فارس الحباشنة
ثمة سؤال يطرح، هل ان مؤسسات الكلاسيكية في العمل السياسي، كالبرلمان والاحزاب والنقابات وصندوق الاقتراع والانتخابات مازالت صالحة وتتناسب مع مجتمعات وانظمة سياسية ودول ؟
وهل حقا ان تلك «الوصفات والكاتلوغ « مازالت صالحة للاستهلاك البشري السياسي، وهي ضرورية وقادرة على اقناع الناس، وتدبير وتسيير امورهم العامة، وتجسير العلاقة ما بين الدولة والفرد والمجتمع ؟
اكثر من سؤال، لربما يبرر طرحهما ما نشهده من ولادة لقوى احتجاجية خارجة عن الاطار التقليدي للعمل السياسي، وبمعنى اوضح وادق غير مؤمنة بالمؤسسات والاطر السياسية الكلاسيكية .
و في غمرة كل ازمة وطاريء احتجاجي سياسي تطرح اسئلة عن الحوار،و تفتح ابواب وشبابيك الحوارات، ولا يجري حقيقة مراجعة ردايكالية لاسئلة سياسية مشروعة جاثمة في الذاكرة والعقل الجمعوي للرأي العام .
و السؤال عن مؤسسات ومفاهيم سياسية اخترنا قسرا العيش معها وفي ظلالها . ومن المؤكد انها لم تات من فراغ وتهبط من السماء، ولم تنجبها ثقافة واحدة ولحظة بعينها، وانما ارتقت وتطورت وتلاحقت عبر محطات وحقب تاريخية، وحتما نتيجة لتطور في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية.
يبدو واضحا عزوف المواطنين عن المشاركة الحزبية، وذلك ليس بسبب عدم رغبتهم بالمشاركة في العمل السياسي والاهتمام بالشأن العام . بل العكس، ان موقفهم سلبي من الاحزاب ولا يثقون في تجربتها السياسية .
تقدم ونهوض سياسي دون احزاب . نعم، في اوروبا وامريكا «ام الديمقراطية والليبرالية» يطرح هذا السؤال . وسياسي امريكي يقول : انا لا اثق بالاحزاب واتهمها بانها اتاحت لرجال : مخادعين وطموحين وبلا مبادئ لتقويض سلطة الشعب .
وفي الانتخابات الامريكية الاخيرة انقلب الناخبون على الحزبين الديمقراطي والجمهوري .و ترامب في جولتي انتخابات الرئاسة الاولى والثانية التي خسرها خلق صدعا عميقا بين الحزب الجمهوري وقواعده الانتخابية ومؤيديه وداعميه، وخلق تيارا ثالثا خارج اطار الحزب وصف في الاعلام بالترامبية .
الاحزاب في اوروبا تواجه موجة من الردة .. ماكرون الرئيس الفرنسي ليس وليد لاي حزب سياسي . شعبية الاحزاب في الحضيض، وتتهم الاحزاب في الغرب بانها اصبحت مسخرة لخدمة مصالح نخبة سياسية متحكمة .
وفي الاردن، القوى والحراكات الشعبية الغاضبة والمتململة مصالحتها سياسيا ووطنيا لا تتم عبر القنوات والوسائط التقليدية . هدم الفجوة، وتحقيق فرص التقاء الفرقاء لترجمة القلق والتوتر الاجتماعي يحتاج الى ادوات جديدة للاشتباك .
و البرلمان انحسر دوره الحقيقي، وفي ازمة كورونا اشبه ما كان البرلمان معطلا وبلا عمل . والسؤال عن البرلمان والاحزاب والاطار التقليدية السياسية بلا شك سوف ينسحب على هياكل الدولة .
الناس فقدوا الثقة في الطبقة السياسية .و قرار الاستعادة وترميم العلاقة يحتاج الى جهد نضالي شعبي، ولا يحتاج الى شكليات تقارع الفراغ المدوي، وتزيد من تعقيدات العلاقة بين المواطن والدولة والمجتمع، وتعمق من هوة التصالح الوطني .
وهذا لا يعني الانجرار وراء الشعبوية وسياساتها . ولم يعد سرا ان المؤسسات السياسية التقليدية البرلمان والمجتمع المدني والاحزاب غير قادرة على مواجهة الفساد، والانهيارات المتلاحقة في المجتمع . وليس من باب المبالغة القول ان الفساد ورعاته ربحوا معركتهم في اكثر من مرة .
العالم يبدو انه اكثر تعقيدا، وانه مقبل على تغيير حتمي، وطلائع التغيير نراها الان في حالة اشتباك مع المؤسسات السياسية الكلاسيكية، ويبدو ان الاخيرة غير قادرة على استيعابها و استقبالها والتكييف معها، وناهيك عن ان القضية الاردنية شعبيا قفزت من المربع الاجتماعي والتنموي والمطلبي، وتفجرت في ملاحقة اسئلة كبرى محرمة ومطمورة وممنوع الاقتراب منها في السياسة الاردنية.