احمد سعد العنانزه
فضفضات في وضح النّهار “1”
كتب:احمد سعد العنانزه
كان الفكر مني لا زال شارداً ، وقد تشبّث الجسد بعباءة الكسل ، وثاهت الجفون في غياهب الخمول ، عندما بزغ فجر ذاك اليوم الدّافئ ، من عام 1983م ، والصّيف يلفظ ثماره الأخيرة ، وتنزع منه أوراقه الضّريره ، وأسراب النّمل وكأنّها على عجل تجمع ما بوسعها ، وهي تجازف بالعبور إلى البيت ، واقتربت من أطراف الخصيره ، وتلامس النّافذة هبّات قادمة من بعيد ، حملت معها بخجلٍ شديد ، ذرات التّراب القابغة منذ زمن تحت أشعّة شمس الصّيف الطّويل ، وكأنّها في انتظار هبّات الخريف لتأخذها معها في رحلتها السنويّة المعتاده .
حاولت النّوم ثانيةً ، وأشحت بنظري جانباً، أستذكر ما دار في حلمٍ زارني بتلك اللّيلة ، ولكنّه كان متقطّعاً ، مهمّشاً ، ليس له دلالة على شيء ، لم أتذكّر منه إلاّ أنّني كنت واقفةً في الباحة الخارجيّة في صباح يومٍ خريفيّ أيضاً ، أرتدي حينها بنطال جينز أزرق أو أسود ، وقميص أحمر أو بلون الزّهر ، وقد ربطت شعري كعادتي ، ونظّارتي السّوداء تلملم غرّتي كالتّاج النّاعم الرّقيق ، ومع كلّ لحظة تمرّ بي هبّات حائرة تحاول النّيل من شعري ، ويداي بتلقائيّةِ وعفويّةِ تعيد كلّ خصلة انسابت مع تموّجاتها .
كان الجوّ ساكناً جدّاً ، وكأنّ المنازل مقفرة ، والطّرقات على امتداد نظري خلت من الحياة ، وأغصان الشّجر ، وسيقان الحشائش الطّويلة ، تتمايل حيث حرّكتها أشياه الرّياح الفاترة الجافّه ، كان الوقت يمرّ بتثاقلٍ عجيب ، وفي الأفق تلوح علامات خطب غريب ، وسياج الحطب القديم رمى بكلّ ثقله على الأرض ، لم تستطع تلك الرّياح الخجولة من حمله أو تحريكه من مكانه ، كما حملت ذرّات التّراب في ثناياها بكلّ تجبّرٍ واستكبار ، وكأنّه أعلن الإستيطان في ذلك المكان من البيت ، متانسياً بأنّ نهايته على ألستة اللّهب آتية لا محاله ، إن آجلاً أم عاجلاً ، وتناسى أيضاً بأنّه قبل ذلك كانت الحياة تدبّ في أوصاله ، والأزهار تتفتّح من على أغصانه ، ولم يضيره بأنّ تحوّل لونه إلى اللّون المتيبّس الجاثم على عتمة السّنين .
1 تعليق
ياسين
رائع بل اروع مما يكون
اقنعت وأمتعت كل من مر وشاهد كلماتك