كريستين حنا نصر
تعيش المنطقة العربية اليوم مرحلة حرجة ومعقدة وفي نفس الوقت تتسم بالصعوبة والحساسية، تتسارع فيها التطورات وتتعاظم معها المعطيات والتحولات على المشهد السياسي الراهن، وعلى وجه الخصوص بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، بعد اغتياله اثر الضربة الجوية الصاروخية الاسرائيلية على الضاحية الجنوبية اللبنانية، حيث معقل حزب الله.
ان التساؤل المطروح هنا، هو ما مستقبل أو نتائج هذه الحرب المشتعلة على المنطقة، وما مدى تأثيرها على توازن القوى وتحديداً في لبنان؟، ان قراءة دقيقة للمشهد تظهر أن حزب الله وبعد مقتل القيادي البارز والمؤثر فيه، صاحب الشخصية والكاريزما في جانبها العسكري القتالي، والشخص المحفز باستمرار لأعضاء الحزب نحو القتال ومحاربة ومواجهة اسرائيل، لا يملك وبحسب اعتقادي خيار قيادي جديد بديل وبمواصفات الشخصية القيادية والمؤثرة مثل نصر الله، إلى جانب ذلك نجد النجاح الاستخباري الاسرائيلي بقتل قيادات في قوة الرضوان وتصعيد اسرائيل الاعمال العسكرية معه وبشكل كبير، وبالتالي كل هذا يعني بأن حزب الله سيحتاج لفسحة من الوقت ليعيد تنظيم نفسه واعادة بناء قواته ولملمة جراحه خلال الايام القادمة، يضاف الى هذا الواقع أيضاً ما نتج من دمار هائل في بنية الضاحية الجنوبية من تدمير المباني وقتل عدد من السكان، كذلك ما اسفرت عنه المواجهات من نزوح ما يقدر بحوالي مليون مواطن لبناني، من خارج الضاحية الجنوبية الى أماكن في لبنان ، والعدد الأكبر منهم نزح من لبنان الى سوريا، وبالطبع فإن من المعروف بأن سوريا تعتبر من محور المقاومة المدعوم من حزب الله، حيث معظم قوات الحزب التي كان لها دور في قمع الثورة السورية، سوريا التي تشهد مناخ سياسي متشابك يتمثل بحالة عدم استقرار منذ اكثر من 13 عاماً، تدور فيها الاشتبكات والنزاعات المسلحة والتدخلات الخارجية وصراع مشتعل بين الدولة السورية من جهة وداعش من جهة أخرى، اضافة الى وجود المليشيات والقيادات الايرانية فيها.
الموضوع الأبرز هنا، هو ما مدى قوة حزب الله بعد الضربات الجوية الاسرائيلية مؤخراً، والتي حتماً كان لها دور واضح في اضعاف قدراته العسكرية ، فهل بعد كل هذه الضربات النوعية وقوة النيران الكثيفة والموجعة للحزب، بما في ذلك مقتل قائده وزعيمه القوي الذي كان سبباً في نجاح تشكيل قوات النخبة والرضوان الضاربة في الحزب ضد اسرائيل، فهل يمكن للحزب أن يقف مجدداً على قدميه وأن يستمر ذراعه العسكري في أداء دوراً فعالاً في الحرب المتفاقمة الآن، أم أن الحزب يذهب نحو حالة من التحجيم العسكري ليتحول الى حزب سياسي فقط، وبالتالي يتحول عن دوره العسكري المهيمن في الساحة السياسية والعسكرية اللبنانية؟، وكل ذلك يدفعنا أيضاً لسؤال آخر مهم وهو هل تخلت فعلاً ايران عن حزب الله، وهي التي كانت الداعم الاساسي له مادياً ومعنوياً ولوجستياً وباختصار هي الراعي الرسمي لقوة هذا الحزب، وما يدفعنا لهذا الاتجاه تصريحات الرئيس الايراني عن مليشيات أخرى تدعمها مثل الحوثيين، وتحديداً تصريحات الرئيس الايراني التي قال فيها :” جماعة الحوثيين في اليمن تتمتع باستقلالية في اتخاذ القرارات وانهم لا ينتظرون من طهران إخبارهم بما يجب عليهم فعله..وان الحوثيين في اليمن لا يستمعون إلى أوامر الحكومة الايرانية..”.
