
د.حسام العتوم
لقد راهن العرب كثيرا و طويلا على عدالة الولايات المتحدة الأمريكية لأنصاف قضيتهم الأولى – الفلسطينية العادلة – ، ومنحوها مفتاح القضية الوحيد المرشد تجاه بناء دولة فلسطين وعاصمتها القدس ، التي قسمها القانون الدولي إلى شرقية و غربية ، بينما بقيت واحدة في الضمير الفلسطيني و العربي و بكامل عمقه الأيدولوجي الإسلامي و المسيحي ، وعبر الأنفتاح على الأديان السماوية كافة . ومنذ الزمن الغابر العميق و أمريكا التي يصورها العرب بأنها الأغنى ، و الأقوى في العالم تنحاز للرواية الإسرائيلية ، الاحتلالية ، الاستيطانية ، العدوانية ، التوسعية ، النازية . وبعد عهد جو بايدن المتعب و المرهق للعالم بسبب افتعاله للأزمات و الحروب العالمية ، جاء عهد دونالد ترمب – الملياردير انطلاقا من العام 2025 ، باني ناطحات السحاب ، و غاوي ملكات الجمال و البزنس ، و بدلا من أن يكحلها عماها ، فنجده يسمح لإسرائيل بكامل كيانها الاحتلالي المصنع من قبل الامتداد اليهودي التوراتي ومنه المزورومنذ مؤتمر هرتزل في بازل 1897 المقترح وقتها أن يكون في الأرجنتين أو أوغندا ، و خاصة بعد هروب اليهود من بقايا محرقة أودلف هتلر نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 ، و بالتعاون مع الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين الذي اقترح لاحقا أيضا ،ووقتها توجيههم لبناء دولتهم – إسرائيل – في إقليم القرم على ضفاف البحر الأسود ، أو إلى سخالين على حدود اليابان في الزمن السوفيتي عام 1950 .
ليست أمريكا وحدها هي العظمى في العالم ، و ليس صحيحا بأنها لوحدها تسيطر على المركز الأول عالميا رغم امتلاكها الكبير للسلاح النووي ، و لعسكرة الفضاء ، و للاقتصاد المرتكز على اقتصادات دول العالم ،و المتغول عليها ، وبسبب قيادتها لاحادية القطب السلبي .
ولقد أصابها الغرور حاليا في عهد ترامب الذي بدأ يعزل بلاده أمريكا عن حلف ( الناتو) و عن الدول الصديقة لبلاده وسط الشرق الأوسط من خلال وقف الدعم المالي بطريقة هيستيرية فسرها بضرورة انقاذ اقتصاد أمريكا المتهاوي وكل ماله علاقة بالضرائب عبر تجفيف مسارب الصرف المالي الخارجي . و أظهر ترامب من جديد انحيازه للاحتلال الإسرائيلي النازي ، بينما توقعنا من سيادته انصاف الشعب الفلسطيني البطل المناضل ، صاحب أكبر قضية في التاريخ المعاصر و لم تعالج بإنصاف منذ القرن الماضي وحتى الساعة ، وتوقعنا أيضا أن يعالج السابع من أكتوبر 2023 ، الذي عبر عن أصعب قضية احتلال وسط نفق مظلم ، وعن اليأس و الأحباط و التشرد ،و العيش في العراء ، وعن الضغط النفسي جراء الاحتلال و الاعتقال و التطاول على الاقصى المبارك ،وهدم بيوت الفلسطينيين و اللبنانيين أيضا ، بالتعهد بإعادة إعمار غزة وجنوب لبنان ،و بتوجيه إسرائيل لمغادرة الاراضي العربية المحتلة لعام 1967 ، فقدم الاقتصاد و الاستثمار الداخلي و الخارجي على السياسة وفي مقدمتها المحكنة البانية و ليست الهادمة .
لم يأت ترامب بالجديد عندما طالب الادارتين الأردنية و المصرية استقبال مهاجرين فلسطينيين جدد في وقت صمد فيه الجانبان الأردني بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني و المصري بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بوجه التهجير القسري ،وبهدف المحافظة على وحدة فلسطين و شعبها فوقها أرضها التاريخية . وقضية من يحكم غزة بعد كارثتها المأساوية ، فهو أمر متروك لقرار الشعب الفلسطيني نفسه و ليس لأية مشاريع إسرائيلية أمريكية مشتركة . و الحل المنصف إلى الأمام يكمن كما أعتقد بدمج المقاومة الفلسطينية الباسلة مع السلطة الوطنية الفلسطينية و عبر مقاعد متساوية ،ومن خلال وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل . و لا ننسى التضحيات الجسام للشعب الفلسطيني لمكوثه في صدارة النضال العربي مع الاحتلال . و بدلا من أن يعتذر ترامب للشعب الفلسطيني الذي واجه خسارة بشرية ضخمة تراوحت بين 46 الف شهيد و مائة الف شهيد مع منهم تحت الانقاذ جراء حرب الإبادة الإسرائيلية و التحجج بأكتوبر، و تعويضهم ماديا ، ذهب ومع إسرائيل ( نتنياهو و بن غفير و سيموتريش ) للترويج للتهجير الفلسطيني الطوعي ، و التاريخ شاهد عيان على أصالة الشعب الفلسطيني فوق أرضه منذ عهد الكنعانيين ،وحتى العصر الحجري قبل نصف مليون سنة .
