أ. سعيد ذياب سليم
غدا يوم أجمل
غيوم داكنة أظلمت لها السماء و اكفهرّ وجهها ، ستارة عملاقة غطت وجه النهار و كأنها عباءة فارس ملثم يمتطي جواده يطارد الليل لا ترى منه إلا بريق عينيه و التماع سيفه، أصوات الرعد قهقهات عمالقة تطل علينا ساخرة من السماء تزمجر في البعيد تردد صداها الجبال ، جوقة موسيقية صاخبة .. دقات طبول تتمايل فيها الأغصان على ساعدي الريح تكاد تقتلع جذورها لتهرب مع العاصفة.
أركض بين ستائر المطر المبلولة ..زخات لا تتوقف، ترشقني إطارات السيارات المسرعة نحو الدفء رذاذها المتطاير يغسلني ، جٌنّت الدنيا .. الكل في عجلة مسرعون تَدفعهم الريح تُرهبهم الأصوات لا توقفهم رائحة الأرض أو دخان المواقد لا يرون حبات المطر تتقافز في سعادة على وجه الأرض المشرق بفرح الطفولة، لا بد أنها شياطين العيد التي تحدثت عنها الأسطورة الآيسلندية، نزلت تشاكس الناس تخيفهم و ترقب احتفالهم ربما خلف نافذة أو في زاوية الشارع يعبثون في أواني المطبخ يسلبون أشياء قَلّ ما ننتبه إليها.
وسط هذا الجو المشحون بالحب و المرح و الموسيقى تبرزين لي من حيث لا أدري ترسمين على شفتيك ابتسامتك التي لم تغيرها السنين ولم تفتتها الأقدار و ترتد عنها الأحزان خجولة ، أقف في استقبالك تحت وابل الأمطار لأحتفل معك بالعيد نودّع سنة و نستقبل أخرى تكونين فيها أنت النجمة التي ظهرت في الشرق قبل مئات السنين تقود الغرباء باتجاه السلام.
تنظر إليّ طفلة خلف الزجاج تحمل دمية ، ربما تراني مهرجا أسقط أنفه الأحمر فوقف يبحث عنه في الزحمة، تبتعد بها السيارة ملوحة بيدها تسير باتجاه الحلم ، أضواء السيارات تشكل جديلتين تحمل إحداها أضواء حمراء و الأخرى بيضاء و الشارع مرآة كبيرة تعكس الألوان وكأنها شجرة الميلاد.
أَتَمَاهى في الجو من حولي و تسكنني رغبة جامحة كالخيل، تراقصني الريح تقود قدميّ حركات بهلوانية غير متناسقة لكنها سعيدة هو الأمل الآتي مع العام الجديد.
أصل إلى سيارتي قرب الحديقة المهجورة ، لا أحد في ممراتها سوى فتى و فتاة يقفان في زاوية مظلمة تحت مظلة لا يحفلان بالعاصفة يمسك أحدهما بالآخر عبث و مراهقة وقًبلٌ مسروقة تخطف منهما جنية الريح المظلة فيركضان خلفها قليلا ثم يتوقفان يمارسان اللعبة من جديد، أنطلق بالسيارة خلف الآخرين أسرع معهم أدور مثلهم في الطرقات أستمع لأغنيات قديمة أترنم بها مع أصدقاء تفرقوا و ابتعدوا لكن ابتساماتهم .. هذرهم ..أحلامهم ما زالت تسكن إحدى زوايا القلب التي تضيؤها شمعة من أمل.
وأنت تنتظرين في إحدى زوايا البيت ، تُعدّين للعيد زينته و تنسين وسط انشغالك أنك زينة العيد و شمعه و ميلاده ، ثم تتفرغين لتعدّي العشاء و الحلوى و ترسلي الدعوات ، لتجمعنا ليلة رأس السنة أسرة و أصدقاء هربا من العزلة، هو موسم الأعياد موسم الفرح يًذكّرنا بمن رحلوا نذكر قصصهم وتعليقاتهم وهم يجلسون في أماكنهم حول المائدة التي يصعب ملؤها نذكر نقاشاتنا الحادة مقالبنا “السمجة” و تضحك في أعيننا الدمعات.
أعود في المساء أحمل في جعبتي الهم و التعب تغطيني نظراتك و تطرد عني الشقاء ثم نقف و الأصدقاء نغني لاستقبال عام جديد فعسى أن يخلو من العثرات و تكون أيامه أجمل.