رمزي الغزوي
ربما سنختلف قليلاً على الزعتر، إن كان يلفظ بالصاد: صعتر أو بالسين: سعتر، أو بالزين: زعتر. ولكننا سنتوحد روحاً واحدة على أن رائحة هذا النبات تخلد في البال لسنوات طوال، دون أن يبددها عطر؛ مهما تركّز فيه نسغ الورد.
فما زالت في أم رأسي، وبما يشبه حلم دنا حتى غدا قاب رمشتين. ما زال في نفسي رائحة زعتر تشربتها ذات طفولة بصحبة جدتي. رائحة تدركها حتى لو كنت مزكوماً من مسافة مئة متر أو أشهى بكثير.
أهلنا كانوا يسمونه: الزعتر الفارسي وكان غير مدجّن في ضيق الحواكير، أو الحدائق والمزارع، ولا ربيب أصص وقواوير الزريعة على الشرفات ومداخل البيوت، بل كان بريّاً منطلقاً مثل صهيل جامح. كان لاذعاً يمتلك ورقاً صغيراً إبرياً، لكنه ومع كثير من الأسف انقرض من جبالنا كلياً، ولم يعد له وجود يذكر إلا في أحواض حدائق بعض الناس.
بالطبع لم يتعرض الزعتر لهجوم نووي ولا إلى حرب كيميائية، ولم يسقط عليه نيزك خنق جذوره وبدد أوراقه، بل نحن مسحناه عن أرض وجودنا بأيدينا حين مارسنا عليه حصداً جائراً، فقلعناه من جذوره. ومع السنوات غدت أرضنا بلا عطره الفواح. رحم الله جداتنا حين كن يعلمنا ألا نقرب جذراً للزعتر وأن نكتفي بأوراقه لندعه يتجدد.
نحن ينقصنا التعامل الصحيح مع الطبيعة، ونباتاتها البرية، سيما أن كثيراً من الناس، وفي القرى والأرياف خصوصاً، سيهيمون في البراري في هذه الأيام الطيبة للتبقيل (جمع النباتات البرية)، ولهذا أتوقع آسفاً أن تنقرض كثير من النباتات وتنظم إلى قافلة الزعتر: العكوب واللوف واللسينة والقائمة تطول.
مطلوب من وزارة الزراعة والجمعيات البيئية أن تلتفت إلى هذا الأمر الخطير، وتحاول استنبات الزعتر وغيره من النباتات التي انقرضت في جبالنا وبريتنا من جديد، ثم تنشر الوعي اللازم عبر الوسائل الإعلامية المرئية خاصة، وتشرح طريقة التعامل معها.
شخصياً أتوقع آسفاً أن ينقرض (العكُّوب) في ظرف سنوات قليلة. وهو لمن لا يعرفه نبات بري شوكي له جذورٌ فلينية تأخذ شكل الكعب، وأخمّن أنه أخذ اسمه من هذه الصفة. فبعض الناس تتعامل مع العكوب بطريقة جائرة متوحشة خاصة التجار، فيقلعونها بالفؤوس جشعاً من عند أنفسهم أو جهلاً. وهذا النبات إن قلع من جذره كيف يتجدد؟!.
سلام على أمنا الأرض إذ تتغمدنا بالخيرات والمسرة.