرف الحالي يشكل الفرصة الذهبية الأخيرة “و ” يجذب وضع قطار الأزمة على سكة الحل من خلال وقوف واشنطن ولو مرة واحدة في تاريخها موقفاً غير منساق خلف (إسرائيل) ” !
رد جورج شولتز وزير الخارجية الأميركاني في الواحد والثلاثين من آيار (مايو)1985 ” البيانات التي أدلى بها الملك حسين في واشنطن مشجعة تماماً وتنطوي على تقدم نحو السلام ويجب أن تحمل على محمل الجد “.
منذ ذاك اليوم ، وحتى مطلع عام 1988 حتى يومنا هذا … ما يزال شولتز يحمل كلام الملك حسين محمل الجد ، أم العكس هو الأصح ؟ !
لغة الانفجارات التي علت في العاصمة الأردنية هذا الشهر ، تفرض حملها على محمل الجد أكثر. فهي تجري وسط المؤسسات الرسمية التي يفترض أن الولاء لـ ” العرش ” يشمل كل ما فيها مائة بالمائة .
الرئيس حافظ الأسد كان من أكثر الذين حملوا الأمر على محمل الجد مائة بالمائة ، لذلك كان أول من عرض على الملك حسين إرسال وحدات مدرعة إلى الأردن معززة ببطاريات صواريخ أرض ـ جو وفق تصريح لمصدر وثيق الإطلاع في دمشق . وعللها بمخاوف العاهل الأردني من متاعب يسببها الأميركان بوساطة الإسرائيليين !! للضغط باتجاه قبول خطة وزير الخارجية الأميركاني شولتز لاسيما فيما يتعلق بالمفاوضات المباشرة .
من هذا المنظور يصبح تسخين الأجواء الداخلية مقدمة لتسخين الحدود ، وذلك بدوره يكون مقدمة لحل يفرض عبر التلويح بالسيف !!
من جانبه رحب الحسين بالعرض السوري ولكنه أثر التريث ، كي يفرغ من معالجة ما يسمى بـ ” تماسك الجبهة الداخلية الأردنية ” .
ولكن إذا تذكرنا مقولة ” غلوب باشا ” عن ولاء الجيش ، وذكرنا ” الانصهار الفلسطيني في بوتقة الانتفاضة ” أدركنا أن الحمم المتعالية من عمان ، هي معالم بركان ولكن ليس قيد الانفجار لتوه ، فعرب ما بعد قمة عمان والارتماء في أحضان ” كامب ديفيد ” هم غير عرب ما قبلها ، وإلى أن تتوضح أبعاد ” التسخين ” داخلياً أم خارجياً ، يظل الأمر في عداد نقلة ” ترانزيت ” مبرمج لفاطرة ” التخدير ” السلمي وسيظل في إطار وصفة “التخدير” هذه ما دامت الاستراتيجية الصهيونية ثابتة على إغلاق جبهة مصر عبر ” كامب ديفيد ” وإبقاء جرح الشرق القديم مفتوحاً كحل وحيد يتلافى ترهل المجتمع ” السبارطي ” العسكري الإسرائيلي ، إلى أن يحل موعد قضمة أخرى من الأرض أو من المكاسب الاقتصادية والسياسية ، وبغير ذلك لا تستقيم مقولة ” من الفرات إلى النيل المنقوشة على واجهة الكنيست الإسرائيلي “.
إلا أن الملك حسين لا يستطيع التخلي عن ” التحرك ” فهو و سر قوته كما لا يستطيع التخلي عن ” الأمل ” فهو سر إقدامه وجرأته . ولهذا يناور بحرية ويعلن أفكاراً جريئة مثلما وقف أمام كبرى شبكات التلفزيون الأميركاني في الأسبوع الماضي صارخاً : ” أنني لآ أثق بالولايات المتحدة كوسيط بين العرب والإسرائيليين ” بل زاد في التشكيك برغبة واشنطن السعي لسلام عادل وشامل في المنطقة ، ولكن هذا لا يعني أن العاهل الأردني ، حرد ولن يتعامل مع شولتز أو يزور الرئيس ريغان أو خليفته ، على العكس ما يزال يصر على أن على الولايات المتحدة أن تضغط على ” إسرائيل ” لتغير سياستها .
وكل ما هو مطلوب من العرب هو الانتظار والصبر ، فالحسين يتحرك وهو الجالس على البركان ” .
“ثمن صرخة ”يعيش الملك حسين
The Price of the Calling ‘‘Long Live King Hussein’’
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة التي رواها إبراهيم بن الكاهن خضر (فنحاس) بن إبراهيم الحفتاوي (الحبتئي) (١٩٥٥- ٢٠٠٦، موظّف كبير في شركة التأمين منوراه، رئيس لجنة العاملين فيها لمدّة طويلة، من الكهنة الشباب البارزين في نابلس وحولون، عمِل قليلًا في كنيس حولون الصغير، وفي لَجْنة الطائفة هناك، أوّل من نقل حساب التقويم السامري إلى برمجيات في الحاسوب) بالعبرية، ونُشرت في الدورية السامرية أ. ب. – أخبار السامرة، العددين ١٢٢٨-١٢٢٩، ١ شباط ٢٠١٧، ص. ٣٠- ٣٣، ١٢٣٤-١٢٣٥، ١٥ آذار ٢٠١٧، ص، ٤٠-٤٣.
هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها: إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.
بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين بالدراسات السامرية، في شتّى دول العالَم. هذه الدورية، ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن الشقيقين، بنياميم (الأمين) ويفت (حسني)، نجْلي المرحوم راضي (رتصون) صدقة الصباحي (الصفري، ٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).
”الملك حسين يساعد الطائفة
”كنت ولدًا وفتىً، كبُرت وصِرت أبًا لبنتين حسناوين كوالدتهما، ميراڤ ومعيان، وطَوال كلّ هذه الفترة ولغاية اليوم، هنالك رُكن دافىء في قلبي حِيالَ الملك حسين. كان عمري اثني عشر ربيعًا عندما نقلَنا الوالد خضر، رحمه الله، أنا وأشقائي من نابلس إلى حولون. قضيت حتى الآن ستّا وعشرين سنة في منظومات التربية والتعليم والانخراط في المجتمع الإسرائيلي في دولة إسرائيل، أعيش في المجتمع السامري الشابّ في حولون؛ أعمل لإعالة أُسرتي المتزايدة في شركة تأمين، وأُشارك اجتماعيًا وسياسيًا في مناسبات الفرح من جهة والترح من أخرى في مجتمعنا وفي المجتمع المحيط بنا.
مع كلّ هذا، هنالك ركن دافىء في الفؤاد إزاءَ الملك حسين. قد تضحك، أعرف سامريين كُثرًا وربّما أكثر من ذلك من غير السامريين في دولة إسرائيل، الذين يكُنّون الاحترام للملك حسين. ربّما لأنّهم يقارنون كفاح دولتنا من أجل البقاء على قيد الحياة، في وَسَط الأقطار المجاورة، وبين كفاح الملك حسين المتكرّر للحفاظ على حياته. أبي خضر (فنحاس) وعمّايَ الكاهنان، عطا الله (نتنائيل) وفضيل (إيتمار) كانوا يحكون لي قِصصًا كثيرة عن الخير العميم الذي صنعه الملك حسين للطائفة السامرية في نابلس. اشترى أرضنا المقدّسة على جبل جريزيم من أصحابها العرب وأهداها لنا، هبّ لبناء بيت الكاهنين الأكبرين الشقيقين، واصف (آشر) وخضر (فنحاس)، ابني توفيق (متصليح)، الذي تهدّم من جرّاء فيضان الأمطار. قصّوا عليّ، وعيونهم مُشرقة، كيف تمكّن الملك من الفِرار بطائرته بعيدًا عن طائرتين سوريتين مقاتلتين طاردتاه لإسقاطه.
هذه قصّة واحدة من ضمن قصص كثيرة أخرى، كانوا يقصّونها عنه، وهم يُدخّنون الأرجيلة والعائلة مجتمعة حول المنْقَل في ليالي الشتاء القارسة. بإمكانك أن تتصوّر كيف قدّرنا عاليًا تكريمه لنا كلنا، ممثلي الطائفة الذين قدِموا إلى عمّان عام ١٩٧٧ لتقديم التهاني للملك لمناسبة مرور خمسة وعشرين عامًا من الحُكم. اليوم في العام ١٩٣٣، يكون قدِ ٱجتاز احتفال سنة الأربعين لحكمه. سُرّ الكثيرون مثلي بنبأ شفائه من مرضه؛ إنّ الله يكون مع من يساعد السامريين. هذه حقيقة، أتعرف أيّ زعيم آخر مثله، يواصل الجلوس على كرسي العرش لمثل هذه الفترة الطويلة، على الرغم من كلّ المحاولات لاغتياله؟ لا علمَ لي بزعيم كهذا. عندما كنت ولدًا في نابلس، كنّا، كلّ الأولاد نخرج إلى الشارع عند تحليق طائرة في سماء نابلس، ننظر إلى الأعلى بلهفة، إذ أن تحليق طائرة من على نابلس في تلك الأيّام، كان بمثابة ظاهرة نادرة؛ صفّقنا وردّدنا ”طارت طيّارة – بجنحين، فيها دينا والملك حسين“، ودينا كانت زوجة الملك حسين الأولى، بعدها تزوّج من طوني جردينر الإنجليزية، فمن علياء التي قضت [إثر سقوط المروحية التي كانت تقلّها في الأردن عام ١٩٧٧، ولدت في القاهرة عام ١٩٤٨من عائلة طوقان النابلسية الأصل] فزوجته الحالية نور الحسين. هذا الأسبوع فرِحنا بمشاهدة الملك حسين، وهو يبتسم بارتياح نحو نجله عبد الله [من زوجته البريطانية] وعروسه حديثة العهد.
