الباحث محمود شريدة
عيد الأضحى في الموروث الشعبي الاردني
بين الماضي والحاضر
المقدمة :
كما هو معلوم هناك بعض الأعياد الدينية التي يحتفل بها المسلمين في مختلف دولهم وتواجدهم ومنها :
عيد الفطر السعيد ويسمى العيد الأصغر ، ويأتي بعد انتهاء المسلمين من صوم شهر رمضان المبارك ويليه عيد الأضحى المبارك وهو أهم الأعياد الإسلامية ويسمى بالعيد الكبير ، يأتي هذا العيد بعد أن يُنهي المسلمون الركن الأعظم من فريضة الحج ، ألا وهي الوقوف بعرفة والمبيت بالمزدلفة .
وهناك ثلاثة مناسبات دينية عظيمة عند المسلمين ، يتم الاحتفال بها كأعياد في بعض البلدان الاسلامية وهي : ذكرى الهجرة النبوية ، وذكرى المولد النبوي الشريف ، وذكرى الإسراء والمعراج .
وعند الحديث عن عيد الأضحى المبارك في حياة الأردنيين ، فمن الإنصاف ان نتحدث عنه وما يصاحبه من عادات وتقاليد قديما وحديثا ، وعيد الأضحى هو المناسبة الأبرز والمحطة الأهم لممارسة عدة أشكال للموروث الشعبي الأردني ، ونعني بقديمه كيف تعامل الإباء والأجداد مع عيد الأضحى المبارك في بدايات تأسيس إمارة شرق الأردن وما قبلها .
كان الأردنيون في ذلك الزمن أكثر قربا بعضهم من بعض ، وأكثر بساطة في حياتهم ، وكانوا يمتازون بمعيشتهم البسيطة والمتشابهة ، ولهذا كانت العادات والتقاليد المتوارثة تحكم أسلوب حياتهم ، توارثوا هذه العادات عبر الأجيال ، ولكن في النهاية مثلت عاداتهم وتقاليدهم ألأصيلة ، التي عززت قيم المحبة وروح التكافل والتضامن بين كافة أفراد المجتمع .
وعند الحديث عن ذكريات عيد الأضحى من خلال أسلوب حياة الآباء والأجداد ، نجدها متشابهه إلى حد ما ، وخاصة عن حياة الناس في الحضر ” أي سكان القرى والحواضر الأردنية ” ، وقد تختلف قليلا عنها حياة المدن التي خالط سكانها ثقافات من المناطق المجاورة ، فاختلط أسلوب حياة الناس بالمدينة مع هذه الثقافات الوافدة أليها من مناطق الجوار .
حيث كانت قرانا وحواضرنا ، بلا كهرباء ، أو شبكات مياه ، وبلا خدمات ، كالمواصلات العامة ، والبريد والهاتف . إلا إذا استثنينا العاصمة عمان وبعض المدن الكبيرة ، في وقت أصبحت هذه الخدمات عاملاً رئيساً ساهم في تغير نمط الحياة فيما بعد .
وذاكرتنا الشعبية في الأردن تقول :
كان عيد الأضحى قديما أجمل ، كان أكثر ألفة ومحبة وتقاربا وتماسك بين الأرحام والأقارب والجيران ، في الحي أو الحارة على اختلاف منابتهم . إن “العشر الأواخر من شهر ذو الحجة التي تكون زاخرةً بالعديد من الطقوس الإيمانية والروحانية ، وإعطاء وقتٍ منها لتجهيز متطلبات العيد” .
كانت النساء تنهمك في بداية شهر ذو الحجة بتنظيف البيوت استقبالا ليوم العيد ، وتجهيز بعض الحلويات المصنوعة في البيت ، مثل اللزاقيات أو أقراص العيد ، التي كانت تقدم لأفراد الأسرة والضيوف صباح العيد ، ومن عادات الناس القديمة كانت تأخذ النسوة بعض الخبز والحلوى ، عند زيارتها في الصباح الباكر يوم العيد للمقابر ، تُوزع على الأطفال والمحتاجين والزائرين للمقابر، وكسب ألدعوات وقراءة الفاتحة للأموات من الأرحام والأقارب .
أما الرجال فبعد انتهاء صلاة العيد يزورون المقابر ويترحمون على الموتى بالدعاء وقراءة الفاتحة ويعودون لبيوتهم استعدادا للسلام على الأقارب والجيران وصلة الأرحام ، وتكتمل فرحة الأطفال عندما يأخذون ألعيديه من والديهم أو إخوانهم الكبار أو أقاربهم . ويبدأ الرجال ممن يستطيعون توفير الاضحه لذبحها في فناء الدار ، ويوزع قسم منها للأرحام والجيران والمحتاجين .
يحرص الجميع على تناول وجبة الإفطار، وبعدها تبدأ ربات البيوت بتجهيز الغداء وعلى الأغلب ، اشتهر عند الأردنيين أن يكون طعام الغداء منسفا يوم عيد الأضحى ، لتوفر مادة اللحم ، سوى من كان ذبح أضحية أو تلقى كمية لحم ممن ضحوا من الأقارب أو الجيران . وهذا الأسلوب يكاد يكون متشابها في كل المناطق الأردنية .
ونظرا لان الناس في الماضي ببساطة عيشهم ، كان جل أهتمامهم السعي وراء كسب معيشتهم ، لم يكن يشغل بالهم الاستعداد الكبير بالاحتفال بيوم العيد ، كما نراه في هذه الأيام ، فعلى سبيل المثال لم ينشغل أهل البيت أو الوالدين كثيرا بمظاهر العيد ، بل كان تركيزهم الأكبر على الجانب الديني العقدي مثل : صيام التسعة أيام الأولى من شهر ذو الحجة ، وذهاب رب الأسرة وأبناءه جميعا إلى المسجد بوقت مبكر ، للمشاركة بترديد تكبيرة العيد بقولهم … الله اكبر الله اكبر الله اكبر … لا إله إلا الله … الله اكبر الله اكبر ولله الحمد . وتأدية صلاة العيد وسماع الخطبة ، كان الأردنيون يؤدون صلاة العيد في المسجد قبل نصف قرن نظرا لقلة عدد السكان ، ثم السلام على المحارم والأقارب والجيران .
تعتبر الأضحية جزء لا يتجزأ من الطقوس المتبعة في هذه المناسبة الدينية. إذ يتوجه المسلمون إلى توفير أضحية العيد قبل حلوله بأيام ، لذبحها وفقاً للشعائرالدينية ، سابقاً كان الحصول عليها سهلا ، لان غالبية الناس يقتنون المواشي ولا يكاد يخلو بيت من اقتناء المواشي ، لان الظروف المكانية والبيئية مناسبة لتربيها وخاصة الأرياف ، كونها متممه لعملهم الزراعي بشكل عام .
أما سكان البادية من القبائل البدوية ، كانت حياتهم ترتكز على اقتناء المواشي بأعداد كبيره وعلى هذا الأساس كان توفير الأضحية لا يشكل صعوبة لديهم .
لم يركز رب الأسرة كثيرا على توفير الملابس الجديدة للأبناء في كل عيد ، فكانت كسوة العلية تتم في موسم واحد من السنة ، وهي بداية دوام المدارس ، الذي كان يتم في شهر أيلول من كل عام ، وهذه الكسوة تُلبس صيفا وشتاء ، وتُبدل مع كسوة ألسنه الماضية ، ولا ترمى إلا إذا بُليت تماما ، ومن الطبيعي أن ترى الشخص كبيرا أم صغيرا ، قد أصلح ثوبه إذا إصابة فتق ، برقعة أو إعادة خياطته ، وهذا أمر اعتيادي ، وإذا شذ احداً عن هذا الأسلوب وهم قليلون جدا ، وقد يكونوا من أبناء التجار أو كبار المزارعين . ولهذا كان الأبناء والبنات يلبسون نفس ثيابهم في يوم العيد وغيرة من الايام وكان الأمر طبيعي جدا .
ومن الأمور المميزة عند الأردنيون منذ الأربعينيات وبعد أن استقرت أمور الناس واستتب الأمن والأمان في كل ربوع الوطن أعتاد الناس أن يكون احتفالهم بالعيد متواضعاً .
فبعد تأدية صلاة العيد وذبح الأضحية تتجمع الاسرة الممتدة في بيت كبير العيله والمقصود بها بيت الجد ، ويتناولون المأكولات الأردنية البيتية ومن ضمنها كبده الأضحية ، وبعدها يخرج الرجال للمعايده على الجيران والأقارب وأهل الحارة ، وتبدأ النساء في تحضير وجبة المنسف الأردنية الشهيرة المكونة من الأرز ولحم الأضاحي .
أما في الزمن الحاضر
فقد تضاعف عدد سكان الأردن نتيجة للزيادة الطبيعية للسكان ، وما وصل إليه من هجرات أو العمل من الدول المجاورة ، تغيرت أنماط معيشة الناس ولم تعد الزراعة وتربية المواشي هي الحرفة السائدة عند الأردنيون ، وتغيرت أسباب وقيمة مداخليهم ، وأصبح جل وقتهم في العمل والإنتاج ، فتأثرت ثقافة العيد عندهم بثقافة من شاركهم الإقامة في الوطن من الدول المجاورة .
ففي بداية شهر ذي الحجة تبدأ مناسك الحج ، ونودع من كُتبت لهم فريضة الحج ، من الأقارب او الجيران او المعارف ، ونظل نترقب عودتهم بعد العيد .
تغيرت نظرة الناس للعيد ، وأصبحوا يستقبلونه بمظاهر الفرح والبهجة والشوق، ويحرصون على تأدية الشعائر الدينية وخاصة صلاة العيد التي يجتمع فيها أبناء الوطن في مختلف مصليات ومساجد المملكة ، أصبحت صلاة العيد تؤدى في المصليات الخارجية المفتوحة تطبيقاً للسنة النبوية ، إذ يتم التنسيق مع وزارة الأوقاف لعمل مصليات خارجية يجتمع فيها أهل الحي للصلاة والتهنئة بالعيد .
كما هو معروف في القرى والحواضر، الجد في أي عائلة هو حلقة الوصل ما بين الأجيال ، لذا يحرص جميع أفراد العائلة على الالتقاء في بيت الجد ، لتبادل التهاني بالعيد المبارك … لا سيما الأطفال الذين يتشوقون للحصول على “العيدية” التي عادة ما تكون مبلغاً صغيراً من المال ، لكنه يمثل لهم حالة فريدة من الفرح والسرور ، حيث يقومون باستقبال والديهم على باب المنزل لأخذ العيدية ومن ثم الانطلاق إلى شراء الألعاب ، واللعب مع اقرأنهم بكل فرح وسرور ، وجمع “العيديات” بالنسبة للأطفال يشكل أحد الطقوس البارزة للعيد في الأردن، وهم يضيفون جمالاً ورونقاً خاصاً إلى أيام العيد .
لم تقتصر العيدية على الاطفال فحسب بل للارحام ايضا ، من البنات والامهات والاخوات والخالات والعمات والزوجات . ومن بيت الجد أو بيت العيله ينطلقون لزيارة والمحارم والأقارب والجيران ، ومعهم أبناءهم الذين يحرصون على ارتداء الملابس الجديدة التي ابتيعت خصيصا لهذه المناسبة .
يقع العبء الأكبر في الوقت الحاضر على عاتق الأم في الاستعداد لكل مظاهر العيد، فتحاول التوفيق بين رغبات أبنائها وترتيب وتجهيز المنزل لاستقبال المعيّدين من الأهل والأقارب، وإعداد أو شراء بعض الحلوى المرتبطة بهذه المناسبة العظيمة . إذ تقوم النسوة بأعمال المنزل قبل أسبوع من موعد عيد الأضحى المبارك ، ليكون المنزل نظيفا ومرتبا صبيحة العيد ، وفي ليلة العيد تقوم بإعداد القهوة العربية وتحضر أطباق الحلوى والسكاكر وإشعال البخور في المنزل ، إضافة إلى إعداد أقراص العيد والمعمول الذي يقدم لأفراد العائلة والضيوف . وتقوم ربات البيوت بتجهيز ملابس صغارها مبكرا لمرافقة والدهم لصلاة العيد .
ومن مظاهر العيد في الأردن ، أن يتصالح الناس ويتصافوا ، خاصة الذين توجد مشاكل خلافية فيما بينهم ، كما تكثر صلة الرحم في هذا اليوم ، الذي يتواصل فيه الأقارب مع بعضهم البعض، علماً بأنه مطلوب من كل مسلم وعلى مدار العام أن يقوم بصلة رحمه ، ولكن في الحقيقة غالباً ما تكثر زيارة الأرحام في هذا اليوم .
أما من الناحية الاقتصادية ، فيستقبل الأردنيون عيد الأضحى ، بما يحمله من بهجة وسرور مبكرا ، إذ تبدأ أجواء العيد تفرض نفسها على الأسواق والحركة الشرائية في كل أسواقنا في الحواضر والمدن وفي مختلف المحافظات الأردنية مع دخول العشر الأوائل من شهر ذو الحجة ، ويعد إزدحم الناس في الأسواق وهم يشترون أغراضهم بكل حرية وبهجة وفرح ، مظهراً من مظاهر التحضير للعيد في الأردن ، ويتحول اهتمام الموطنين من شراء أصناف المأكولات ، إلى البحث عن الملابس وأصناف الحلويات ، احتفالاً بقدوم العيد المبارك .
فالعيد يترتب عليه التزامات اجتماعية تعمل على زيادة الإنفاق ، بمختلف الصعد ، كالإنفاق على المأكولات والحلويات وعيديات المحارم والأبناء والوالدين، وبالتالي يعتبر محركا اقتصاديا ومنشطا للسوق والحركة الشرائية في الاسواق المختلفة ، وعادة ما تعمد الحكومة إلى صرف رواتب الموظفين قبيل العيد بهدف مساعدتهم على تأمين احتياجاتهم وتلبية ما يسعد أطفالهم .
هذا ما استطاعت الذاكرة أن تسعفني به عن عيد الأضحى في الموروث الشعبي الاردني بين الماضي والحاضر .
الباحث / محمود حسين الشريدة
2 تعليقات
كل عام وجميع القراء بالف خير
كل عام وجميع القراء بالف خير
محمود حسين الشريدة
كل عام وجميع القراء بالف خير …