راتب عبابنة
كثر الحديث في الأيام الأخيرة عن عودة المدعو باسم عوض الله البهلوان كاستحقاق أفرزه تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد حيث العلاقة بين الإثنين من القوة لتجعل اسم البهلوان يتردد على ألسنة المهتمين والمراقبين ويطفو على سطح المشهد السياسي الأردني. وهو توليف ساقته الظروف لتخدم مثل هكذا حديث يضاف للعلاقة الوطيدة والراسخة بالقصر والداعمة لمدرسة البهلوان التي خرّجت من الأذرعة الدعائية والداعمة الكثير وعلى ارفع المستويات.
وعلى الرغم من الأسباب الدافعة لترجيح عودته للمشهد السياسي الأردني، علينا أن لا ننسى فشل البهلوان بالملف الإقتصادي الأردني السعودي الذي لم نلمس منه سوى الوعود والنفخ والتضخيم وإذا به جبلا تمخض فولد فأرا. وكان الإستقبال غير المسبوق للملك سلمان وبإيحاء من البهلوان نفسه مجرد ضرب بالعدم لم يؤدي إلا لإضافة صورة من صور الفشل للنهج البهلواني.
إذا صحت التوقعات وكتب لها النجاح، فإننا نرى بها عودة للمربع الأول وبداية لتصفية ما تبقى من مقدرات ولو بسيطة، إذ الجزء الأكبر قد تم التفريط به دون جدوى، بل عاد بنا للوراء رغم أنه في دول أخرى يضع حلولا اقتصادية واجتماعية. لكن الأمر معكوس عندنا حيث باع البهلوان ما باعه فازداد الدين وارتفع العجز وتضخمت البطالة واستشرى الفساد وتوالد الفاسدون وغاب العدل وماتت المساواة وصار نصيب الفاسد يقرره مدى نفوذه وسلطته.
تلك تركة أشرف على تأسيسها ورعايتها وزرع مثبتاتها من يدور الحديث عن عودته من أوسع الأبواب لتكون طعنة قاتلة تضاف للطعنات التي طُعن بها الوطن وما زال يترنح من فداحتها. فالعودة تعني لنا أننا نحكم بطريقة المزرعة كالبهائم تناقض ما يتشدق به الوصوليون من أن البلد تحكمه المؤسسية والقانون والدستور وكأنهم يتحدثون عن السويد أو فنلندا. وغرورهم أنساهم أن الوعي لدى المواطن مكنه من استقراء المستقبل وإدراك مرامي ما يتم التخطيط له.
القراءة المتأنية لتاريخ ومسيرة البهلوان وعلاقاته المتشعبة وطريقة إدارته للشأن المالي عندما كان مصير الأردن بقبضة يده، تشيب منها الأطفال وتُقعَد بسببها الشباب وتُشَل الكهول وخصوصا إذا لم نغفل عن الصراع والتنافس بينه وبين الأخوين الذهبي. وكل هذا الدفق من الغرور والتغول على كل مفاصل الدولة كان يتفيأ بظل الملك ويحتمي بالعلاقة والثقة الكبيرتين ظنا من جلالته أن الثقة وضعت بمن يستحقها. فثبت أن التحول الإقتصادي والإجتماعي الذي كان عنوانا ضللنا به مجرد مفرمة فرمت ما كان من الرموز السيادية الوطنية.
من أهداف ذلك النهج إضعاف دور العشائر، بل تفتيتها وبعثرتها ليسهل اللعب والتنفيذ لكل ما هو طامس للهوية الأردنية. والعشائر هي قوام اللحمة الأردنية التي حافظت على الإستقرار والأمن والنظام بمفهومه الواسع وكانت وما زالت الرديف للأجهزة الأمنية والجيش. فإذا ضعفت، ضعف الوطن وهو ما عمل عليه النهج البهلواني. فرأيناه كيف لجأ للإفقار والتجويع وهما أفضل طريقتين لتنال من الآخر ما تريد.
كما ونرى الآن بذوره قد أنبتت من يقوموا بالمهمة خير قيام. فالوضع المالي آخذ نحو الصعود دينا وعجزا والوضع الإجتماعي صار يشهد سلوكيات لم نشهدها من قبل حيث القتل والإنتحار واللجوء وعلى الصعيد الغذائي طعامنا فاسد. أما على الصعيد الوظيفي نرى أن الجندي راتبه لا يكفيه تغطية احتياجات الثلث الأول من الشهر بينما المتنفذون وأصحاب المواقع السيادية الوارثون والمدورون ينعمون برواتب تعادل رواتب مئات الجنود الذين يسهرون لحماية الوطن.
خلاصة القول يكفينا استفزازا يبعث على الغبن والسخط ويكفينا من الإستخفاف والتعالي والتغول، فلم يعد لدينا متسع. وإذ نؤمن بأن الوطن أغلى ما نملك، فكل من يعبث به وبمشاعر أبنائه مصيره الزوال وإن طال الزمن وإن ظن المغرورون أنهم منتصرون.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد