د.حسام العتوم
انجاز : قبل الدخول معكم الى شخصية هنري الفريد كيسنجر السياسي والدبلوماسي والخبير الجيوسياسي الأمريكي العملاق، اليهودي الأصل، والحاصل على جائزة نوبل للسلام بعد جهوده المباشرة في تفكيك خيوط حرب فيتنام بين عامي 1955 و1973، وصاحب المدرسة الواقعية السياسية، والباحث عن السلام في الحرب ” الروسية الأوكرانية ومع “الناتو” بالوكالة التي اندلعت على شكل عملية عسكرية روسية خاصة إستباقية دفاعية تحريرية غير احتلالية وبقرار جماعي من قادة قصر “الكرملين” الرئاسي في موسكو تقدمهم رئيس روسيا الإتحادية فلاديمير بوتين بتاريخ 24 شباط 2022. وتم عبور الأراضي الأوكرانية السابقة ذات الجذور التاريخية الروسية العريقة منذ زمن فلاديمير لينين وتوجهه الزراعي من بوابة المادة رقم ” 7/51″ من ميثاق الأمم المتحدة التي تخول الدولة المعتدى على سيادتها مثل روسيا الدفاع عن نفسها، وهو الأمر الذي يصعب فهمه في العاصمة الأوكرانية ” كييف ” ووسط عواصم الغرب التي زجت نفسها في الصراع الروسي الأوكراني لإستغلال إستقلال أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتي عام 1991 ، فشجعت حراك الثورات البرتقالية التي وقف وراءها التيار البنديري الأوكراني المتطرف بداية ، ودخلت الأجهزة اللوجستية الغربية على الخط وفي مقدمتها الجهاز الأمريكي المعروف والقوي ” CIA ” وتم استثمار هبة التحرر الأوكرانية من الوجود الروسي في أوكرانيا بنجاح، وأنجحوا بعد ذلك انقلاب ” كييف ” غير الشرعي عام 2014 حسب قراءة موسكو والضروري بالنسبة لغرب أوكرانيا وللغرب، وتمكن من طرد ومحاولة اغتيال آخر رئيس أوكراني موالٍ لروسيا مثل فيكتور يونوكوفيج رغم اتفاقه مع نظام بلده على التوجه للغرب والإنضمام للإتحاد الأوروبي من زاوية السيادة والاستقلال لكنه ماطل في الأمر لصالح موسكو على ما يبدو، وهو ما قابلته روسيا الإتحادية بعد التقاط إشارته بسحب إقليم ” القرم ” وإعادته للسيادة الروسية بعد مكوثه في السيادة الأوكرانية 60 عاما منذ أن حركه نيكيتا خرتشوف تجاه أوكرانيا في الزمن السوفيتي عام 1954 لأسباب اقتصادية مائية، والمعروف هو بأن للقرم تاريخ روسي منذ انتصار الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية على الإمبراطورية العثمانية في الحرب الثانية عام 1774، وبينما هي عيون الغرب تتجه للسيطرة على القطب الروسي الناهض واستبدال الأسطول الروسي النووي العملاق بالأسطول السادس الأمريكي، ولإستمراية الحرب الباردة وسباق التسلح المفيد لهم ، ولإستنزاف روسيا عبر توجيه حزم متجددة من العقوبات الإقتصادية من دون معرفة حجم المصادر الطبيعية العملاقة التي تمتلكها روسيا والتي ساهمت في تثبيت قوة العملة الوطنية الروسية (الروبل ) ، والواضح هو بأن العملية العسكرية أصبح من الممكن تشبيهها بــ(أفرورا) السفينة العسكرية السوفيتية التي اطلقت شرارة الثورة البلشفية عام 1917 ،وهي عام 2022 أطلقت العنان لعالم متعدد الأقطاب لا يعترف بأوحادية القطب الأمريكي – الأوروبي المتعالي والمتغطرس والمتغول على أقطاب العالم الكبيرة والصغيرة.
ولم تتفق روسيا مع استمرار تطاول ” كييف ” وتيارها البنديري المتطرف على مواطني القرم والدونباس الأوكران والروس ومنهم الأطفال الذين رحّلت أعدادا منهم للداخل الروسي لحمايتهم ، وتسببت “كييف ” على مدى أكثر من ثماني سنوات في مقتل حوال 15 ألفا وتشريد غيرهم ، وهي جريمة حرب يرفض الغرب الإعتراف بها بينما يجمع أدلة مماثلة مثل واقعة ” بوجا ” لإدانة روسيا من دون الحاجة للمطالبة بلجنة تقصي حقائق دولية محايدة ، وأحداث اليابان، وأفغانستان، وكوسوفو، والعراق، وفلسطين شهود عيان على عدالة الغرب؟!، فحركت روسيا صناديق الإقتراع في كافة الأقاليم الأوكرانية السابقة ( القرم ولوغانسك ودونيتسك وزاباروجا وخيرسون) وجاءت النتائج وبنسب مئوية مرتفعة لصالح انضمام الأقاليم لروسيا وليس لصالح ” كييف ” أو للغرب ، لذلك فإن مشكلة ” كييف وعواصم الغرب “مع أوكران الأقاليم وليس مع ورسيا مباشرة ، ومن حق روسيا أن تدافع عن سيادتها عبر تاريخها العميق في الأراضي الأوكرانية، وليس من حق من أساء استخدام الأقاليم مثل “كييف” شن هجومات مضادة تحريرية سرابية بدعم من حلف “الناتو” وبحجم ملياري تمت المبالغة به وهو الذي تجاوز الـ 150 مليار دولار وزع بين المال الأسود والأسلحة الغربية ومنها الثقيلة، فما هو الجهد الفكري الذي قدمه هنري كيسنجر من أجل نزع فتيل الأزمة الروسية الأوكرانية ومع “الناتو”؟ دعونا نتابع ونعلق لعلنا نصل الى ماهو مفيد للبشرية جمعاء .
المعروف هو بأن كيسنجر صاحب المؤلفات الضخمة في مجالات السياسة والدبلوماسية مثل ( الدبلوماسية من القرن السابع عشر وحتى بداية الحرب الباردة، والنظام العالمي تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ ، ومفهوم السياسة الخارجية الأمريكية ، والفكر الإستراتيجي عند كيسنجر ) وتاريخه الحافل في الخارجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي تؤهله لتقديم فكره خدمة للسلام ليس الروسي الأوكراني بعد استقلال أوكرانيا عام 1991 فقط ولكن للمكونين الغربي الممثل لأوحادية القطب والشرقي الممثل لعالم متعدد الأقطاب تتصدره روسيا والصين والهند وايران والعرب وافريقيا؛ فلقد اقترح كيسنجر العودة الى حالة ما قبل العملية العسكرية الروسية الخاصة عام 2022 بمعنى الى حالة سيادة أوكرانيا عام 1991 بينما أعاقت ” كييف ” كل أنواع الحوار المباشر وعبر اتفاقية ” مينسك 1+2 ، ومنها ما كان بجوار العاصمة الأوكرانية ، وتمكن الروس حينها من اكتشاف مؤامرة كبيرة تحاك ضدهم من قبل نظام “كييف والغرب ” تستهدف الإنقضاض على سيادة دولتهم العظمى ، وقدم الروس على مدى أكثر من عام قافلة من الشهداء وخسرت ” كييف ” كوادراً بشرية كبيرة في المقابل ، ولقد وقع الفأس بالرأس كما يقال في شرقنا، واستراتيجية روسيا السياسية تكرر المشهد السوفيتي حول موضوع جزر الكوريل عندما اعتدت اليابان على الإتحاد السوفيتي في نهاية الحرب العالمية الثانية 1945، فما سيطرت عليه لم تعيده ، والحالة تتكرر في المشهد مع أوكرانيا في ما يتعلق بالقرم والدونباس ، وتؤمن روسيا بسلام الأمر الواقع ، والبحث بسلام حلول الوسط ممكن أيضا.
واقتراح آخر لكيسنجر مفاده امكانية ادخال أوكرانيا ” كييف ” في حلف ” الناتو ” وتطبيق المادة الخامسة الواردة في ميثاقه والتي تسمح “للناتو” الدفاع عن سيادة أي دولة عضوا فيه تتعرض لاعتداء خارجي ، مما يعني لكل من يحلل سياسيا هو تحويل الصراع الروسي الأوكراني ومع ” الناتو” بالوكالة الى صراع روسي ومع “الناتو” مباشرة ، وهو أمر خطير وغير مقبول ويهدد الأمن العالمي في زمن توفر السلاح النووي الكبير في حوزة الدولة الروسية العظمى وحلف “الناتو” في المقابل بغض النظر من يملك سلاحا نوويا نوعيا في مجاله، فالكارثة ستكون على مستوى الحضارات والبشرية جمعاء ، ولم يثبت العلم وجود حياة بشرية على الكواكب المجاورة للكرة الأرضية أو الأبعد، وورود مسألة أن تنقاد روسيا للصين في فكر كيسنجر لا ينسجم مع النهج الواقعي له، والمعروف هو بأن الصين لا تتحدث كثيراً في السياسة كما تمارس الإقتصاد الكبير، وروسيا من كبريات دول العالم المتفوقة نوويا في مجال العسكرة وشبكة صواريخ “سارمات” النووية الفرط صوتية مجرد مثال معاصر وهي تطور عسكرتها نوعا كل عشرة سنوات .