
امجد فاضل فريحات
لم يذكر التاريخ عن أمة تقدمت وازدهرت إلا وكان خلفها معلم ، واﻷمثلة كثيرة على ذلك ويعلمها الكثير ، وكان آخر الأمثلة دولة فنلندا التي إحتلت رقم واحد على العالم وبالطبع ليس في مجال السياسة ولا في مجال الحروب اﻹقليمية والنزاعات الداخلية ، ولكنها إحتلت تلك المرتبة في مجال تقدم التعليم والذي إنعكس في النهاية على التقدم واﻹزدهار في مختلف المجالات واﻷصعدة .
فنلندا دولة صغيرة من الدول اﻹسكندنافية ، لا توجد لديها موارد ضخمة من المعادن أو النفط وغيرها من الموارد ، بل فكرت جليا بوجوب التقدم واللحاق بركب اﻷمم المتحضرة ، وكان قرارها اﻹستراتيجي هو اﻹهتمام بالمعلم والتعليم على حد سواء ، حيث لجأت إلى تحديث أساليب التدريس وتقليل ساعات الدوام للطلبة لتصل لثلاث ساعات ، والتركيز على إختيار المدرس من حملة شهادة الماجستير فما فوق ، إلى جانب عدم إثقال كاهله بالواجبات الباهته التي لا جدوى منها ، باﻹضافة إلى إعطاء المعلم الحرية داخل عمله دون الرقابة التي لاقصد لها سوى الرقابة وتصيد اﻷخطاء .
عموما هذا مثال على سبب النمو والتقدم في تلك الدولة في مجال التعليم ، وهناك اليابان ، وهناك المانيا ، وهناك الكثير من التجارب والتي لم يتم نقلها لدينا وتطبيقها على المعلم والتعليم بأمانة ، وكثيرا ماكان التطبيق ينتهي بأنتهاء المنحة المرافقة لهذا البرنامج ، والتربيون يتذكرون برنامج الشراكة المجتمعية وتراجعه في آخر سنتان بعد أن إنتهت المنحة .
وبالعودة للحديث عن المعلم اﻷردني ودوره في عملية التقدم العلمي للطلبة نجد أن هناك بونا شاسعا بين ماتنادي به السياسات التربوية لرفع شأن المعلم ودعمه ماديا ، ووزير التربية أشار لذلك في آخر حديث له في هذا الجانب ، ولكن وسط هذه التصريحات المتباكية على وضع المعلم والمقرة بمأساوية وضعه المادي طالعتنا عدة مواقع إخبارية تفيد أن هناك احد المعلمين قد تم ضبطه وهو يتسول في عمان الغربية بمنطقة الصويفية ، ويصرح المصدر المسؤول عن الخبر أن وزارة التنمية الإجتماعية أطلقت سراحه لحساسية الموقف .
المعلم لا يوجد له مهنة لكي يعتاش منها سوى مهنة التعليم ، وبالتالي إذا تقاعد المعلم لا يتقن أعمال فنية غير التي كان بها ، ولذلك تجده بعد تقاعده إما مقعدا ، أو طريح الفراش بعد ان أنهكه مرض الصغط والسكري ؛ وقله قليلة منهم من يمارس أعمال أخرى ، ولكن لماذا وصل المعلم إلى هذه المرحلة وهي التسول ، على الرغم من كونها حالة فردية إلا ان ذلك يعد نذير شؤم للمنظومة التربوية والتعليمية التي يقع عاتق تنفيذها على المعلم ، ونتمنى أن لا يصل حال المدرس إلى مرحلة فاقد الشيء لا يعطيه ، بعد أن تكالبت عليه جميع أنواع الرقابة والمساءلة وضبط الجودة لتضعه تحت المجهر وعلى جميع أعماله متناسين الأماكن اﻷخرى داخل وزارته ، وغافلين عن الجرح الذي يأن منه المعلم وهو الفقر المطقع الذي يكتوي بناره ليل نهار .
بعد كل هذه المعادلات ماهو المطلوب من المعلم أن يكون ، أليس المعلم بشرا وله ظروفه وأحواله المعيشية التي لا يستطيع أن ينسلخ منها من أجل تطبيق نظريات فارغة المحتوى قادمة من بلاد الغرب نصا بلا روحا ، واليوم إذا صح الخبر الذي نقلته الصحافة وصرح به مدير مكافحة التسول ولا أحد يقر بذلك ولا نؤيد اللجوء لمثل هذه السلوكات ، إلا أنه بنفس المقام يكفي المعلم اﻷردني فخرا بأنه لم يقبض عليه متلبسا يوما ما في سرقة شيء من ممتلكات وطنه العزيز ، المعلم الذي علم اﻵخرين كيف تكون محبة اﻷوطان دون تقديم المقابل ، المعلم مثله كمثل اﻷشجار العظيمة التي تموت وهي واقفة ،
المعلم مخرج الطبيب والمهندس والضابط والجندي ورئيس الحكومة وكل أطياف المجتمع ، وبعد هذا الجهد فهل هذه هي المكافأة التي تقدم للمعلم من فضحه في وسائل اﻹعلام والجهات المسؤولة ذات العلاقة ، وهل جزاء اﻹحسان إلا اﻹحسان .
إن المعلم اليوم والمطارد من جميع الجهات الرقابية داخل المؤسسة التعليمية دون تقديم البدائل المنطقية والمقنعة لهي كفيلة بتقديم العديد من النماذج مثل معلم اليوم والذي مسك متلبسا وهو يتسول ، وستكون عنوان المرحلة القادمة إذا لم تكن هناك مصداقية في التعامل مع المعلم وجها لوجه واﻹلتفات إليه وجعله محورا أساسيا في عملية التطور لا مجرد متلقي ومنفذ للبرامج التربوية غير المستقرة ، إذا استمرت اﻷمور على هذا الحال سيكون عندها منطبقا على المعلم مقولة: كاد المعلم ان يكون متسولا .