لقد بات واضحاً أن ايران تفكر في مصالحها أولاً، فهي لم ترسل جنودها الى البلدان العربية بل استخدمت مليشياتها الموالية لها في هذه الدول مثل اليمن وسوريا ولبنان والعراق، والآن باتت تتخلى عنهم لمكاسب خاصة، بما في ذلك حصولها على المبالغ المالية المستحقة لها والمرتبطة بقضية الملف النووي، وبات من الواضح أيضاً ملامح التقارب الايراني مع امريكا مؤخراً، ومن المحتمل اليوم وجود ربما مسار مفاوضات بين الطرفين، والسؤال المهم الذي يتبادر للذهن هنا، هو ما مصلحة الدولة اللبنانية والدول العربية من هذا الصراع بين حزب الله المدعوم من ايران وبين اسرائيل، خاصة أن الحزب اصبح يطغى وجوده القوي في لبنان على الدولة اللبنانية وتحديداً فيما يتعلق بقراراتها السيادية وعلاقاتها الدولية؟ ، بما في ذلك قراراها السيادي بخوض حرب من عدمه، كذلك انتشار ووجود الجيش اللبناني في المناطق الجنوبية من الدولة، باختصار أصبحنا أمام واقع يمكن وصفه بأنه عملياً دولة داخل دولة، فهل تنجح الدولة اللبنانية من لملمة وضعها وتجاوز خلافاتها الحزبية والنهوض بسيادة الدولة وتفردها بالقرار السيادي، مستغلة ما يمكن وصفه بالضعف أو الارتباك الجاري عند حزب الله، وتحديداً المتعلق بتراجع قدراته القيادية السياسية والعسكرية، وقدرة الدولة في السياق السيادي ذاته من إنتخاب رئيس للدولة وبالتالي بسط سيادة الجيش اللبناني المفترضة وعلى كامل الأراضي اللبنانية .
ان مسألة قدرة الدولة اللبنانية على ذلك محط اهتمام ونظر لمجريات الأحداث، وبالتالي مدى استطاعت الدولة استغلال حالة ضعف نفوذ الحزب وواقع ارتباطه مع ايران، وما ترتب على ذلك من سيطرة واضحة له على لبنان من خلال تفرد الحزب بقوة عسكرية، وأعتقد أنه يجب على لبنان توحيد الصف والجهود وتجاوز الخلافات والسعي لتقوية الاحزاب السنية وعلى سبيل المثال حزب المستقبل وايضاً الأحزاب الاخرى الشيعية غير المسلحة والأحزاب المسيحية وتنظيم العلاقات البينية بين الأحزاب للنهوض بقوة الدولة اللبنانية، ولاشك أن بوادر ذلك كانت واضحة في تصريحات رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، الذي صرح أنه مستعد لتطبيق القرار الأممي (1701)، في جنوب لبنان ولاشك أن هذه التصريحات ضربة قاسية لحزب الله وبداية واضحة لفرض سلطة الدولة اللبنانية وبشكل خاص في منطقة جنوب لبنان حيث مركز ومعقل حزب الله، ولا شك ان هذا التطور البارز يأتي متوازياً مع واقع الاجتياح الاسرائيلي البري لجنوب لبنان، وأهدافه في تدمير القدرة العسكرية للحزب والقضاء على الأنفاق الموجودة والمنتشرة على المناطق الحدودية كما تزعم اسرائيل، وتمكينها من تأمين عودة السكان الى مناطق الشمال، فاذا نجح الاجتياح البري عسكرياً فان ذلك سيكون مقدمة تمهيدية لتطبيق القرار 1701 وبالتالي ابعاد حزب الله إلى نهر الليطاني، أي الخط الأزرق وانشاء منطقة عازلة منزوعة السلاح، والنجاح بطبيعة الحال في بسط سيطرة الجيش اللبناني في الجنوب، وضمان عودة قوات اليونيفيل أيضاً، وهذا حتماً سوف يقود الى وقف الصراع والقصف الصاروخي والمواجهات العسكرية بين حزب الله واسرائيل على المناطق الحدودية.
والسؤال هنا أيضاً هو ما تأثير ما يحصل مع حزب الله في لبنان والدولة السورية وما تاثيره على الوضع في سوريا، اعتقد أن سوريا اولا دولة قديمة في الخبرة وتاريخها العريق الممتد الى الحضارة السريانية والارامية والدولة الاموية، وسياستها كانت دوما سوريا، مهما حكمت في عدة جبهات تبقى سوريا وشعبها اقوياء الى اليوم ، يتماشوا مع الواقع الذي يطغى عليهم و تبقى سوريا قوية ومتماسكة عبر التاريخ بغض النظر عمن يحكمها.
وهذه التطورات المتسارعة سوف يكون بلا شك لها تأثير على منطقة الشرق الأوسط بأكمله بما فيه البلدان العربية، التي تتواجد فيها المليشيات والنفوذ الايراني، واعتقد أن المرحلة المقبلة هي الشاهد على العصر واتمنى أن تستقل هذه الدول عن القوة الخارجية التي تطغى على الدولة الاساسية المركزية وتهيمن على قراراتها السيادية، واعتقد أيضاً أن البلدان العربية تمر في مرحلة أن نجحت فيها من تجاوز النفوذ والهيمنة والسيطرة الخارجية فانها ستشهد نهضة وتقدم شامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.