كما تقول حقائق التاريخ بداية,فاءن اليهود السوفييت لم يتواجدو في فلسطين قبل نهاية الحرب العالمية الثانية ” العظمى” 1945 , بينما تواجد يهود غيرهم حسبو على المدرسة الغربية البريطانية – الامريكية . ولم يشهد التاريخ ميلاد كيان شكل دولة عام 1948 مكونا من مجموعة عصابات يمينية متطرفة كما هو في اسرائيل , والتاريخ شاهد عيان على عصابات ” هاشومير” , و ” البالماخ” , و ” الهاجاناه” , و ” الارجون ” . ولقد تكونت نواة اليهودية السوفيتية في اقليم باراد بيجان في اقصى الشرق السوفييتي , و بتوجيه من الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين , ومع دوارن حركة التاريخ هاجر اليهود السوفييت منها بعدما تجمعوا فيها من كل دول العالم أولا , و اعتمدو فلسطين بوصلة لهم . ومن مشاريع ستالين في بدايات الخمسينيات من القرن الماضي انه اقترح على اليهود التوجه الى شبه جزيرة القرم-الكريم , لكن التوراة القديمة كانت على الدوام دليلا عقائديا لليهود , و رسموا في مخيلتهم هيكل سليمان السرابي و عقدوا العزم على البحث عنه في فلسطين او بناء شبيه له.
ومنذ ملاحقة اودولف هتلر لليهود عبر محرقة ( الهولوكوست ) المزعومة ,والتي استهدفت كل السوفييت بين عامي 1941 و 1945 , وبعد الانتصار الساحق للجيش الأحمر السوفييتي على النازية الالمانية حنئذ, توجه تيار كبير من اليهود الى فلسطين , و تشعب غيرهم , و انتشروا داخل بلاد السوفييت و في اوروبا , و افريقيا , و امريكا.
ولقد بلغ عدد المنظمات اليهودية المتطرفة اكثر من (63) منظمة مثل جماعة التنظيم اليهودي المقاتل ,و جماعة ابناء يهودا , و اسرائيل الفتاه , و حركة اعادة التاج ,انفردت وسطها حركة ناطوري كارتا اراميه ( حارس المدينه) المناهضة للصهيونية ,والتي تعارض وجود اسرائيل على ارض فلسطين , وقد تأسست عام 1935, و زعيمها الحالي هو يسرول دوفيد ويس . ولقد اعترف الاتحاد السوفييتي بأسرائيل اولا , وكتب الدكتور امين محمود في مؤلفه ” الاتحاد السوفييتي و تأسيس دولة اسرائيل ” , بأن اندريه غروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفييتي وعبر خطاب له في الامم المتحدة تحدث عن الحقوق المشروعة للشعب اليهودي في فلسطين , و أيد قرار التقسيم لعام 1947 , واقر بحق اليهود في اقامة دولتهم على ارض فلسطين لتأمين ملاذ للالاف من اليهود المشردين . وما اود اضافته هنا هو بأن الصهيونية المخادعة التي التفت على الاتحاد السوفييتي , و على الولايات المتحدة الامريكية بعد الحرب العالمية الثانية تحديدا , انتزعت اعتراف الاتحاد السوفييتي اولا بأسرائيل , و بالحكومة الاسرائيلية المؤقتة من قبل امريكا بعد ذلك , و التفت قبل ذلك على الامم المتحدة ,وعلى قرار التقسيم عام 1947 , ونجحت بأقامة كيان لاسرائيل في شكل دولة , ووعدت الفلسطينيين العرب بدولة سرابية لم تقوم حتى الساعة, وكانت الجامعة العربية محقة في رفض قرار التقسيم وقتها لحماية ارض فلسطين العربية الكنعانية التاريخ و الجذور .
ونلاحظ الان حراكا اسرائيليا مشبوها لضم الغور الفلسطيني و شمال البحر الميت , يصطدم بموقف اردني , و فلسطيني , و عربي , و اوروبي , وعالمي صارم مضاد له , يسعى لانجاح حل الدولتين المنصف لاءهلنا في فلسطين و لقضيتهم الفلسطينية العادلة , و لحقوق الاردن في الحلول النهائية . وبذل جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ” حفظه الله” جهودا مضنية كبيرة في التصدي لمشروع الضم عبر مخاطبات محلية , و اقليمية, و دولية هامة , و في مقدمتها مخاطبة الكونغرس الامريكي نفسه .
وفي المقابل اشادت الصهيونية مؤسسة للعلاقات اليهودية – الامريكية اطلقت عليها اسم ( ايباك ) عام 1953 , و اخترقت دولا عظمى , وغيرها صغيرة بواسطة اجهزة لوجستية متعددة , وساهمت بقوة في هدم الاتحاد السوفييتي عام 1991 , و خلخلت صورة الوحدة الاوروبية , ودفعت الى سطح السياسة العالمية ,والى قمة القطب الواحد شخصية اقتصادية ثرية لازالت تحت علامة الاستفهام مثل دونلاند ترمب ,التي كشف مستشاره للامن القومي جون بولتون اللثام عنها في كتابه ” الغرفة التي شهدت الاحداث” , واصفا ترمب بالرئيس الجاهل بأبسط حقائق الجغرافيا , و بأن قراراته لا تتعدى رغبته بالتمسك بولاية رئاسية ثانية جديدة .
ولقد كتب يفغيني بريماكوف السياسي , و رجل الامن الروسي المحنك , و الدبلوماسي رفيع المستوى في كتابه ” الشرق الاوسط – على المسرح وخلف الكواليس . ص 257 ” كما هو معروف فاءن الاتحاد السوفييتي اعترف بدولة اسرائيل اولا . و ساعد الاتحاد السوفييتي اسرائيل في الحصول على السلاح عامي 1948 -1949 . وخلف تلك الحسابات وقفت مراهنة ستالين في ان تظهر في الشرق الاوسط دولة مرتبطة بالاتحاد السوفييتي يمكن ان تتحول الى جزيرة اشتراكية من شأنها ان تطوق الحضور و التأثير الانجليزي في المنطقة . ويواصل بريماكوف قوله أن الهجرة اليهودية الى فلسطين ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية , و العديد منهم انتجتهم معسكرات الاعتقال النازية الهتلرية , و قسم منهم حاربوا في صفوف الجيش السوفييتي, و في العمل الفدائي البيلاروسي , و الاوكراني , و اليوغسلافي, و الفرنسي . وفي ذلك الوقت كان التعاطف مع الاتحاد السوفييتي واسعا ” . انتهى الاقتباس .
وتعليقي هنا من جديد هو أن ما ورد على لسان بريماكوف ارتبط بسعير الحرب الباردة التي فرضها الغرب الامريكي انذاك نهاية الحرب العالمية الثانية ” العظمى” . و الا لماذا نشر الاتحاد السوفييتي سلاحه و سط الاسرائليين و العرب ؟ ولماذا وقف الاتحاد السوفييتي في المقابل الى جانب العرب , و عبر (الفيتو) لوقف الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية عام 1967؟ ولماذا اصر الاتحاد السوفييتي على التمسك بالقانون الدولي , و بأوراق الامم المتحدة , و مجلس الامن , و المحكمة الدولية لاعادة الحقوق العربية , و العالمية ,وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العادلة الى غمدها ؟ واما ما يتعلق بالنظام الاشتراكي السوفييتي وسط العرب فأنه تحول الى احزاب شيوعية لا زالت عاملة الى للوقت الحالي, رغم تخلي الشيوعية السوفيتية عن كرسيها السياسي تزامنا مع انهيار الاتحاد السوفييتي المناهض للحرب الباردة سابقة الذكر . والهجرة اليهودية الى فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية , و التي من بينها اندفعت من اتون المعسكرات النازية الالمانية لم تستوعب درس المعاناة , وواصلت قمع العرب و في مقدمتهم اهل فلسطين , والتعامل معهم كما النازية الهتلرية نفسها التي طاردتهم في عمق الاتحاد السوفييتي السابق , و انخرطو في صفوف الجيش الاسرائيلي الاحتلالي الغاصب , و ليس الدفاعي كما يحلو لاسرائيل تسميته , ومارست الاستيطان غير المشروع فوق اراضي العرب التاريخية , و في فلسطين العربية . وساهم اليهود تحت مظلة اسرائيل في فتح السجون لزج العرب فيها , ووجهت المنظمات و الاحزاب الاسرائيلية , وخاصة الكبيرة مثل الليكود و ابيض ازرق الدعوة ليهود العالم للحصول على حق العودة الى اسرائيل , والى فلسطين معا ,بدلا من الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين اصحاب الارض , و التمادي اكثر عن طريق التوسع , و الضم لطرد الفلسطيني من ارضه , و لاسرلة الجولان -الهضبة العربية السورية , ولطرد اللبنانيين من ارضهم , و لتشكيل خطر على مستقبل الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية , و لتمرير صفقة القرن المشؤومة , و لتهديد امن الاردن , و للمساس بالوصاية الهاشمية الاردنية على المقدسات في فلسطين . ومع هذا و ذاك لسنا كعرب ضد اليهودية كدين سماوي ,و نحترم كافة الاديان السماوية المسيحية منها , و الاسلامية .
والان ليس امام اسرائيل الا ان تتفهم, و تستوعب حجمها كدولة احتلال و سط العرب , و ان تلتزم بحدودها الجغرافية التي رسمتها لها الامم المتحدة مع عدم اقرارنا بذلك بطبيعة الحال , وهي الملازمة لحدود الرابع من حزيران 1967 . وعليها ان تعترف علنا ومن دون مورابة او ترحيل لسياساتها الى زمن قادم , بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين , وبحل الدولتين الناجع , وبحق العودة و التعويض للفلسطينيين اصحاب الارض و التاريخ منذ عمق العهد الكنعاني قبل اكثر من خمسة الاف سنة خلت . وفي المقابل السلام الناقص بوجود معاهدتي سلام بين اسرائيل و العرب (1979, 1994 ) وسط الشرق الاوسط يعني استمرار عدم الاستقرار , و العنف , و الصدام الكبير . و توتر العالاقات الامريكية مع العرب و الاسرائيليين نقبل الا بالمتوازنة , و العادلة , تماما مثل العلاقات الروسية العربية و الاسرائيلية ,والتي تتمسك بالقانون الدولي , و بالشرعية الدولية .
ومع هذا و ذاك نطمح لدور روسي يتجاوز المعارضة لامريكا , و يرسخ عملا مؤسسيا لمجلس الامن , و الامم المتحدة , بعيدا عن تأثيرات الصهيونية العالمية المعروفة المرفوضة من قبلنا نحن العرب .