أداء التحية للملك حسين في السينما
تبجيل الملك حسين كان شأنًا رسميا. عندما كنا نذهب إلى قاعة السينما، كانت صورة الملك تُعرض في البداية، وعلى رأسه الكوفية المرصّعة أو قبعة البيسبول، وعندها وقفنا كلنا احترامًا له وردّدنا مع الجوقة التي في خلفية الفيلم: عاش الملك! بعد عرض الصورة جلس كلٌّ في مكانه وبدأ الفيلم. أذكر كيف كان الجنود الأردنيون ذوو الخوذات مستدقّة الرؤوس يقفون في المعابر ويحرِصون على إجراء مراسم الوقوف الدائمة. هناك من أدّى التحية العسكرية للصورة كما فعل الجنود.
أذكر أيضًا، بعد حرب العام ١٩٦٧ [في الأصل: حرب الأيّام الستّة]، عندما انتقلنا إلى حولون، كنت أقف في المرّات الأولى التي ذهبت فيها إلى السينما، حال انطفاء الضوء عند ابتداء الفيلم. كنت استغرب كثيرًا لماذا لم يشاركْني أحد في الوقوف. صيحات وشكاوى الذين جلسوا خلفي، أوضحت لي جيّدًا أنّ لا نيّة في حولون لعرض صورة الملك حسين في بداية الفلم.
فيلم فريد الأطرش يُثري عارضيه
هذا يقودني إلى القصّة التي أسرُدها عليك. سمعتها من عمّي فضيل (إيتمار) ومن الكاهن عوني (إلعزار) ومن آخرين. لو لم تكن هذه القصّة طريفة، مسلية، لما قصصتها عليك. كلاهما، عمّي فضيل بن إبراهيم، وعوني بن الكاهن غزال (طابيه)، كانا في مجموعة كبيرة من مجايليهم الشباب في أواخر سنوات خمسينات القرن العشرين. عُرف عمّي فضيل بروح دعابة متطوّرة. دأب على استغلال كلّ مناسبة لنشر الكثير من الضحك والتسلية وأحيانًا على حساب الغير، وبدونه ما كانت المجموعة كما هي.
ذات يوم انتشرت إشاعة في نابلس حول وصول فيلم جديد للمطرب الدرزي الشهير، المقيم في مصر، فريد الأطرش. فيلم فريد الأطرش، كان بمثابة عيد للجميع، وفيلم جديد معناه احتفال للمعجَبين به. عندما كانت دار السينما في نابلس تعرِض فيلمًا لفريد الأطرش، فهذا كان يعني ضمان الدخل لأسابيعَ كثيرة من العرض فالقاعات كانت تعِجّ بالمتفرّجين.
أفراد شِلّة الشباب السامري، أمّنوا لأنفسهم التذاكر سلفًا، وبعد ضجّة كبيرة اتّخذوا أماكنهم في القاعة، وبحوزتهم كيس ورقي كبير فيه كيلوغرام من المكسّرات. ما جرى في ما بعد، صادق عليه كل الرجال المعنيين. لا أدري ماذا جرى لعمّي فضيل، إذ أنّه بضع ثوانٍ قبل إطفاء أضواء القاعة، أخذ كيس المكسّرات وأفرغه في حِضن صاحبه عوني بن الكاهن غزال الذي بجانبه. انطفأتِ الأنوار، فعُرضت فورًا صورة الملك حسين. وقف الجميع أمامَ أعين الجنود المراقبين. أنشدت الجوقة: عاش الملك. عوني ابن الكاهن غزال لم يدْرِ ما يفعل، إذا استمرّ في الجلوس فسيُعاقب وإن قام واقفًا فستنتثر كل المكسّرات على الأرض.
”ما لك، قف!“، حثّه عمّي فضيل. بدأ الجنود بالاقتراب منهم، وقف عوني. هذا ثمن: ”يعيش الملك حسين“.
وفي الختام فإنني اطلب من الأردنيين التأكد تماما بان النظام الهاشمي قادر على حماية العالم الإسلامي والعربي من هذه الهجمة الصهيونية الشرسة الجديدة والتي تمثلت بصفقة القرن ونقل السفارة الامريكية واصوات خفية بتجريد الأردن من الوصاية الهاشمية على القدس وفي هذا المقال سقنا غيضا من فيض حنكة وبراعة الراحل العظيم الملك الحسين رحمه الله وكيف كان له مؤيدين ومحبين حتى في المجتمع الإسرائيلي نفسه كيهود السمرة .
وكذلك الامر فان مليك عاصمة التلال عمان الملك عبدالله الثاني بقية البقية وآخر الصفوة من بني هاشم يمسك بخيوط اللعبة المعقدة إقليميا واسلاميا ودوليا كوالده العظيم الحسين والأردن الهاشمي اليوم باقوى قوته الذهنية والعسكرية والدبلوماسية كما بدر بكلمة وزير الخارجية الصفدي باسطنبول وسيقلب الطاولة راسا على عقب بوجه كل هذه الضغوطات تجاهه وسيذهب ترمب ونتنياهو واذنابهم لمزبلة التاريخ ويبقى الأردن الهاشمي الخالد الى ان يتلسم الدفة المهدي المنتظر عليه السلام وهو الهاشمي المنتظر لقيادة الامة بمعركة هرمجدون التي كانت السبب بنقل السفارة الامريكية للقدس .