لقد قدم ترامب الاقتصاد و الاستثمار و الانشغال بقضية الضرائب ، ومن قتل ” كينيدي ” ؟ بداية عهده على السياسة الواجب أن يستمع لها العالم و نتوخى منها أن تكون منصفة وعادلة ، لكن هيهات ؟! ،وفي المقابل نعرف جميعا بأن روسيا الاتحادية – قطب عسكري نووي عملاق يحتل في مجاله الرقم 1 عالميا ، و كذلك على مستوى المساحة ،و المصادر الطبيعية ،و يسانده الصين الشعبية صاحبة الرقم 1 في الاقتصاد العالمي و القوية نوويا عسكريا . و الرباعية الدولية الأصل أن تأخذ دورها الحقيقي و هي التي تمثل ( الولايات المتحدة و روسيا و الاتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة ) ، و لا يجوز أن يقبل المجمتع الدولي بتغول أمريكا على مفاصل و أركان و سياسات العالم . و سياسات الدول العظمى الأصل أن تأخذ بعين الاعتبار سياسات كل قضية تثار على وجه الأرض . و يستحال الاستماع من روسيا أو من الصين و الاتحاد الأوروبي ما نسمعه الان من تصريحات سياسية سلبية بشأن القضية الفلسطينية و قضايا العرب الأخرى الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي ، وقمة العرب في بيروت عام 2002 التي قادها الأمير / الملك عبد الله بن عبد العزيز ،وطالب فيها إسرائيل مغادرة الاراضي العربية المحتلة كافة مقابل سلام و تطبيع كامل معها ليست بعيدة ،ومن الممكن تفعيلها بعدما تأخذ إسرائيل إذن أمريكا و ” الأيباك ” . وتطالب روسيا بقوة عبر قصر ” الكرملين ” الرئاسي ، ووزارة الخارجية بضرورة تحقيق اقامة الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس ، و تقصد الشرقية ، وهي ثابته في موقفها هذا المطالب بحل الدولتين و بوضوح إلى جانب الصين ، و ليس كما تفعل أمريكا تحت الطاولة ما يتناقض مع تحتها .
وروسيا بالمناسبة التي تقود عالم متعدد الأقطاب ، لم تنسجم مع السابع من أكتوبر لعام 2023 ، لكنها أدانت حرب الإبادة التي قادها اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يتقدمه حزب الليكود ( نتنياهو ) ، و حزب أوتزما يهوديت ( بن غفير ) ، والحزب الديني القومي -الصهيونية الدينية ( سيموتريش ) بحق الشعب الفلسطيني و شعب لبنان .و الرئيس ترامب الذي انتظره شرقنا ليختلف عن جو بايدن – الخرف ، فاجأ العالم بهبوطه إلى وسط الخندف الإسرائيلي ، و التوجه لمد يده للعرب للإستثمار معهم و بمبلغ يطالب أن يصل إلى تريليون دولار ، و لم يلتفت لقضية فلسطين ، ولا للبنان ،و لا للجرح العربي الغائر في الصدور جراء غياب عدالة أمريكا التي تدعي الحضارة ، و تمارس الشو ، و تواصل قفزها على القانون الدولي . و يقابل ذلك حرص روسيا و الصين على التمسك بالقانون الدولي أكثر بكثير من الغرب ،ومع هذا و ذاك يواجهان فوبيا غربية مبرمجة استخباريا . و قول جديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه لو لم تسرق نتيجة الرئيس الأمريكي ترامب في الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2021 لما بدأت الحرب الأوكرانية حتى ، لكن ترامب لم يخطو تجاه إنهائها خطوة واحدة لغاية الان ،و ينشغل من جديد بتزويد إسرائيل بقنابل ثقيلة من نوع ( إم كيه – مارك ) مكافأة لها ربما على مجزرتها الدموية في غزة و جنوب لبنان ، و لتحقيق مشاريعها التوسعية الاحتلالية ذات الوقت . دعونا نراقب.